العدد 5114 - الثلثاء 06 سبتمبر 2016م الموافق 04 ذي الحجة 1437هـ

مع اقتراب دوغلاس من عامه الـ 100 في ديسمبر... ما الذي جعله نجماً مميزاً؟

عرف الفقر المدقع وامتهن أكثر من 40 مهنة بسيطة...

دوغلاس في مرحلة من شبابه
دوغلاس في مرحلة من شبابه

ابن بائع الخردة والملابس القديمة، ذلك الذي عَرف الفقر في أصعب صوره والظروف. ابن المهاجريْن، أو الهاربيْن من الاتحاد السوفياتي، خوفاً من الإعدامات التي لحقت باليهود، مع اشتداد المعاداة لهم.

وهو يقترب من عامه المئة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، يتساءل المحرر الأدبي والفني في صحيفة «الإندبندنت»، جيفري مكناب، في عنوان تقريره المنشور يوم الخميس (18 أغسطس/ آب 2016)، عن السرِّ الذي جعل من دوغلاس فناناً مُميَّزاً طوال هذه السنوات من احتراف المهنة؛ ما أهَّله لاحتلال المرتبة السابعة عشرة في قائمة المئة لمعهد الفيلم الأميركي، وهو الذي أنجز أكثر من مئة فيلم في تاريخه المهني أيضاً.

الممثل الذي لا تستهويه إلا الشخصيات القاتمة... القاتمة بالمشاعر المختلطة والمضطربة التي تعاني منها، يشير التقرير نفسه، إلى أنه «اتسم بالضراوة التي قدَّمتْه أحياناً بشكل مُخيف للغاية على الشاشة».

تنشر «الوسط» تقرير مكناب، مع إضاءات على عدد من الأعمال التي أنجزها دوغلاس، والتي لم تحوِ تفاصيل مهمة بشأنها في التقرير، نوردها في سياق الاستعراض، مع التركِّيز على الجوانب المهمَّة من السيرة والأعمال.

أدوار الناجين

ليس من المُستغرب أن كيرك دوغلاس (اسمه الحقيقي إيشور دينولوفيتش، وسيبلغ الـ 100 عام من عمره في ديسمبر)، عاش ما يقرب حياة جميع مُعاصريه. في أعظم أدواره على الشاشة، لعب نجم هوليوود دائماً أدوار الناجين؛ سواء كان في دوره كمنتج في هوليوود، حيث فيلمه «السيء والجميلة»، والذي تم إنتاجه في الولايات المتحدة وصدر في العام 1952، من بطولته معية لانا تيرنر، وحاز أوسكار أفضل تصوير سينمائي؛ فيما بلغت كلفة إنتاجه نحو 1,558,000 دولار، وحقق أرباحاً تقدر بـ 2.35 مليون دولار، أو في دور الملاكم المتغطرس، الذي ينال العقاب الطبيعي في فيلمه «البطل»، الذي أطلق في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، وترشَّح للمرة الأولى لجائزة الأوسكار، أو في دور صحافي سيء السمعة يبحث عن سبق صحافي أخير لإنقاذ وظيفته؛ حيث يعمد إلى استثمار مآسي البشر توظيفاً لمصلحته، وارتقائه الإعلامي، وكذلك المادي في فيلم «فارس في الحفرة» أو في دور زعيم للمتمرِّدين من العبيد في فيلم الدراما التاريخية الملحمية «سبارتاكوس»، الذي فاز بأربع جوائز أوسكار، وهو من إنتاجه وإخراج ستانلي كوبريك، وشارك في بطولته لورانس أوليفييه، توني كيرتس، جين سيمونس، بيتر أوستينوف، جون أيرلندا وهربرت لومي.

يستند الفيلم إلى عمل روائي وضعه هوارد فاست، ويحمل الاسم نفسه، ويتناول حياة العبد سبارتاكوس الذي ثار على إيقاع ورتم حياة غير طبيعية، لا ملمح للآدمية فيها تلك التي عاشها العبيد فترة الإمبراطورية الرومانية؛ حيث قاد ثورة العبيد الثالثة، سعياً إلى الحرية المُصادرة والضائعة. يأخذنا الفيلم إلى مشاهد انضمام العبيد إلى الثورة من خلال مرورهم بالبلاد مترامية الأطراف، لتصل إلى مرحلة باتت تهدِد أقوى إمبراطورية على وجه الأرض وقتها؛ الأمر الذي يتطلَّب أخذ كل الإجراءات الكفيلة بوقف ذلك الخطر الداهم على الإمبراطورية، ومهما كانت الأثمان.

الفيلم عُرض في أكتوبر/ تشرين الأول العام 1960، وحقق أرباحاً وصلت إلى 60 مليون دولار؛ فيما لم تتجاوز موازنته 12 مليون دولار.

