في 16 سبتمبر/ أيلول 1938، نشرت صحيفة «النيويورك تايمز» مقالاً رثت فيه الروائي الأميركي ثوماس كلايتون وولف، الذي توفي قبل يوم من نشر المقالة، وذلك قبل إتمام عامه الثامن والثلاثين. المقالة وصفت وولف بأنه «كان أحد الأصوات الشابة الأكثر ثقة في الأدب الأميركي المعاصر»، وبأن صوته كان «نابضاً بالحياة، مليئاً بالنغم، ولذا يصعب تصديق أن يسكت هذا الصوت فجأة».
وجاء في المقال أيضاً «إن وصف العبقرية خاص به، على رغم أنها كانت عبقرية غير منضبطة، ولا يمكن توقع ما تأتي به. كان بداخله طاقة لا تنتهي، وقوة لا تعرف الكلل، وجوع لا يمكن إدراكه للحياة وللتعبير، وقد يكون ذلك ما أخذه إلى المعالي ثم مزَّقه بشكل مساو».
كان ذلك ثوماس وولف، كما وصفته الصحافة، وهو ذاته الذي أثار بكتبه الأربعة جدلاً لم ينتهِ، إذ أغضب عائلته وسكّان مدينته على حد سواء بالوصف الذي وضعه لكل منهم في كتاب سيرته الذاتية الشهير «Look Homeward Angel».
بكتابه هذا، وبالكتاب الذي تلاه «»Of Time and The River خذل كثيرين، وبسيرته وحياته خذل أقرب الأشخاص إليه، ثم توفي وحيداً إلا من شقيقة آمنت به، على رغم كل ما فعله للأسرة، وناشر وقف إلى جانبه رغم نكرانه الجميل.
ثوماس وولف، الروائي الأميركي، أحد أبرع كتَّاب السيرة الذاتية في أميركا، والموهبة الكتابية الأهم في مطلع القرن العشرين، والمؤلف الذي تركت كتاباته أثراً مهماً في مجال كتابة السيرة الذاتية وسار على نهجه كثيرون، موهبته وحياته القصيرة، هما موضوع الفيلم البريطاني الأميركي «»The Genius (العبقري)، الذي عرضته شركة البحرين للسينما الاسبوع الماضي، في سينما مجمَّع السيف، وهو بالمناسبة الفيلم الذي لم يلقى إقبالاً كبيراً من روَّاد السينما في البحرين. يبدو وضع الفيلم أفضل في دور العرض في بريطانيا، حيث يعرض منذ مطلع شهر يونيو/ حزيران حتى الآن، وتتجاوز أرباحه المليار دولار.
يتناول فيلم السيرة الذاتية علاقة الكاتب (الجنوب أميركي) ثوماس وولف مع الناشر (النيويوركي) ماكسويل بيركنز، وهو أحد أشهر وأهم الناشرين في الفترة التي تدور فيها أحداث الفيلم وهي بدايات القرن العشرين، حيث قام بطباعة ونشر أعمال لأهم كتّاب تلك الفترة وعلى رأسهم إرنست همنجواي وسكوت فيتزجيرالد. كذلك يتطرَّق الفيلم إلى العلاقة الرومانسية التي تجمع وولف بألين بيرنستين، التي كانت أول من دعم وولف وآمن بموهبته.
وبحسب الفيلم فإن وولف (يقوم بدوره جود لو) الذي لم يكن قادراً على بيع أي من كتاباته للمسرح أو لأي ناشر، وذلك بسبب طولها، وجد ضالَّته المنشودة، بعد ثلاثة أعوام من البحث عمَّن يؤمن به، وبعد عام واحد من التجوُّل في أوروبا، وجدها في الناشر ماكسويل بيركنز (يقوم بدوره كولين فيرث)، وفي مصممة المشاهد التي تعمل في نقابة المسرح حينها ألين بيرنستين (نيكول كيدمان). بيرنستين، التي كانت تكبره بثمانية عشر عاماً، والتي كانت متزوجة وأماً لطفلين، كانت أول من آمن به، ربما لما حملته له من مشاعر حينها، جعلتها تترك عائلتها، وتعيش معه علاقة «عاصفة» استمرت خمسة أعوام، قدّمت له خلالها من الدعم المادي والمعنوي الكثير حتى كتب روايتيه الأوليين... ثم هجرها.
