شيعت مملكة البحرين، رسمياً وشعبياً، الوجيه عبدالعزيز كانو لمثواه الأخير في مقبرة المنامة، أمس الخميس (1 سبتمبر/ أيلول 2016).

ووسط حضور رسمي رفيع المستوى تصدره نائب رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، سارت جنازة الفقيد محمولة على أكتاف محبيه، معدداً سموه مناقب الفقيد لحظة تقدمه ركب المشيعين.

فيما لم يتمالك الوجيه عبداللطيف كانو دموعه، لحظة سؤال «الوسط» له عن أبرز مواقف عضيده «كانت يده ممدودة، وما أتذكره هنا من مواقف، حين كنا نمشي معاً، فجاءه أحد الفقراء طالباً المعونة. أدخل الفقيد يده في كيسه ولم يجد سوى 20 دينارا، فأعطاه للفقير بلا تردد، وحين علقت على المشهد، كان رده رحمه الله «يدي أخرجت هذا المبلغ، ولا بد أن نعطيه لأنه يستاهل».

هذا، ومن المقرر أن يستقبل مجلس كانو في الماحوز، التعازي، ابتداء من اليوم (الجمعة) واليومين التاليين، وللنساء في منزل المتوفى بمجمع كانو بالماحوز.

صديق الملوك... سهل المعاملة

تعدادا لمناقب الفقيد الذي رحل مساء أمس الأول (الأربعاء) عن عمر ناهز 85 عاما، قال الوجيه عبداللطيف كانو: «الفقيد من الشخصيات المتميزة بإيجابياتها التي طالت المجالات كافة، وعطاءاته سواء هنا في البحرين أو في السعودية، ولأهله ولعائلته، وهو واجهة من واجهات الخير. يده ممدودة للجميع حتى وصل لمستوى يضعه الجميع في موضع المقدمة».

وأضاف «رحمه الله، كان صديقاً للجميع، مع الملوك والرؤساء، وأعز أصدقائه من كبار القوم، والأهم من كل ذلك بساطته وسهولته ويسر التعامل معه، وصفاته الإيجابية لا تجدها الا في انسان دمث الاخلاق عالي الصفات، متميز في كل الاتجاهات».

ورداً على سؤال بشأن عطاءات الفقيد على الصعيد الفكري والثقافي، قال عبداللطيف كانو: «الفقيد من الأشخاص الذين أنشأوا جائزة يوسف بن أحمد كانو واستمر في قيادتها الى فترة طويلة من الزمن، والاهم ايجاده المجالات المختلفة للجائزة، ومن حسن حظنا في أيامه أن اعطيت الجائزة لشخصيات على مستوى العالم العربي وعلى المستوى الخليجي». مضيفاً «الى جانب ذلك، كان للفقيد تطلعه لإعطاء الانسان الاتجاه الصحيح، وقد وفقنا في الجائزة، ونأمل استمراريتها على نفس الانطلاقة التي بدأها الفقيد، فهو أول رئيس لها، ومن المهم التأكيد على استمراريتها إلى ان تصل لمستوى يعود بالنفع على البحرين والعالم العربي».

وتعليقاً على عنوان التاجر المثقف الذي لازم الفقيد الوجيه عبدالعزيز كانو، قال: «في حقيقة الامر، فإن الفقيد يعتبر مثقفاً أكثر من كونه تاجرا، وذلك لأن ثقافته نبعت من دراسته في الجامعة الأميركية ثم في انجلترا، وكانت له علاقات مع جميع الجامعات في المملكة العربية السعودية، والاهم أن الفقيد صاحب «ديناميكية» وانطلاقات على المستوى السعودي وخاصة في الدمام والخبر وعلى مستوى الرياض، الى جانب ارتباطه بالجائزة لان تصل لمستوى يليق بها، ومن حسن حظنا انتخاب عدد متميز من علماء العرب لهذه الجائزة».