الشخصيات التي لا تعرف الاستسلام

في معظم الأدوار التي لعبها دوغلاس، هنالك الشخصيات التي لديها دافع داخلي، وتستمر نحو الهدف الذي تريد تحقيقه من دون هوادة. شخصيات لا تعرف الاستسلام. ينسحب هذا الكلام على الميلودراما، أو أفلام العصابات؛ حيث يظل تعبيره عن تلك الشخصيات كما هو، مع فارق التفاصيل في الأدوار. حتى تقطيبة الجبين تظل ملازمة له في الكثير من تلك الأدوار، وكذلك التحديق بتحدٍ شديد في كل ما هو أمامه.

فيلم «ترامبو»، الذي يستعيد ذكرى قصة القائمة السوداء التي ضمَّت كاتب السيناريو الأميركي المعروف دالتون ترامبو، تم تقديم دوغلاس على الشاشة في دور شاب أدَّاه دين أوجورمان. كان مشهداً مُتقناً. بدا أوجورمان قريب الشبه جداً من دوغلاس، وقد بحث بوضوح في الدور الذي اضطلع به بشكل شامل. ما افتقر له أوجورمان، على رغم إتقانه الدور، هي الضراوة التي اتسم بها وقدَّمته إلى المشاهدين أحياناً بشكل مُخيف للغاية على الشاشة.

القوائم السوداء، عملت عملها في تحطيم عدد من الأُسَر الفنية الأميركية، وعدد من الكتَّاب المشهورين، ضمن قبضة أمنية لم يعرفها التاريخ الأميركي من قبل، اضطرتهم إلى تبنِّي الخيار المُر: المنافي، تجنُّباً للسجن. في تلك الفترة تم منع كثيرين من العمل في صناعة السينما، إما بسبب انتمائهم للشيوعية، التي كانت في ذروة موضوع مواجهتها، فترة الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي، وإما بسبب تعاطفهم مع مبادئها، والتي هي بطبيعة الحال محظورة.

وقفة مع الفيلم تبدو ضرورية لتبيان ملامح قاتمة من تلك الفترة التي عاشتها الولايات المتحدة الأميركية، فهو يروي قصة استهداف ترامبو بالإضافة إلى عشرة من السينمائيين؛ حيث يتم مثولهم أمام لجنة التحقيق الحكومية للنشاطات غير الأميركية في العاصمة (واشنطن) العام 1947؛ إذ تمَّت إدانتهم باحتقار الكونغرس، والعمل على ترويج مؤلفات للدعاية الشيوعية، لم تكن موجودة أساساً، وإنما تم افتراضها، نتجت عن كل تلك الإجراءات عقوبات متفاوتة بالسجن. بالنسبة إلى ترامبو، فقد حكم بالسجن لمدة 11 شهراً، وفي ظروف كتلك، لم يكن ثمة مجال كي يعود إلى عمله، إذ كان اسمه ضمن القائمة السوداء التي تشدِّد على حرمان الذين تتم إدانتهم من أبسط حقوقهم المدنية؛ ما دفعه إلى اللجوء إلى عدد من الأسماء المستعارة، بمساعدة صديقه إيان هنتر، الذي أتاح له فرصة كتابة عدد من سيناريوهات الأفلام لهوليوود في خمسينات القرن الماضي.

«جئت من الفقر»

« لقد أتيت من فقر مدقع، فلم يكن لي خيار إلا الصعود»، كان ذلك تعليقاً ورد ذات لقاء عن تحوُّله من ابن تاجر للملابس القديمة إلى نجم سينمائي. كان ذلك بمثابة بيان نوايا من أنه لن يتردَّد أبداً في إحداث ذلك التحوُّل. وبحسب تعبير مكناب «كان يترك لديك شعوراً بأنه سيدوس على أي شخص يقف في طريقه. حتى عندما كان يؤدِّي أدوراً بطولية متنوِّعة، كان دائم الحرص على أن يُظهر لنا الجانب الأكثر قتامة وشراسة في تلك الشخصيات».

انظر، على سبيل المثال، قصة ويليام ويلر «المخبر» في العام 1951، والذي أدَّى فيه دوغلاس دور مُخبر من نيويورك يُدعى جيم ماكلويد، وهي شخصية واضحة لا لبْس فيها، يتمتع صاحبها بالوسامة والشعبية، وعلى علاقة حب عميقة بزوجته الشابة إليانور باركر. إنه فيلم مُرهق ومن النمط المسرحي، وتقع أحداثه تقريباً في مركز للشرطة، إلا أن فيه بعض المشاهد غير العادية. فيما بعد، يكتشف المخبر أن زوجته قد أجرت عملية إجهاض. يتحوَّل كل بطل أميركي إلى مريض نفسي في حالات غضبه واشمئزازه، إزاء خيانة من ذلك النوع. خيانة زوجته. عندما يتحدَّث عن «الصور القذرة»، كان يراها في ذهنه، وندرك بسرعة عمق اشمئزازه الداخلي، وقدرته على التماهي مع العنف. «بالأحرى سأذهب إلى السجن لمدة 20 عاماً بدلاً من معرفة أن زوجتي كانت متشردة!» كان يصرخ في لحظته الأكثر بؤساً.

