تأتي زيارة عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى جمهورية روسيا الاتحادية والتي تعد الثالثة في غضون عامين والرابعة منذ تولي جلالة الملك أمانة الحكم في إطار تدعيم أواصر العلاقات الثنائية بين البلدين والتي احتفل البلدان مؤخراً بمرور 25 على بدايتها، ونالت دعماً قويّاً ومباشراً من جلالته ومن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث أكد الزعيمان في أكثر من مناسبة على الحرص المشترك على تطوير وتوثيق العلاقات الثنائية خدمة لمصالح البلدين والشعبين الصديقين.
وتؤمن مملكة البحرين بأهمية الانفتاح على جميع الدول في علاقاتها الخارجية، مستندة إلى مبادئها الراسخة في تدعيم أواصر العلاقات الثنائية مع دول العالم القائمة على التعاون والاحترام المتبادل وعدم التدخل، وتنظر البحرين إلى روسيا باعتبارها قطباً دوليّاً محوريّاً في النظام العالمي، بمقدوره حلحلة الكثير من الملفات التي تُعنى بها المملكة وتهتم، وخاصة في الشرق الأوسط والخليج.
بينما ترغب روسيا في الانفتاح مع مملكة البحرين باعتبارها البوابة إلى دول الخليج العربية والنافذة على سوق واسعة تمثل منطقة جذب خاص لدول العالم أجمع، ناهيك بالطبع عما تمثله البحرين ذاتها من بيئة أعمال جاذبة للتدفقات والفرص الاستثمارية الروسية، وخاصة بما تملكه من بنية أساسية وإغراءات تنظيمية وحوافز تشجيعية تقدمها.
وتعكس الزيارة إقراراً من البلدين بثقلهما في محيطيهما، ودورهما في حفظ أمن واستقرار المنطقة والعالم، وذلك بالنظر إلى ما تملكه كل من البحرين وروسيا من علاقات واسعة مع جيرانهما وتحالفاتهما مع المنظمات العالمية، كما جاءت نتيجة طبيعية لما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات متسارعة، لروسيا دور فاعل ومؤثر فيها، ومن هنا تأتي الأهمية البالغة للزيارة من حيث التوقيت والنتائج المتوقعة من ورائها.
وقد سعى الجانب الروسي إلى تدعيم العلاقات الثنائية، فقام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوجيه جميع الأجهزة الحكومية إلى تفعيل الاتفاقيات التي وقعها البلدان خلال الأعوام القليلة الماضية، وبالأخص في مجالات الاستثمار والطاقة والتكنولوجيا والفنون، وكان هذا انعكاساً لأهمية المنامة بالنسبة إلى موسكو وذلك بسبب البيئة الملائمة التي تتمتع بها لإنشاء وتأسيس الأعمال والشركات للانطلاق إلى مختلف أسواق المنطقة.
وشدد الرئيس الروسي في هذا الإطار على ضرورة تفعيل التبادل السياحي بين البلدين، فضلاً عن التسهيلات المقدمة لهم في البحرين التي تمنح التأشيرة للروس لدى وصولهم المطار.
إن العلاقات البحرينية الروسية باتت تشهد نمواً مطرداً في جميع المجالات، فعلى المستوى السياسي بدأت العلاقات الدبلوماسية منذ إعلان جمهورية روسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق العام 1990، فقد اعترفت البحرين بالاتحاد الروسي كدولة خليفة للاتحاد السوفياتي في 28 ديسمبر/ كانون الأول 1991 بعد حله، ولدى روسيا سفارة في المنامة ولدى البحرين سفارة في موسكو.
وقد بدأت العلاقات بين البلدين تأخذ منحى تصاعدياً منذ تولي جلالة الملك وخصوصاً بعد زيارة جلالته الأولى لروسيا العام 2008 والتي ألقى خلالها كلمة مثلت خطة عمل رئيسية ومستقبلية لتطوير مسار العلاقات المشتركة أسهمت في خلق أجواء إيجابية بين البلدين لتدعيم أواصر التعاون، وإعطاء قوة دفع لتطوير العلاقات المشتركة في كثير من المجالات.
ثم تلت تلك الزيارة زيارتان هامتان لجلالته العام 2014 و2015، ثم زيارة رابعة أوائل هذا العام، إلى جانب زيارة قام بها ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في أبريل/ نيسان العام 2014.
وعلى الجانب الروسي زار الممثل الخاص للرئيس الروسي المملكة في النصف الأول من شهر أبريل 2014، حيث استقبله جلالة العاهل وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد.
وقد وطدت تلك الزيارات المتبادلة التعاون في جميع المجالات وفتحت طريقاً واسعاً له وخاصة مع رغبة القادة والمسئولين الروس بتدعيم العلاقات الثنائية وتوطيدها.
