العدد 2500 - الجمعة 10 يوليو 2009م الموافق 17 رجب 1430هـ

أزمة إيران... مفتوحة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخلت أزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية أسبوعها الخامس، وهي لاتزال مفتوحة على احتمالين: الأول، الاتجاه نحو تسوية معقولة ومقبولة ضمن الإطار الدستوري وتحت سقف القانون. الثاني، الانزلاق نحو تجويف الدولة من جيلها الأول وتفريغ الجمهورية من عصبها القوي وتلفيق ملفات واتهامات ومحاكمات لتسهيل طموحات التحكم بمصادر الثروة ومفاصل السلطة.

حتى الآن لاتزال الأزمة مفتوحة على الاحتمالين. فالأول صعب لأنه يتطلب مراجعة نقدية ترد على أسئلة بشأن تدخل الأجهزة وتلك المغالطات «التقنية» والأخطاء «الفنية» التي ساهمت في تعديل التوازن في اللحظات الأخيرة وأدت إلى إعلان فوز فريق اعتمادا على صناديق الاقتراع المتخمة بالأصوات التي جاءت بعد تمديد فترة الانتخابات من المناطق الريفية والقرى النائية.

الثاني كارثي لأنه يعني الاعتراف بانقلاب الدولة على الثورة وبدء الانفصال عن الشارع والتوجه نحو سياسة الإفراط في استخدام القوة والاستمرار في عزل إيران بالصوت والصورة عن العصر والعالم.

الأزمة في إيران حقيقية، وسياسة التهرب من القراءة الدقيقة والمعالجة العقلانية لعناصرها المتراكمة سترفع مع مرور الوقت من حدة سخونتها وخصوصا إذا كانت تبريرات السلطة لنتائج الانتخابات صحيحة. فالأجهزة تصرّ على أن فرز الأصوات الذي جرى في 12 يونيو/ حزيران الماضي من أشرف وأنزه العمليات التي جرت في تاريخ الانتخابات في إيران على امتداد ثلاثة عقود. وبناء على هذه القناعة تؤسس أجهزة الأمن (وزير الداخلية) سلسلة تحليلات تشير إلى تضخم حجم المجموعات المهمشة والهامشية في المناطق الفقيرة والقرى النائية ودورها في تعديل نسبة التوازن في التصويت بين سكان المدن والحواضر والقصبات والقوى التي «لا حل ولا قوة لها».

قراءة السلطة للانتخابات أعطى إشارات تؤكد على وجود عناصر بنيوية تخلخل النسيج الاجتماعي ويصعب معالجتها واحتواء تفاعلاتها في الأمد المنظور. وفي حال اعتمدت هذه القراءة رسميا ونهائيا ستكون خطوة سلبية باتجاه مغامرة إعادة التفكيك والهيكلة ما يعطي فرصة لنمو تجاذبات وتوترات يصعب التكهن بنتائجها السياسية من الآن.

حتى اللحظة تبدو الأجهزة مترددة في خطواتها فهي من جانب تطالب باحترام الدستور والتزام سقف القانون لتسوية الانحرافات ضمن القنوات الشرعية. وهي من جانب آخر تهدد باستخدام القوة واعتماد كل الوسائل الممكنة لحماية السلطة من الشارع وما يمثله من هيئات مدنية ومؤسسات أهلية ومراكز تجارية (قطاع البازار في طهران وأصفهان) واتحادات طلابية ونقابات عمالية.

تردد الأجهزة يشير إلى خطورة الأزمة واحتمال انزلاقها إلى مساحات تتجاوز حدود الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية. فالموجة الأولى من المواجهة كانت عفوية وشكلت نقطة اختبار لتوازن السلطة مع الشارع. فالأجهزة لم تكن تتوقع أن حال الغليان وصل إلى هذه الدرجة من السخونة. وقوى الاعتراض لم تكن تدرك أن دعوتها للتظاهر سلميا ستتحول إلى صدامات دموية مكلفة بشريا وماديا.

الموجة الأولى كانت مفاجأة. ولكنها أرسلت إشارات للطرفين حذرت من مخاطر تداعياتها في حال استمرت من دون رقابة وتنظيم وإشراف وتوجيه. فالأجهزة خافت حين فقدت السيطرة فلجأت إلى القوة لضبط الشارع. وقوى الاعتراض تخوفت من انسياق التموجات الأهلية نحو تضاعيف وتضاريس تزعزع أسس الجمهورية. ولهذه الأسباب سارعت قوى الاعتراض إلى الطلب بوقف التظاهرات خوفا على الناس وتحسبا لردود فعل كانت غير متوقعة من السلطة.


