تعتبر صناعة الفخار من أقدم الصناعات التي عرفتها الحضارات القديمة، ولا نعلم بالتحديد منذ متى بدأت هذه الصنعة. ويعتبر الفخار من أهم اللقى الآثارية التي يتم البحث عنها أثناء عملية التنقيب؛ فالأواني الفخارية لها خصائص تعكس هوية وثقافة الحضارة التي أنتجتها، فلكل حضارة فخارها المميز الذي قامت بتطويره (علي 2012). فمع بداية تشكيل الطين تم تشكيل هويات الحضارات القديمة؛ فالفخار يحمل معه أهم مكونات هذه الهوية، وهي: «الأرض» التي أخذ منها الطين الذي تم تشكيله على هيئة أوانٍ فخارية، والثانية هي «ثقافة الجماعة» التي أنتجت أشكالاً مختلفة من الأواني الفخارية، بالإضافة إلى «مهارة الجماعة» في تشكيل الطين. وبذلك، فإن الفخار، كمادة، «يمثل المرحلة الإنتاجية النهائية التي هي نتاج للتفاعل ما بين المادة الخام والثقافة والتقنية» (علي 2012).

إن سكان الحضارات القديمة تفننوا في تشكيل الطين ليتقنوا بذلك تشكيل هويتهم ويضمنوا لها الخلود. ومتى ما وجدنا هذا الفخار وربطناه بأرض معينة وجماعة عرقية محددة، ساعدنا هذا في معرفة تاريخ وجود هذه الجماعة في منطقة ما، ومدى سيادتها في تلك المنطقة، كما يساعدنا ذلك في تحديد العلاقات التجارية لتلك الجماعة مع المناطق المجاورة لها، وربما ساعدنا في تحديد تحركاتها وهجرتها من مكان لآخر.

صناعة الفخار منذ حقبة دلمون

يعتبر فخار العُبيد أقدم فخار عثر عليه في البحرين، وهو نوع من الفخار عثر عليه أول مرة في بلاد الرافدين والتي يرجح أنها بلد المنشأ لهذا الفخار. وقد بدأ ظهور فخار العبيد في البحرين في نهاية الألف الخامس قبل الميلاد، أي قرابة العام 4000 ق. م.، إلا أن أقدم فخار عثر عليه في البحرين، ويرجح أنه محلي التصنيع، فإنه يعود للحقبة ما بين 3100 – 2600 ق. م.، وهو الفخار الذي عثر عليه في أحد القبور الأثرية التي تقع شرق كرزكان (Laursen 2013). ويرجح Laursen أن هذا الفخار صنع بنفس الطريقة التي صنع بها فخار دلمون، الذي ظهر لاحقاً في الحقب الدلمونية.

يذكر أنه عثر على العديد من أنواع الفخار المحلي التصنيع في العديد من المواقع والطبقات الأثرية والتي تعود لحقب زمنية مختلفة، كحقب دلمون وتايلوس، والحقب الإسلامية المتوسطة والمتأخرة. هذا وقد تنوعت طرق تصنيع الفخار في البحرين، على سبيل المثال، طرق حرق الفخار؛ حيث تشير نتائج التنقيبات الآثارية في البحرين، أن الفخار كان يحرق بطريقتين، أما في الأماكن المفتوحة أو في أفران خاصة لحرق الفخار، وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك بالتفصيل في حلقة سابقة حول تطور طرق حرق الطين والفخار.

في الوقت الراهن، في البحرين، تشتهر منطقة عالي بصناعة الفخار وبأفران حرق الفخار وصناعة النورة، المعروفة بالدوغة.

خطوات صناعة الفخار في العصر الحديث

أول مراحل صناعة الفخار هي جمع الطين المناسب الذي يصنع منه الفخار، ويتم جمعه من المناطق المحيطة بمنطقة عالي. وهناك عدة أنواع من الطين، وأفضل ما يجمع منه هو الطين الأصفر والطين الأحمر. وفي معمل الفخار، يقوم صانع الفخار بدق الطين وطحنه، ثم يتم غربلته. بعد ذلك يتم خلط كلا النوعين من الطين الأصفر والأحمر، وبحسب مقابلة أجراها Archie D›Cruz مع صانع الفخار جعفر الشغل، فإنه يتم خلط الطين الأصفر مع الطين الأحمر بنسبة 1 (أصفر): 3 (أحمر)؛ فالفخار الذي يصنع من الطين الأصفر يكون رديئاً، بينما الذي يصنع من الفخار الأحمر فقط يكون ثقيلاً (bahrainguide.org). بعد ذلك يوضع الطين في الماء، ويبقى فيه لمدة قد تصل إلى يومين، وبعد ذلك يترك الطين ليجفف، تصل المدة إلى ثلاثة أيام في فصل الصيف، أما في فصل الشتاء فقد يترك ليجف لمدة تصل إلى أسبوع أو أكثر (bahrainguide.org).

بعد أن يجف الطين تماماً تبدأ عملية تشكيل الطين والتي تبدأ بتجزيء كتلة الطين الكبيرة إلى قطع أصغر، يتم الدوس عليها بالأقدام حتى يتم التأكد من خلو الطين من الفقاعات الهوائية. وبعد ذلك تصبح كتلة الطين هذه جاهزة لعملية التشكيل النهائية؛ حيث توضع على عجلة أو دولاب التشكيل.

تتكون آلة تشكيل الطين من عجلة (من الخشب أو الحديد) توضع عليها قطعة الطين المراد تشكيلها، وتدار هذه العجلة بواسطة عجلة أخرى مرتبطة بها، وعادة ما تصنع هذه العجلة من الحجر. عادة ما يجلس صانع الفخار في حفرة تغطي نصف جسمه، وتوضع أمامه آلة تشكيل الطين، فيقوم الصانع بإدارة العجلة السفلى بكلتا قدميه، فتدور العجلة الأخرى التي عليها الطين والتي تكون أمام صانع الفخار. وفي إثناء دوران هذه العجلة، يقوم صانع الفخار بتشكيل عجينة الطين بأنامله، ويبدأ بتشكيل الآنية المختلفة وتسوية جدرانها من الداخل. كما يقوم الصانع بصنع زخارف مختلفة على الجدار الخارجي للآنية.

بعد أن يكتمل صنع الآنية، يفصل الصانع الآنية عن العجلة، ثم تترك الآنية لتجف في مكانِ مظلل لمدة قد تصل إلى يومين، ويتم تجنب التجفيف في الشمس، فربما يؤدي ذلك لحدوث تشققات في الآنية (bahrainguide.org). وبعد أن تجف الآنية الفخارية، توضع في فرن خاص ليتم حرقها. كانت الدوغة هي الأفران الأساسية التي كانت تستخدم في البحرين؛ حيث توضع الآنية الفخارية في الطابق العلوي من الدوغة، وتشعل تحتها النار. بعد قرابة 12 ساعة، يتم إخراجها من الفرن ووضعها في الماء لكي تبرد (bahrainguide.org).

وبعد ذلك تصبح الآنية الفخارية جاهزةً للإستعمال. يذكر أن طريقة صنع الأواني الفخارية حدث لها العديد من التطوير، كاستخدام الأفران الحديثة، أو تلوين الأواني الفخارية، أو تشكيل أوانٍ بأشكال خاصة، بحسب الطلب، تستخدم كتحف أو للزينة.