أما بيركنز فكان أول ناشر يؤمن بموهبة وعبقرية وولف، يقبل رواياته الطويلة جداً، يعيد تحريرها، لتتحول إلى ما أصبح بعدها، اثنتين من أهم روايات السيرة الذاتية في تاريخ الأدب الأميركي. علاقة خاصة تجمع بين وولف وبيركنز، يجد الأول في الثاني الفرصة التي ستعرِّف الناس بكتاباته، الإيمان الذي لم يجده لا في المسرح ولا لدى أي ناشر، فيما يجد بيركنز في وولف الابن الذين لم ينجبه. هذا الإيمان الذي جعل العلاقة ذات طابع رومانسي، وجعل بيرنستين، التي كانت حينها على علاقة بوولف، تحمل مشاعر غيرة عنيفة من بيركنز، تقودها إلى أن ترفع في وجهه مسدساً، وذلك في لحظة انهيار عاطفي، جراء هجر وولف لها. هذا الإيمان هو ما أنتج روايتين من أعظم ما أنتجه الأدب الأميركي وهما روايتي Look Homeward Angle ورواية Of Time and The River ، حققتا نجاحاً لا يوصف، ثم ... هجر وولف بيركنز وفضَّل دار نشر أخرى ستدفع له مبلغاً أكبر.
عودة إلى الفيلم، فإن هاتين العلاقتين، بالإضافة إلى قراءات سريعة وخاطفة من كتابات وولف، هما ما يركِّز عليه الفيلم وكاتبه جون لوغان، وهما سبب رئيسي في إضفاء طابع مسرحي على الفيلم. نتحدَّث هنا عن فيلم سيرة ذاتية لكاتب لم يعش طويلاً، لم تحفل حياته بالكثير، لقصرها، ولفرط أنانيته، جاء التركيز فيه على شخصية وولف كما في كتاب سيرته تماماً حين قرَّر ناشرها بيركنز التركيز على شخصية وولف أو يوجين كما أسمى وولف نفسه في الكتاب.
الفيلم إذن لن يحوي الكثير من الأحداث، سيظل فيلماً يسرد قليلاً من التفاصيل، يركِّز على علاقة وولف ببيركنز، ويمر سريعاً على علاقة وولف مع بيرنستين، لكنه سيظل بطيئاً في إيقاعه. لن يكون فيلماً لمحبي النمط المعتاد من أفلام السينما، سيكون ذا طابع مسرحي بسبب حواراته، وربما بسبب أداء جود لو الذي بدا مسرحياً مفتعلاً نوعاً ما. لن يكون في الفيلم مشهد ذروة، في الواقع يمكن أن يكون مشهد الذروة هذا مختلفاً من شخص إلى آخر. قد يكون مشهد عودة وولف من أوروبا بعد عام من إطلاق ورواج كتابه الأول، واستقبال بيركنز له في الميناء، هو المشهد الأهم في الفيلم. على الأقل لأنه المشهد الذي علَّق عليه وولف في نهاية الفيلم وفي الواقع، واعتبره اللحظة الأهم والأجمل في علاقته مع بيركنز، وذلك في رسالة كتبها قبيل وفاته في المستشفى وتسلَّمها بيركنز بعد موت وولف. وربما يكون المشهد الأهم ذلك الذي جمع وولف ببيرنستين، وهو الذي تنكَّر لكل ما فعلته له وهجرها. في المشهد تخبر بيرنستين وولف بأنها لم تعد في حاجة لوجوده في حياتها، يلاحظ هو للمرة الأولى كم أنانيته وحجم خذلانه للآخرين، وهو في الواقع أهم ما يميز حياة هذا الكاتب القصيرة.
الفيلم مختلف عن أفلام السينما، لا صخب ولا إثارة ولا مشاهد حميمة ولا أياً من مكوِّنات الوصفات السينمائية. ومن وجهة نظري، فإن المشاهد، لن يكون له موقف محايد من هذا الفيلم، إما أن يحبه تماماً أو يكرهه تماماً. وفي الواقع، فإن من سيحبُّون هذا الفيلم ربما يكونون من أولئك المهتمين، أو الذين على علاقة بعالم كتابة السير الذاتية، ربما!!
فيلم جميل جداً و ذو قيمة فنية ، فيلم للمتذوقين أفلام السينمائية الذين يهتمون بنوعبة الأفلام الممتازة وليست التجارية
خساره بسرعه رفعوه من دور السنماء
اولا, بلغت ايرادات الفيلم مليون و ثلاثمائة الف دولار امريكي. الفيلم موجه للمشاهدين من العقد الرابع ومافوق. الفيلم يحقق المنشود في سرد السيرة الذاتية للمؤلف توماس وولف و من عاشره في العشر سنوات الاخيرة من حياته. بالنسبة لي كان الفيلم مشوق ولاني احب افلام السيرات الذاتية. لاننسى ان ممثلين الفيلم يعتبرون من عمالقة السينما الان. فيلم يستحق المشاهدة واخص به الفئة المثقفة للجمهور الباحث للاعمال الجدية. شكرا للكاتبة لاخيارها الفيلم هذا
جميل أستاذة منصورة، أنت من القلائل في البحرين إن لم نقل الخليج من المهتمين في السينما.