سياسة النعامة

الموجة الأولى من الغضب المتبادل انتهت إلى معادلة غامضة ولكنها فتحت الأزمة على احتمالين: التسوية العادلة أو محاكمات ملفقة.

الخطورة لا تكمن في الموجة الأولى لأنها عادة تكون عفوية وغير منظمة ومجرد اختبار للقوة. وفي إيران حصلت تلك الصدامات بين قوى تعرف بعضها بعضا منذ ثلاثة عقود وهي مطلعة على أسرارها وعناوينها ومراكزها ومواقعها وشبكة علاقاتها وطرق تفكيرها وأساليب تعاملها مع المشكلات. فالمعركة كانت في الإطار المشترك وتحت مظلة موحدة وبالتالي كان من الصعب على قوى الاعتراض السير باتجاه المجهول وكان من السهل على الأجهزة كسر إرادة الشارع والسيطرة على مختلف المفاصل لأنها تمتلك معلومات عن الأمكنة والعناوين والأسماء.

الخطورة تبدأ في الموجات التالية في حال لم تتوصل السلطة إلى تسوية عاقلة وعادلة. فالموجة الثانية ستختلف في شروطها عن الأولى لأنها ستكون أقرب إلى التنظيم والسرية وأبعد عن العفوية والعلنية. والثالثة ستكون أخطر لأنها ستعتمد على شبكات تنشط تحت الأرض وغير معروفة الأسماء والعناوين وربما الأهداف والغايات. والرابعة أيضا أخطر من الثالثة لأن قوى الاعتراض تكون قد توصلت إلى مرحلة التكيف مع الواقع وبدأت باختراع آليات ذكية ووسائل غير مرئية للمواجهة تقودها مجموعات غير موالية للدولة والثورة والجمهورية.

احتمال حصول موجات متتالية مسألة غير مستبعدة إذا تأخرت السلطة في اتخاذ خطوة تنقذ الجمهورية من الدخول في امتحانات صعبة وتجارب مغامرة تستطيع أن تتجنب السقوط فيها قبل فوات الأوان.

سياسة نفي وجود أزمة أو التهرب من مواجهة استحقاقاتها أو تعليق المشكلات على شماعات خارجية أو إقفال الهواتف وقطع شبكات الاتصال المرئية السلكية واللاسلكية وإغلاق الجامعات والصحف ومواقع الإنترنت كلها خطوات «تقنية» و«فنية» ولكنها في النهاية لن تجدي نفعا على الأمد الطويل.

الأزمة الرئاسية الإيرانية دخلت أسبوعها الخامس وهي لاتزال مفتوحة. فالمسألة تتخطى إعلان وزير الداخلية نتائج الاقتراع لتطرح قراءة تتصل مباشرة بانعدام الثقة وتراجع احترام الناس لمؤسسات الجمهورية. وأزمة الثقة لا تقتصر على جمهور ورموز قوى الاعتراض وتلك الأسماء المتنافسة على منصب الرئاسة وإنما أخذت تمتد لتشمل مراجع تقليدية مهمة ومدارس كبيرة في مدينة قم وغالبية نسبية في مجلس الشورى الإيراني.

هناك شكوك بالنتائج وعلى وزير الداخلية ألا يستخف بالمسألة. فالشكوك تتجاوز المنصب الرئاسي لأنها تمسّ قناعات ومراجعات تتصل مباشرة بالثقة. وحين تنعدم الثقة أو تتراجع تصبح الأزمة خطيرة ومفتوحة ويصعب احتواء عناصرها قبل إعادة قراءة ملفاتها بعقلية تسووية تصالحية وعادلة وتتجنب أسلوب تسطيح المشكلة وتبسيطها.

الأزمة الرئاسية دخلت أسبوعها الخامس. وهذه ليست المشكلة لأنها تحصل طبيعيا في أعرق الدول الديمقراطية. المشكلة في أجهزة وزير الداخلية التي تبدو غير قادرة على الاعتراف بالخطأ «الفني» و«التقني» والتكيّف مع تفاعلاته. وكل الإجراءات التي اتخذتها السلطة لمواجهة تداعيات احتجاجات الشارع عادية جدا وغير ذكية وليست مبتكرة... وهي إجراءات تلجأ إليها كل أجهزة الداخلية في مختلف دول العالم.

أزمة إيران مفتوحة. وحتى تتمكن السلطة من الخروج على تداعياتها واحتمال حصول تموجات ثانية وثالثة ورابعة وخامسة لابد لها أن تقلع عن «سياسة النعامة». فالنعامة حين تشعر بالخوف والقلق والتوتر تدفن رأسها في الرمال بينما المطلوب في أزمة إيران مواجهة الحقائق بإخراج رأس النعامة من الرمال.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2500 - الجمعة 10 يوليو 2009م الموافق 17 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً