استوقفتني هذه الآية الكريمة «وقالوا ربَّنا إنَّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلُّونا السبيل» (الأحزاب: 67) لماذا السبيلا وليس السبيل؛ لأن الكلمة في الأصل معرفة ولأن المعرف بأل عند النصب لا تلحقه ألف، لكن اهل التدبر في القرآن الكريم يشيرون الى أن الألف هي ألف إطلاق بلاغي جميل، فالمجرمون وهم في النار يصرخون ويرفعون أصواتهم ويمدونها جراء الألم من العذاب الشديد لقوله تعالى: «وهم يصطرخون فيها ربَّنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل» (فاطر: 37) فأطلق الله الألف نظير صراخهم في النار. فصراخهم كان بقدر ألمهم. ربنا لا تجعلنا منهم.
كلٌّ منا يدعوه ألمه ليصرخ، الصراخ هو ذلك الصوت الأكثر ترويعاً، أن تفتح فمك، لتطلق صوتاً عالياً يعني أنك تصرخ. فالصراخ هو صوت الصياح الشديد، ويقال صرخ في قومه: صاح فيهم ليستغيث بهم، يقال إن الصراخ وسيلة لبث الشكوى من شدة الألم، او اعلان عدم القدرة على تحمله، فبعض الدراسات التي أثبتها علماء في جامعة سنغافورة الوطنية تشير الى أن الصراخ يزيد من مقاومة الجسم للألم بنسبة تصل الى 20 في المئة. لكن هل هناك صراخ مرضي؟، نعم ويعرف بالصراخ القهري وهو عبارة عن نوبة تصل ذروتها بصاحبها؛ لأن يحمرَّ وجهُه ويقوم بحركات قوية عبر ذراعيه والركل برجليه، ومعها يبدأ بالسُّباب، والصراخ، وإصدار الضوضاء، والنباح بصوت عال مع النوبات المتقطعة من اللهاث الثقيلة.
لماذا نصرخ؟ فالصراخ ظاهرة تتفشى بيننا، وتكاد تصبح عادة لنا، اذ ليس جمعيها مرتبط بالغضب، الا إذا كنا سريعي الغضب بسرعة زماننا هذا، فنحن كائنات صارخة على حد وصف الكاتب المغربي محمد بوتخريط اذ يقول: «يملأنا الصراخ ويملأ حياتنا، في حديثنا صراخ، في نقاشاتنا صراخ، فلسنا نعرف غير الصراخ»، لكن أكثر ما يزعجنا اليوم هو ان تتحول بيوتنا الى صراخ، كل يصرخ على الأخر، فصراخ الوالدين على أولادهما ظنا منهم أنهم سيستجيبون لهم، فهو وهم، لأنهما يعتقدان انه الطريق الوحيدة لإسكاتهم خوفا، وبهذه الطريقة دربنا أولادنا على ألا يستمعوا إلينا إلا حينما تعلو أصواتنا، وعلمناهم في الوقت ذاته ان الصراخ وسيلة للدفاع والهجوم معا، لذلك لا نستغرب إن وصل الابن الى سن المراهقة اول ما سيصرخ في وجوهنا.
الصراخ اليوم كثير، مع توسع وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي، التي تكون في ايدي كل الناس وتصل للجميع في لحظات، فأصبحت منبر من لا منبر له، اذ ليس بالصوت يعلو الصراخ حتى بالكلمة الثقيلة والجارحة تعد صراخا مدويا، ربما تسكت الجميع، وربما تزيد من ألمهم، فيردون بالصراخ، الذي ينتقل ليصاب به الكل، فتصبح لوثة تطول المجتمع، كل يصرخ، ولا يجد غير الصراخ وسيلة، عندها يكون حاله تشبه تماما حالة شعب كان يحلم أن يأكل على الطاولة وعندما جلس عليها لم يجد شيئاً يأكله، فأخشى على مجتمعات تنادي بالتسامح والمكاشفة عندها لن تجد شيئا تتفق عليه بعدما ادمى بعضهم بعضاً بهذا الصراخ. فلا تصرخوا مرة أخرى.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 5110 - الجمعة 02 سبتمبر 2016م الموافق 30 ذي القعدة 1437هـ
يعنى الحكومات والمسؤلون مايعرفون اعيشون ابسلام ويه شعوبهم وترك الشيطان الاكبير امريكا عدوة الشعوب ونرتاح من هادى البلاوى المشتكى لله والله اصبر الشعوب على هادى المحنه
يكثر الصراخ تحديدا في الدول العربية بسبب قمع ونهب الشعوب والظلم الواقع على الكثير منهم واستئثار فئة قليلة بالثروة والجاه وقمع كل من ينادي بحقوقه فالسجون مشرعة ابوابها لهم
العالم الافتراضي وبالخصوص تويتر مكان لاتراشق السباب والشتائم
ويل للكثير من الناس والسبب تويتر لانه مكان لنشر الفكر الهادم والاشاعات والسباب وتخوين الاخر والازدراء وكل شي سي
صراخهم في نار جهنم سيسمع وسبيلهم واضح
صراخ في الدنيا يسكّن بالمهدئات او برفع السبب وفي أسوأ الحالات ينتهي بالموت فينتهي الشعور بالألم أمّا الصراخ في الآخرة فلا نهاية له لأن العذاب لا نهاية له والمعذرة بإطاعة الآخرين لا يعطي عذرا فالخلود لجميع المجرمين
جزاكي الله خير الجزاء أختي العزيزة رملة عبد الحميد أختي الغالية
عن أبي جعفر(ع)قال:
خطب أمير المؤمنين(ع)الناس فقال:
أيها الناس إنما بدئ وقوع الفتن أهواء تتبع, وأحكام تبتدع, يخالف فيها كلام الله, يقلد فيها رجال رجالا, ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى, ولو أن الحق خلص لم يكن إختلاف, ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا, فهنالك إستحوذ الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى.
المصدر: المحاسن للبرقي ج1-ص208-ح74 وفي ص 218-ح114
بحار الأنوار ج2-ص315-ح83
تعجبني مقالات الأخت رملة عبد الحميد الرائعة! إن الله جل جلاله ضرب مثلا حول هذا أمر أن يتشاكس الإنسان بفضاضة ليثبتوا أنفسهم. (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون)
(رجلا فيه شركاء متشاكسون): هو الرجل الذي يشترك عدة مدراء في إدارته بصورة تشاكسية وفضة وغير لبقة فالأول يقول له إذهب يمينا بينما الآخر يشاكسه بأن يقول له إذهب شمالا بينما هذا الرجل الذي يديرونه حيران فإن أطاع المدير الأول غضب عليه الثاني بينما إن أطاع الثاني غضب عليه الأول
أحسنتي أختي العزيزة رملة عبد الحميد فهذا موضوع قيم وثمين وقد قال الله تعالى على لسان لقمان حكمة رائعة ضرب فيها نغزة لمن يرفعون أصواتهم بأن شبه أصواتهم كأصوات الحمير (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) والصراخ هو أسلوب ضعيف الشخصية والمخطئ ليثبت نفسه! ومن يغضب ويصرخ هو في الواقع يعاقب نفسه بهذا الفعل الشائن!