تشييع متنوع المشارب

شهدت جنازة الفقيد الوجيه عبدالعزيز كانو، تشييعا مهيباً، تراصت في مسيرته وعزائه، أكتاف الوزراء والوجهاء ورجال الأعمال وعامة الناس وعشرات الآسيويين.

على ذلك، يعلق ابن عم الفقيد، رجل الأعمال فؤاد كانو، فرثى الوجيه عبدالعزيز كانو بالقول «رحمه الله، أعماله وبصماته تشهد له بأفعاله، وما كل هذا الحضور في التشييع من مختلف الأطياف من البحرينيين والاجانب إلا دليل عملي على حبه للناس وحب الناس له».

وتعدادا لبصمات الفقيد الخيرية، قال: «كثيرة هي، ومن بينها المساجد والصالات والمستشفيات، كلها بتوجيهات منه ومن إخوانه».

بدوره، كان رجل الاعمال طلال الزين يتحدث عن الفقيد بالقول «لا شك في ان الفقيد العم الوجيه عبدالعزيز كانو، من الشخصيات التي تركت بصمات عديدة ليس على المستوى التجاري وحسب، بل على المستوى الثقافي والتبرعات وفعل الخير الذي قدمه العم العزيز في البحرين والمنطقة ككل».

وأضاف «كوالد بالنسبة لي، حيث تشرفت بالخدمة معه، في الوقت الذي كان فيه نائب رئيس مجلس إدارة انفستكورب لعدة سنوات، أشير للدروس التي نهلناها منه، كرسالة استمر في توجيهها لنا، وذلك بالتركيز على العمل ودراسة اي خطوات يتم اتخاذها، والاهم في كل ذلك وضع مصلحة البحرين في عين الاعتبار، الى جانب مصلحة المنطقة الخليجية، وذلك عبر البناء من أجل المستقبل».

وتابع «كغيره، واجه الفقيد جملة تحديات في بعض محطات مشواره التجاري، وهو من الشخصيات التي بنت تجارة كبيرة وعريقة، وشارك في بناء وتطوير مجموعة يوسف بن أحمد كانو».

التاجر المثقف

اختار الرئيس المؤسس للجامعة الأهلية عبدالله الحواج، عنوان «التاجر المثقف» للتعبير عن حالة الفقيد الوجيه عبدالعزيز كانو، وقال: «هو بالفعل أنموذج ناجح يجب أن يحتذى به، فكما قرأنا عن سيرته التي انطلقت منذ الخمسينات ليحاول تطبيق كل ما تعلمه في حياته العملية ونجح في ذلك، لذا نؤكد عليه كأنموذج يجب أن يعمم».

وتطرق في حديث لـ«الوسط» لحظة تقديمه واجب العزاء، الى الفقيد بوصفه داعما للفكر والحركة الثقافية عبر جائزة يوسف بن أحمد كانو وعبر مركز عبدالرحمن كانو الثقافي (الملتقى الثقافي الأهلي)، فقال: «لا شك في ان البحرين فقدت شخصية تركت خلفها فكرا كبيرا، فهذا الرجل سواء على مستوى الاقتصاد او على مستوى الاجتماعي أو الثقافي، ترك بصمات لا تمحى».

وأضاف «كان صديقاً للجميع وداعما للكثير من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والفكرية وبرحيله تفقد البحرين شخصية عزيزة وغالية عليها، وعزاؤنا الوحيد فيما تركه، في اولاده وفي كل الآثار والمواقع الشاهدة على عطاءاته»، وابتهل الى العلي القدير بأن يكون مع الصالحين والأنبياء والصديقين في جنات النعيم، وأردف «الخاتمة الحسنى لكل من يقدم للناس ويكون مع الناس».

واستكشافا لبصمات الفقيد الثقافية، قال الحواج: «بداية أنوه إلى ما تركته عائلة كانو من أثر خير على مختلف المستويات، وفي مجالات التعليم والخير، ولذلك جاء الملتقى المهم جدا والذي حظي برعاية من الفقيد، وكذلك المشاريع التربوية الشاهدة على بقاء بصماته حتى أيامه الأخيرة. كان فاعلا ويحب المشاركة في صناعة المستقبل وصناعة التاريخ».

