تعرّضت بالأمس لحادث بسيط أدىّ إلى تجبير رجلي اليمنى، مما استدعاني إلى الاعتماد على أهلي في حركتي ومشي، وفي الحقيقة لم أعي أهمّية رجلي إلا بعد السقوط والألم والجبيرة الكبيرة، التي جعلتني مقعدة السرير.
وأحسستُ في داخلي بأهمّية هذه الرجل في حياتي، وتفكّرت كثيرا وأنا حبيسة الفراش، بعظم الخالق عندما حباني هذا الجندي الصامت، الذي لم يتعب مني ومن وزني، فلقد كُنتُ استغلّه استغلالا سيئا في النهار وفي الليل، ولا أرحمه وأعتقه.
إن المكوث في السرير مدّة طويلة جعلتني أشعر بالغربَة وعدم الراحة لعمل أي شيء، الأمر الذي استوقفني لأفكّر في الكثير من الأمور، والكثير من الأشخاص وعلى رأسهم والدي رحمة الله عليه.
إذ كان جليس الفراش وصديق غرفته لمدة طويلة من الزمن، لم يكل ولم يمل بل كان دائم الشكر والثناء على بر إخوتي له، وبالفعل شاهدت في سويعات بسيطة كيف كان يشعر بالوحدة واحتياج إلى الآخرين وبألم اعتصر قلبه.
ومن أوائل من فكّرت فيهم كذلك، أولئك الذين فقدوا أرجلهم، أو أحد جنودهم في معركة ما، أو في غرف عمليات مستشفى ما، أو ذلك الشخص الذي شُلَّ في حادث سير مروع، أو من تعرَّض لبتر رجله بسبب أحد الأمراض.
عندما يصاب الجندي في المعركة، فإن رؤساءه يسعفونه ويعطفون عليه، ويتحاوطونه بينهم، لأنّه فرد أساسي للفوز، وكذلك أعتقد بأني يجب أن أعتني برجلي، التي كانت أساسية في معركة حياتي، فهي التي تقلّني إلى أية وجهة أريد أن أذهب إليها دون شقاء وعناء.
وتصوّرتُ نفسي وأنا بين أربع جدران، أُشارك سجناء الرأي والأبرياء المحبوسين في غوانتنامو تلك المشاعر المتضاربة، بين الإصرار والعزيمة، وبين ألم الفراق وألم الحبس، مع أن الفرق بيني وبينهم كبير، فألمهم أعمق ومشكلتهم أكبر.
لابد أن أهتم الآن بجندي الصابر، وأن أحتسب الأجر وأن أشعر بما يشعر به من فقد ركنا مهما من جسده، وأن استغل وقت الجلسة في البيت إلى ما هو مفيد وسديد، حتى انتصر في النهاية على نفسي، وأُحقق نجاحا أكبر في وقت العوز.
وكذلك أقول لمن يُحارب في فكره أو أصبح حبيسا بسبب كلمته الحق، بعدم التخاذل وبمواصلة الإصرار، والمثابرة على نيل الهدف مهما كانت العقبات، ومهما صعبت الحياة، فالحاجة هي الوسيلة الأقوى لتحقيق الهدف.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2499 - الخميس 09 يوليو 2009م الموافق 16 رجب 1430هـ