تحل غداً الذكرى الرابعة عشرة على صدور صحيفة «الوسط» البحرينية، التي تأسست العام 2002 وصدر عددها الأول في السابع من سبتمبر/ أيلول من العام نفسه مع بدايات انطلاقة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وشكل صدورها محطة تاريخية هامة من محطات تاريخ الصحافة البحرينية بوجه خاص، والصحافة الخليجية بوجه عام، منذ تأسيس أول صحيفة في البلاد سنة 1939 على يد عميد الصحافة البحرينية التاريخي عبدالله الزايد. وحينما نقول ان صدور «الوسط» شكّل محطةً تاريخيةً مهمة في تاريخ الصحافة البحرينية، فإننا نعني ما نقول، فبعد توقف الصحافة عن الصدور ما يقرب عقداً من الزمن في الفترة بين منتصف الخمسينيات إلى منتصف الستينيات من القرن أخذت عدد من الصحف والمجلات المحلية تصدر على التوالي يتوقف بعضها ويصدر بعضها الآخر الجديد تباعاً وصولاً إلى تولي جلالة الملك مقاليد الحكم، وما صدر تباعاً بُعيد انطلاقة مشروعه الإصلاحي، بدءاً من أوائل العقد الفائت عدد من الصحف الجديدة. وتعد «الوسط» أول صحيفة مستقلة مميزة تحتضن الرأي الآخر المعتدل الوسطي وتفتح صفحاتها للأخبار والأحداث المحلية والتي قد لا يجدها القارئ، سواء المواطن أو المهتم بالشأن البحريني من باحثين وكتّاب عرب في الوسائل الإعلامية الأخرى، ونشدد هنا على مفردة «قد» بمعنى عدم الجزم، فلا أحسبُ بأن «الوسط « تدعي في مطلق الأحوال امتلاكها كل الحقيقة في الآراء المطروحة على صفحاتها أو التي تتبناها باسم خطها، ولا كل المعلومات والأخبار والتحقيقات التي تنشرها، وذلك أمر في تقديري بديهي في مجال التنافس الصحفي الشريف فيما بين صحافة أي بلد في العالم لبلوغ التميز وكسب ثقة القارئ في مثل هذه الأمور المذكورة.
وفي مثل هذا الوقت من العام القادم تكون «الوسط» قد طوت عقداً ونصفاً بالتمام على صدورها، وأن تكمل «الوسط» هذه المدة من عمرها وسط بحر متلاطم من أمواج ظروف وأحداث بالغة الدقة مرت بها البلاد والمنطقة والعالم وهي متمسكة باستقلاليتها المتميزة التي لا تحيد عنها فإن ذلك ليُحسب بالدرجة الأولى لجلالة الملك ورؤيته الإعلامية الثاقبة بأهمية استمرار هذا المشروع الإعلامي على الساحة الصحفية، مهما كانت الظروف التي تواجهها وتمر بها البلاد في أي مرحلة عصيبة من مراحلها، ودعوانا جميعاً حفظها الله من كل مكروه وأفاء عليها بنعمة الأمن والأمان والاستقرار.
ليس خافياً أن الصحافة العربية طوال تاريخها في دولنا العربية كافة مرت علاقاتها مع بعضها بعضاً بين شد وجذب في سياق التنافس الشديد على الظهور بالصورة الأفضل في الشكل والمضمون لكسب أكبر شريحة من القراء، ومن نافلة القول مشروعية مثل هذا التنافس إذا ما كان شريفاً، فأي صحيفة مستقلة ليست مشروعاً إعلامياً فقط. فهي في النهاية مشروع تجاري أيضاً، فبدون تمكنها من حد أدنى من الربح المعقول أو على الأقل عدم الخسارة يستحيل عليها الاستمرار. ومن خلال إلمامي المتواضع بتاريخ الصحافة المصرية منذ ثورة يوليو/ تموز 1952 فقد كانت الصحف الثلاث الرئيسية، الأهرام، والأخبار والجمهورية، لا تكاد تتمتع باستقلالية تُذكر عن الخط السياسي للرئيس جمال عبدالناصر ونظامه السياسي، فكل الأقلام في هذه الصحف الثلاث تكاد تعزف على نفس اللحن في الدفاع عنه وبضمنها الأقلام الكبيرة، ولا تكاد توجد من بينها صحيفة متميزة في فتح صفحاتها للرأي الآخر الصريح الجريء إلا في حالات نادرة محدودة وضيقة، ولم تشذ هذه الصحف الثلاث خلال حكم خلفه أنور السادات عن ذلك في التسابق على التطبيل الفج له. وحينما قرر التمظهر بمظهر ليبرالي للتقرب من الغرب وسمح بصدور جريدة يسارية معارضة معتدلة باسم «الأهالي» ضاق صدره بها وتكرر توقيفها حتى تم إغلاقها نهائياً بُعيد اتفاقية كامب دافيد 1979، ومما زاد من ضيق صدره منها ما لعبته صحف النظام الثلاث حينذاك من دور محرض لتأليب الرئيس عليها ودفعه لتوقيفها. والحال لم تشذ صحافة الأنظمة القومية العربية في تلك المرحلة التاريخية عن ذلك على نحو ما شهدناه في سورية والعراق وليبيا والجزائر، فقد اقتصرت صحافتها رغم تعددها، على تمجيد بالرئيس القائد