العدد 5114 - الثلثاء 06 سبتمبر 2016م الموافق 04 ذي الحجة 1437هـ

ما هي فائدة الصحافة الكربونية في عالم اليوم؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مثل هذا اليوم، السابع من سبتمبر/ أيلول، قبل أربعة عشر عاماً، دارت المطبعة لتُخرج أول عددٍ من صحيفة «الوسط»، بعد أشهرٍ من الترقب والانتظار.

جاءت «الوسط» لتمثّل صوتاً جديداً مستقلاً، تُضاف للساحة الإعلامية، ولتكون قيمةً مضافةً للعمل الصحافي. وكان رائدها أن تكون قريبة من الناس، تكتب إليهم وعنهم، وتكون قريبةً من نبض قلوبهم، وتنقل قضاياهم ليعمّ الخير الوطن كلّه.

حين بدأت «الوسط»، في العام 2002، كانت الصحافة على عتبة مرحلةٍ جديدة، حيث يجري التحوّل من الاعتماد الكثيف على الكتابة بالورق، إلى تعميم استخدام الحاسوب في عمليات التحرير والتصحيح. ومع هذه النقلة، تم الاستغناء عن كميات كبيرة من الورق والأحبار والأجهزة الوسيطة. ومع توالي صدور البرامج الحديثة تم اختصار الوقت والجهد الذي كان يضيع على عمليات التصحيح والمراجعة والإنتاج.

اليوم، هناك المزيد من التحديثات التي تدخل على مختلف مفاصل حياتنا، وتفرض على الأفراد الكثير من الاهتمامات والانشغالات والقيود، بما فيهم الجيل الطري الأصغر سناً. فلم يكن أحدنا يتصور قبل سنوات، أن تدخل هذه الأجهزة الذكية كلّ بيت، وتكون في متناول كل طفل، فتؤثر على صياغة حياته ونمط تفكيره، في ثورةٍ كبرى لا ندرك مداها ولا أبعادها وآثارها على الأجيال.

التغيرات التقنية الكاسحة فرضت على الصحافة ضرورة التحوّل الرقمي ليس فقط لتبقى في دائرة المنافسة، وإنّما لتبقى على قيد الحياة. فهناك صحفٌ كبرى في الدول الغربية، تمثل مدارس صحافية عريقة، أغلقت أو قلصت حجم مطبوعاتها، أو تحوّل عملها من النشر الورقي إلى خدمة «الأونلاين». وربما لا تمضي غير سنوات قليلة، لا تزيد على العشر، حتى تختفي الصحف الورقية التي ألفناها خلال المئة عامٍ الأخيرة، وربما يكون جيلنا هو آخر جيلٍ صديقٍ للصحيفة الورقية. أبناؤنا يتحوّلون سريعاً إلى أصدقاء للصحافة الإلكترونية، أما أحفادنا فسيسخرون حين نحدّثهم مستقبلاً عن صحف ورقية، كما يسخرون الآن حين نحدّثهم عن «البيجر» (البليب).

الصحافة ظلّت وسيلةً لنقل الخبر والمعلومة طوال قرن، وأخذت على عاتقها طرح الرأي والمشاركة في الحراك الثقافي والسياسي، وحملت في أحسن حالاتها الدعوة للإصلاح والتنوير. الخبر اليوم متوافرٌ عبر الفضائيات، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، بطريقة لا تستطيع الصحافة مواكبته إلا عبر البث الإلكتروني أولاً بأول. أما الرأي، فكلما ضيّقت عليه الحكومات، كلّما اختنقت الصحافة، وسارعت بإضعاف هذا المصدر المخصّب للحياة.

هذا ما يفرضه التطور التقني السريع جداً على الصحافة، أما الصحافة من الداخل، فكما تحتاج إلى التأقلم مع التجديد، تحتاج إلى التكيّف مع حاجات المجتمع الجديد، وتطلعاته نحو الحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان، لا أن تستمر في ممارسة وظيفة العلاقات العامة، أو حمل المباخر والطبول.

إذا استمرت صحافتنا في دورها التقليدي، فلسنا بحاجةٍ إلى كل هذا العدد الكبير من الصحف، في هذا البلد الصغير، مادامت نسخاً كربونية مكررة، أشبه بنشرات دوائر العلاقات العامة بالوزارات والشركات، إلا إذا كان هناك اعترافٌ بحاجة الوطن إلى إعلام تعدّدي، يخدم المجتمع ويرقّيه، ويعبر عن مكوناته بشفافية وصدق، ولا يمارس تسقيط من يختلف عنه سياسياً أو مذهبياً، ويمارس النقد لمعالجة مكامن الخطأ.

ما أحوجنا، مع هذه الموجة التي تكتسح العالم، إلى إعلامٍ وطني، يبرز حالة التوافق المجتمعي الحقيقي، وتجد كل مكونات المجتمع نفسها فيه، ويعمل على تعزيز قيم العدالة والكرامة والديمقراطية الحقيقية، ولا يستخدم كأداةٍ لبث الكراهية وتدمير نسيج المجتمع.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5114 - الثلثاء 06 سبتمبر 2016م الموافق 04 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:37 ص

      الصحافة رسالة
      لكن بعض الصحف شغلتها تقسيم الجتمع والسب والشتم والتحريض على مكونات من المجتمع.

    • زائر 4 | 1:59 ص

      امنية بعيد عن المنال
      إعلامٍ وطني، يبرز حالة التوافق المجتمعي الحقيقي، وتجد كل مكونات المجتمع نفسها فيه، ويعمل على تعزيز قيم العدالة والكرامة والديمقراطية الحقيقية، ولا يستخدم كأداةٍ لبث الكراهية وتدمير نسيج المجتمع.

    • زائر 1 | 1:11 ص

      أحسنت أستاذ قاسم حسين! باركك الله! هذه دعوة خالصة للإخوة ليستفيدوا من فرصة تطور وسائل التواصل الاجتماعية! جميع الطوائف بما فيهم السنية والشيعية التي تحكمها مكاتب (بيروقراطية) تقليدية قديمة جامدة تحتاج التطور والتفاعل مع المجتمع الذي صارة حاجاته مختلفة! يقولون أن هذه المكاتب الدينية سبب إنشائها هو تطور المجتمع ولكن من جانب آخر نرى أن هذه المكاتب لا تواكب التطور في وسائل التواصل الاجتماعية مما يجعلنا لا نصدقهم!لديهم فرصة لتثقيف الناس ليتطوروا ولكن يستخدمونها للترويج لأحزابهم والحفر لمن يختلف معهم

اقرأ ايضاً