وهناك تناغم في المواقف الثنائية تجاه الملفات المحلية والإقليمية والدولية وتقدير الدولتين لهذه المواقف إزاء الأخرى، وتحرص روسيا على إدانة التدخلات الخارجية في الشئون الداخلية لمملكة البحرين ورفض أي مخطط لزعزعة الأمن والاستقرار بها... إن هذه المواقف تحتاج إلى العمل المشترك من أجل تنميتها وتطويرها، ولاسيما فيما يتعلق بملفات وقضايا الأمن الداخلي لكلتا الدولتين في مواجهة الإرهاب، علاوة على ما يتصل ببواعث الاستقرار الإقليمي والتهديدات التي يتعرض لها.
وعلى المستوى الخليجي تحرص مملكة البحرين وروسيا على المشاركة الفاعلة في الاجتماعات الوزارية للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون وجمهورية روسيا الاتحادية، والذي من المنتظر أن يعقد قريباً جولته الرابعة.
ويجمع البلدان علاقات اقتصادية متنامية، فقد ارتفع حجم التبادل السلعي بينهما والذي كان يبلغ في العام 2007 نحو 5 ملايين دولار، وتستورد البحرين من روسيا ما يزيد على 30 صنفاً من السلع، أهمها الصفائح الفولاذية التي تستحوذ على 60 في المئة من إجمالي الواردات ثم الورق 20 في المئة.
ومع التطور السريع في العلاقات أصبحت هناك مجالات جديدة تتحرك فيها هذه العلاقات منها قطاع الصناعة النفطية، ومشروعات الطاقة النووية. فقد أسفرت المباحثات بين البلدين عن الاتفاق على توقيع مذكرات تفاهم مشتركة حول مجالات الاستخدام السلمي للطاقة النووية والنفط والغاز.
وقد أدى تراجع اسعار النفط منذ صيف العام 2014 إلى تفكير البلدين في إيجاد مجالات بديلة للتعاون مثل الزراعة، والطاقة البديلة، وعلوم الفضاء، واستخدام الموارد المائية، والصناعات الثقيلة والخفيفة، اضافة الى وجود مساحة واسعة بين البلدين يمكن التعاون خلالها ليست مقتصرة على مجال واحد بل تمتد الى التعاون الثقافي والسياحي والرياضي وخاصة في ظل وجود خط جوي مباشر بين موسكو والبحرين، ويتم حاليّاً التحضير لاتفاقية لإنشاء لجنة عليا حكومية مشتركة بين البلدين في جميع المجالات، كما عقد اجتماع مجلس الاعمال المشترك الروسي - البحريني في نهاية شهر مايو/ أيار الماضي في البحرين بمشاركة عشرات الشركات والمستثمرين الروس. كما يوجد تفاهمات بإنشاء بنوك اسلامية روسية بخبرة مصرفية بحرينية وذلك في روسيا، وهناك توجه إلى توقيع اتفاقية بين البلدين سيتم بموجبها إعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية والخاصة من الحصول على تأشيرة الدخول المسبقة إلى الأراضي الروسية، كمقدمة لإعفاء مواطني كلا البلدين من الحصول على تأشيرات الدخول، وذلك بهدف تشجيع السياحة البينية عبر استثمار الخط الجوي المباشر.
ولم تقتصر المصالح المشتركة بين البلدين على مجالات التعاون التقليدية والنقل الجوي والتنمية العمرانية والأمن الغذائي، وإنما تشمل كل مجالات التعاون المستحدثة من قبيل الجوانب الصناعية والمال والسياحة والتبادل الثقافي والتعاون في المجال العسكري. وأسفر ذلك عن ارتفاع عدد الاتفاقيات المشتركة إلى عشرة اتفاقيات شملت مختلف المجالات، كان آخرها توقيع اتفاقية بين الجانبين على صعيد التعاون العسكري الفني.
وعلى المستوى الثقافي أقامت سفارة البحرين لدى روسيا الاتحادية معرضاً للصور عن العلاقات الثنائية بمناسبة مرور 25 عاماً على بدئها، افتتحته رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة. كما يتم تبادل الزيارات التي تسهم بشكل كبير في الارتقاء بمستوى العلاقات من حيث استفادة المؤسسات الثقافية للبلدين في مجالات الإبداع الإنساني بشكل عام. وتؤمن مملكة البحرين بأن تعزيز العلاقات الثقافية هي الوسيلة لتقريب الأفكار والآراء، والثقافة هي المفتاح والأداة لكي نفهم بعضنا بعضاً. حيث تستلهم من الثقافة أسلوباً تبني به جسوراً ما بين الأوطان.
إن العلاقات البحرينية الروسية كسلة جديدة من العلاقات التي سعت القيادة الحكيمة إلى بنائها لاستيعاب المتغيرات العالمية يعكس بعد نظرها في استيعابها المشهد الإقليمي والدولي بمتغيراته وتداعياته، ولاشك أن فتح النوافذ البحرينية لبلورة علاقات أكثر اتساعاً مع روسيا سيمثل نقلة نوعية ستتعزز من خلالها أركان الدبلوماسية البحرينية العريقة ضمن مختلف نطاقاتها.