مناقب... وحضور دائم

«لم تفقده المحافل طوال حياته، في أفراحها وأتراحها»، هكذا رثى رئيس مجلس النواب السابق خليفة الظهراني، الفقيد الوجيه عبدالعزيز كانو، مستعرضاً بعضا من مناقبه الفقيد، بالقول «هذا اليوم، نحن نفتقد شخصية بارزة لها دور كبير في المجتمع، وبشكل عام فإن لعائلة كانو أياد طيبة في إنشاء الكثير من المشاريع القائمة على الأرض اليوم، من بينها المدارس والمساجد ودور العبادة، الى جانب تواصلهم مع الناس وعملهم الدؤوب على إيجاد مشاريع اقتصادية تعود بالنفع على البلد والمواطنين».

وأضاف «عطفاً على ذلك، فإن الفقيد الوجيه عبدالعزيز كانو، من الرجال الذين نكن لهم كل التقدير والاحترام ونفقدهم اليوم، والبركة في عائلة كانو الكريمة التي ستواصل مسيرة العطاء والبذل».

وتفصيلاً لحجم علاقات الفقيد، قال الظهراني: «هذا الأمر واضح وجلي، فالعائلة بمختلف أفرادها متواجدة وحاضرة في كل المناسبات الاجتماعية، سواء الافراح او الاتراح، والفقيد والأخ الوجيه مبارك كانو متواجدين على الدوام؛ لذا ترى الناس من مختلف المشارب يقدمون تعازيهم، سواء مواطنين أو جاليات».

داعم للتعليم

إلى جانب اهتمامات الفقيد الوجيه عبدالعزيز كانو الثقافية، كان وكما يقول وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي لحظة سؤال «الوسط» له عن دور الفقيد «عاصرته لفترات طويلة، ووجدت منه كل الدعم والاهتمام للتعليم، وكذلك عملت معه في مجلس الأمناء جائزة يوسف بن أحمد كانو، وعرفت مقدار اهتمامه بالبحث والتحصيل واهتمامه بالعمل الانساني، وأسأل الله تعالى بأن يتقبله في جناته، فقد كان رجلا معطاء مهتما بالعلم وأيضاً تشجيع الأبحاث، ولا شك في أن جائزة كانو خير دليل على ذلك».

وفي التعليق على نموذجية الفقيد في دعم الثقافة والفكر إلى جانب اشتغاله التجاري، قال النعيمي: «أضيف إلى ذلك حسن الخلق والتعامل وأتحدث عن مشاهدات مباشرة، كان حريصا على توسع الجائزة، وأن تصل للدول العربية، واختيار الابحاث المتميزة ونشرها».

بصمات خير... عرف منها القليل

أما الشيخ عبداللطيف المحمود، فأبّن الفقيد بالقول «أسأل الله له الرحمة ولجميع المسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات، من سبقنا ومن يكون بعدنا، أما الفقيد فقد كان ذا شخصية متميزة في البحرين وخارجها، بما عرف به من حسن خلق ودماثة تعامل مع الآخرين وتواصل بينهم وبين المسئولين وبين عامة الناس»، مضيفاً في حديث عن البصمات الخيرية للفقيد «هناك الكثير من الأعمال الخيرية للفقيد التي لم يود اطلاع أحد عليها، ولذلك ما يعرف عنه ما هو إلا القليل جدا مما قدمت يده البيضاء».

فخرو: عائلة كانو... مثال لترابط

الشركات العائلية

بدوره، تحدث الرئيس السابق لغرفة تجارة وصناعة البحرين عصام فخرو، مع «الوسط» عن عطاءات الفقيد المتشعبة، فقال: «الخسارة برحيل الوجيه عبدالعزيز كانو كبيرة لذويه ولوطنه. ينتمي لعائلة عريقة تحظى بدعم من قيادتنا الرشيدة، وهي عائلة من العائلات الرائدة ليس على مستوى البحرين فحسب بل على مستوى الخليج، لهم مسيرة متميزة فيما يتعلق بمسيرة الخير والعطاء».