الضرورة، وإذا ما صدرت صحيفة مستقلة يتيمة تنافست أقلام تلك الأنظمة القومية في التحريض عليها والتشكيك في وطنيتها واتهامها بالولاء للخارج، وسرعان ما يكون مصيرها الإغلاق. وفيما يتعلق بالتجربة المصرية فبعد رحيل السادات كان موقف خلفه الرئيس الأسبق حسني مبارك أكثر حصافةً وبُعداً في النظر، إذ يُحسب له، مهما كانت سلبيات حكمه، ليس عودة صحيفة «الأهالي» المعارضة واستمرار صدورها بدون انقطاع طوال الثلاثين سنة من حكمه فحسب، بل وصدور تباعاً صحف جديدة تتمتع بقدر معقول من المعارضة واحتضان الرأي الآخر وتميزها عما بات يُعرف بالصحف «القومية» أي التابعة للقطاع العام والمعبرة بشكل شبه رسمي عن رأي النظام وخطه السياسي. ومع أن العديد من هذه الصحف «القومية» وأقلامها فشلت في أن تؤلب الرئيس مبارك على هذه الصحف المستقلة الجديدة التي صدرت تباعاً خلال العقد الأخير ونيّف من حكمه وبذلت كل ما في في وسعها لدفعه إلى إيقافها إلا أن الرئيس مُبارك كان يدرك جيداً ما تحمله حملات تلك الصحف وأقلامها من منطلقات ليست دائماً حُباً في شخصه بقدر ما ينطوي بعضها على بواعث حسد وغيرة وخوف من منافسة تلك الصحيفة وأقلامها و تفوقها عليها في مضمار المنافسة على استقطاب القراء والتي يُفترض أن تكون شريفةً لا رخيصةً وضيعة كما لجأ أكثر تلك الصحف شبه الرسمية.
وبطبيعة الحال البحرين ليست ساحتها الصحفية استثناء عما جرى ويجري من منافسات حامية الوطيس بين صحافة الأقطار العربية الأخرى، ولا نكشف سراً، بل وبات معروفاً للقاصي والداني، أن هناك من يتمنى أن يصحو يوماً وقد اختفت «الوسط» من الساحة الصحفية نهائياً، لكن هل لنا أن نتخيل ولو لبرهة واحدة من الزمن ما هو حال الساحة الصحفية وما هي سمعة البحرين الصحفية باختفاء «الوسط»، وهذا بالضبط ما يدركه جلالة الملك عن بصيرة سياسية وإعلامية ثاقبة وبُعد نظر لأهمية وجود واستمرار «الوسط»، فهو يعلم جلالته جيداً مصلحة وحاجة القيادة والدولة، بل ومصلحة الساحة الإعلامية والصحفية بأهمية استمرار «الوسط» بما لا تعلمه الأصوات النشاز المحرضة عليها. ويذكرنا موقف جلالته بموقفه من استمرار صدور تقارير الرقابة المالية والإدارية بكُل شفافية، مهما كانت الظروف التي تمر بها البلاد، وبالتالي فجلالته يدرك جيداً أهمية أن تتعرف القيادة والحكومة على آراء ووجهات نظر شريحة واسعة سياسية اجتماعية وثقافية متنوعة عريضة قد لا تجد فرصتها في المؤسسات الإعلامية والصحفية الأخرى في البلاد وذلك من خلال وجود على الأقل صحيفة واحدة تحتضن كل تلك الآراء على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها السياسية والاجتماعية والدينية كما تعبر عن ذلك صحيفة «الوسط». وأن يتمتع جلالته بهذه الرؤية الثاقبة وتستمر «الوسط» في الصدور على مدى ما يقرب من عقد ونصف، بلا انقطاع تقريباً، فإن ذلك ليُحسب لجلالته ويستحق كل الشكر والتقدير عليه وذلك إذا ما أدركنا بأننا نعيش في عالم عربي قلما نجد فيه من يتمتعون بمثل سعة الصدر كجلالته في تحمل آراء جريدة مستقلة تفتح صفحاتها للآراء التي تختلف مع الحكومة وتنتقد أداءها وسلبياتها، وفي صدور تقارير رسمية تنتقد أداء أجهزة الدولة مالياً وإدارياً.
وأخيراً وفي هذه المناسبة لا يسعنا و «الوسط» تُطفئ شمعتها الرابعة عشرة سوى أن نُحييها على اطراد نجاحها ونُحيي مجلس إدارتها وكل إدارييها الذين صنعوا هذا النجاح الكبير المتميز، ونُحيي كل المحررين وكتّاب الصحيفة، وكل العاملين فيها بلا استثناء، فلولاهم جميعاً لما كتبت فصول قصة نجاحها. متمنين لعامة مؤسساتنا الإعلامية اطراد التقدم والنجاح.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5113 - الإثنين 05 سبتمبر 2016م الموافق 03 ذي الحجة 1437هـ
كفيت ووفيت استاذنا العزيز رضي .. نعم الوسط من اهم المحطات في تاريخ الصحافة البحرينية والخليجية
فعلا لولا اختيار صحيفة الوسط لهذا الاسم
لكان اختيار اسما آخر بصحيفة الشعب أولى.
بلاشك مرحله هامة في تاريخ الصحافة البحرينية تستاهل جريدتنا العزيزه والى كتابها الاعزاء ونتمنى لها مزيد من التقدم والى الامام