جامعة شيكاغو. هي واحدة من أعرق الجامعات في الولايات المتحدة الأميركية والعالم. عمرها اليوم 126 عاماً. وميزانيتها تصل إلى أزيد من سبعة مليارات دولار! أي أنها تزيد على حجم مبيعات السلاح الروسي أو قيمة صفقة طائرات فرنسية أو حجم التبادل التجاري بين الجزائر والصين.
قبل ست سنوات تنافست جامعة هاواي مع جامعة شيكاغو على استضافة مكتبة باراك أوباما الرئاسية التي ستضم الوثائق الخاصة بفترة رئاسته. الأولى قالت إن أوباما أول رئيس أميركي يولد في هاواي لذلك فالحق لها، بينما قالت جامعة شيكاغو إن أوباما كان عضواً في هيئتها التدريسية قبل أن يُصبح رئيساً لذلك فالحق لها في استضافة المكتبة. وربما الحجّة الثانية هي الأكثر إقناعاً.
في كل الأحوال لن أتحدث عن الجامعة أكثر، بل عن رئيسها. إنه روبرت زيمر. فقبل أيام كتب زيمر مقالاً في صحيفة «وول ستريت جورنال» قال فيه بأن حرية التعبير تواجه خطراً في الجامعات. لقد وصل الأمر لأن يلوذ البعض بالصمت لأن رأيه يتعارض مع «السائد» الذي كرّسه العقل الجمعي.
فمشوار الطالب الحقيقي هو المواجهة والتأمُّل ومناقشة الأفكار المغايرة عن معتقداته قبل أن يأتي إلى الجامعة. كان زيمر يقول: «الغرض من التعليم الجامعي هو توفير طريق نقدي يستطيع الطلبة من خلاله إطلاق قدراتهم الكامنة، وتغيير منحنيات عائلاتهم، وإقامة مجتمعات أصح وأقدر على الاحتواء». فالمسألة أكبر من التعليم لأن أساسها «اكتساب مهارات فكرية» قبل أي شيء.
إن أهم تحديات طلاب الجامعة هي التمكن «من تقييم السياق، والتبادل، والبيانات» وأن يبرعوا في «إدراك التعقيد، والدفاع الفعال عن مواقفهم، وإعادة النظر في معتقداتهم وتحديها»، كما يقول. فالوضوح الأكثر جلاءً لا يتحقق إلَّا من «سياقات ثقافية وتاريخية وظرفية معقدة» وليست سهلة.
فالأفعال ليست مجرد حركات، بل هي في جوهرها معانٍ مضمرة، وجَمْعُ الأدلة فيها أمر معقد، وهو يأخذ أشكالاً متعددة في عملية التحليل والتأويل واستخلاص المعنى الحقيقي منها. وأن القرارات التي يتخذها المرء كثير منها لا يتعلق بالاختيار السهل بين الجيد والرديء والحسن والسيِّئ، بل «بتقييم مجموعة من العواقب والشكوك، المرغوبة وغير المرغوبة معاً» حسب تعبيره.
ليس ذلك فحسب بل هناك أمر جدُّ مهم يجب أن يُرافق الطالب، وهو قدرته على إطلاق خياله في البدائل «واختبار الفرضيات ومساءلة الرأي المتفق عليه» وليس فقط ذلك المختَلَف بشأنه. فمدار العملية التعليمية كله مرتبط بكلمة واحدة وهي: المساءلة. وعندما نؤمن بهذه الكلمة فإننا ندخل آلياً في مرحلة التحدِّي لـ «الافتراضات والحجج والنتائج» وحدودها، وبالتالي «إعادة تفكير المرء في افتراضاته هو نفسه»، بعد أن يُصغي للآخرين المختلفين عنه وهي المهمّة الأكثر مشقة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5112 - الأحد 04 سبتمبر 2016م الموافق 02 ذي الحجة 1437هـ
أحسنت أيها الكاتب الرائع محمد عبد الله, مقال رائع ويدل على إنفتاح وسعة في الصدر والبحث عن إجابات.
يقول الإمام علي (ع):سل تفقها ولا تسال تعنتا
وأيضا يقول الإمام الباقر (ع): "ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك، قلَ ذلك أو كثر