وأضاف «عرف عن الفقيد تواضعه وإخلاصه، وبحكم خبرتي به منذ توليه رئاسة غرفة تجارة وصناعة البحرين، كان دائما يسدي النصيحة ويبادر لإبداء الرأي، فالمسيرة لم تكن عملية سهلة وتحتاج للوقوف بشدة والصبر؛ لان الفترة التي مررنا بها لم تكن سهلة، وهذا الامر بحد ذاته يمنح الفقيد تميزا وخصالا تجعله محط اعجاب الآخرين، ونأمل فيمن ترك من أبناء ان يكونوا خير خلف لخير سلف».

وفيما يتعلق بالشركات العائلية التي مثل الفقيد الوجيه عبدالعزيز كانو أحد أعمدتها، تطرق فخرو لمستقبلها، فقال: «الشركات العائلية تقتضي دعما واهتماما على المستوى الرسمي أيضاً، وترك الموضوع على ما هو عليه لن يساهم في حماية هذه الشركات، فهي تشكل صرحا أساسيا وجزءا من التنمية الاقتصادية هنا وفي عموم المنطقة».

وأضاف «على المستوى الصناعي، كل الشركات الرائدة بدأت كشركات عائلية، وهذه الأخيرة من المهم ان تعمل على تطوير ذاتها؛ بمعنى أن يتم تطبيق أنظمة الحوكمة بشكل ملموس، ويتم إعطاؤها الدعم المطلوب من قبل السلطات التنفيذية لتواصل مسيرتها، فالشركات العائلية دائما وحين تصل للجيل الثالث والرابع تجد أن نسبة نجاحها جداً متدنية، والحمد لله أن عائلة كانو من العائلات التي حافظت على مر هذه الاجيال على تماسكها، وما نأمله استمرار المسيرة الى جانب بقية العائلات التي تشكل جزءا مهما من الصرح الاقتصادي للبلد والمنطقة».

وتابع «تتعزز الحاجة لذلك، في ظل الحديث عن تنويع الاقتصاد وعن اعادة الهيكلة، وفي ظل تدني اسعار النفط التي ستبقى معنا لفترة طويلة، لذا علينا جميعا ان نتكاتف وننظر للبدائل ونعطي كل هذه البدائل الدعم اللازم».

وبشأن دور الفقيد في تثبيت أقدام الشركات العائلية، قال فخرو: «تماسك عائلة كانو في حد ذاتها يجب أن ينظر له كمعيار من قبل سائر العوائل، ليس في البحرين بل في الخليج ككل، فمحافظتها على استمراريتها وعلى مدى أجيال في حد ذاته يعكس طبيعة عمل، ولكن، وكما هو معروف، كلما كبرت العائلة وتفرعت الاجيال كلما صعب العمل».

واختتم حديثه بالقول «هناك من ينادي على مستوى الشركات العائلية بامكانية طرح ولو جزء منها للاكتتاب العام حتى يعطيها الاستمرارية، وخاصة مع عدم وجود الرغبة أو الاهتمام اللازم لدى بعض أعضائها، الأمر الذي يدفع بالدعوة لان تطعم هذه المسيرة بالوجوه الجديدة، ومنحها الحوافز؛ لكي تمسك العملية وتحافظ على استمراريتها، أما الاكتتاب فخيار متروك لأصحاب الشأن، لكن في المقام الأول متى ما وجدت الحوافز والدعم والتسهيلات اللازمة ستجد هناك اندفاعا أكبر نحو هذه التجربة»، وعقب «الاكتتاب جزء من وسائل للمحافظة على استمرارية هذه الشركات وأداء دورها في المحافظة على اقتصاد البلد».