في المقابلات، كان دوغلاس غالباً ما يتحدث عن الانجرار إلى لعب شخصيات قاتمة بدلاً من الشخصيات المقابلة لها، على قاعدة أن «الفضيلة ليس رقيقة». حتى عندما كان يؤدِّي الشخصيات الثانوية والبطولية - على سبيل المثال - عندما لعب دور ضابط فرنسي في فيلم «دروب المجد»، الذي أخرجه وكتب السيناريو له ستانلي كوبريك، ومأخوذ من رواية بالعنوان نفسه للكاتب الأميركي همفري كوب، وتدور أحداثه في زمن الحرب العالمية الأولى، في ظل ظروف غاية في الصعوبة يعيشها الكولونيل داكس «كيرك دوغلاس»، بعد أن تصدر له الأوامر بالاستمرار في الهجوم من قبل الضباط الفرنسيين، ويتخذ موقف رفض تلك الأوامر، ويدفع عن نفسه تهمه الجبْن في سبيل حماية جنوده، وسعياً إلى تجنُّب كثير من الضحايا قبالة الجنود النازيين. كان يقدِّم لنا رسالة واضحة المعالم. رسالة مباشرة وغير مباشرة تمرر لنا قضية مناهضة الحرب. لا حرب يمكن لها أن تجلب سعادة للعالم. كل الحروب ومن دون استثناء، وإن اضطرت شعوب إلى خوضها.

ضوء على قرن

ولد دوغلاس، واسمه الحقيقي إيشور دينولوفيتش في أمستردام بولاية نيويورك في العام 1916م. كان والداه من المهاجرين الذين فرُّوا إلى الولايات المتحدة من روسيا البيضاء، هرباً من المذابح التي تم ارتكابها ضد اليهود. قام والداه بتغيير لقبهما إلى ديمسكي. عُرف باسم إيزي ديمسكي حين كان طفلاً. مع دخوله عالم السينما غيَّر اسمه إلى كيرك دوغلاس. تُقرأ سيرة الممثل كنموذج لجميع الأميركان التوَّاقين إلى الرغبة الجامحة في الوفاء لما يحلمون به ويتطلَّعون إليه، على رغم الظروف التي تكتنف الحياة. هو ابن تاجر في مجال الخردة والملابس القديمة؛ حيث نشأ في فقر مدقع، ليكتشف موهبته الفنية عندما كان طالباً في المدرسة الثانوية. مارس مهناً بسيطة وشاقة، وصلت إلى أكثر من أربعين مهنة، من بينها مصارع في المهرجانات، ليتمكَّن من تحمُّل نفقات الالتحاق بالدراسة الجامعية. من هناك، تحصَّل على منحة دراسية من الأكاديمية الأميركية للفنون المسرحية. بدأت تتفتَّق موهبة التمثيل لديه حين كان طالباً في الأكاديمية؛ الأمر الذي أتاح له فرصة الحصول على منحة خاصة، ومن الأكاديمية نفسها تعرَّف على ديانا ديل والتي أصبحت زوجته في العام 1943، وأنجب منها طفلان هما: جويل ومايكل دوغلاس.

بعد تخرُّجه من قسم الدراما، عمل في برودواي، ومع حلول العام 1941 انضمَّ إلى القوات البحرية، ليتم تسريحه بسبب إصابات لحقت به. عاد دوغلاس إلى مدينة نيويورك؛ حيث عمل في الإذاعة والإعلانات التجارية، وكان توجُّهه أن يظل ممثلاً مسرحياً، إلى أن واتته الفرصة عن طريق زميل دراسته وصديقه لورين باكال، الذي ساهم في حصوله على الدور الأول له في السينما من خلال فيلم «غريب يحب مارثا ليفر».

من بين أفلامه: «هناك رجل أعوج» في العام 1970، و «الضوء في إحاطة العالم»، وهو من نوع أفلام المغامرة، وأنتج في العام 1971 معية يول براينر، ويروي قصة مجموعة من القراصنة الهمجيين يقطعون الطريق على الناس لقتلهم وأكل لحومهم في العام 1865، فيقوم دوغلاس بالانتقام من موت أصدقائه وحبيبته.

أخرج أول أفلامه في العام 1973 وكان بعنوان «المشاغب»، وفيلم «الماس» في العام 1999؛ حيث أدَّاه بعد أن شفي من جلطة دماغية، وفيلم «السر».

من بين الأقوال التي اشتهر بها: «لكي تحقِّق أي شيء عليك أن تمتلك الشجاعة لأن تفشل». و «عندما تُصبح نجماً فأنت لا تتغيَّر، بل كل الآخرين يتغيَّرون»، و «يزيد الحب عمقاً كلَّما تقدَّم في العمر».

من اليمين: مايكل دوغلاس، كيرك دوغلاس وكاثرين زيتا جونز
من اليمين: مايكل دوغلاس، كيرك دوغلاس وكاثرين زيتا جونز
ملصق فيلم ترامبو
ملصق فيلم ترامبو




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً