التغيرات التي طرأت على الساحة الاقتصادية العالمية عام 2015، والتي مست الدول النفطية بشكل خاص، ألزمت العديد من الحكومات التحرك؛ لإيجاد حلول لاستدامة الطاقة من خلال تطوير قطاع الطاقات المتجددة. فالعالم يتجه رويداً إلى مرحلة ما بعد البترول، وهذه حتمية أدركتها الدول التي تسارع إلى ضمان أمنها الطاقوي المرتبط بالموارد الطبيعية غير القابلة للنفاد، وخصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وهذا هو التوجه نفسه الذي سلكته الجزائر، التي تعتبر ضمن أكبر 5 دول منتجة للغاز الطبيعي وضمن أكبر 10 دول منتجة للنفط، ويعتمد اقتصادها بنسبة شبه كلية على عائدات المحروقات التي تشكل 95 في المئة من حجم الصادرات و60 في المئة من الموازنة العامة.
تنعم الجزائر بخزان هائل من مصادر الطاقة المتجددة، إذ إن مناطقها الصحراوية الشاسعة التي تتربع على مساحة أكثر من مليوني كيلومتر مربع تحظى بنحو 3600 ساعة تشميس في السنة. أضف إلى ذلك طاقة الرياح التي تفوق سرعتها 7 أمتار في الثانية في بعض المناطق، وخصوصاً في ولاية أدرار في الجنوب، حيث أحد أقوى معابر الرياح في العالم. وهناك إمكانات للطاقة المائية من السدود، وطاقة جوف الأرض، وطاقة الكتلة الحيوية، وغيرها من الطاقات البديلة التي تعد صديقة للبيئة وذات جدوى اقتصادية.
هذه الامكانات المتنوعة في مصادر الطاقة المستدامة تجعل من الجزائر عملاقاً نائماً، إلا أنها متأخرة مقارنة ببعض دول الجوار في مجال إنتاجها واستخدامها. وقد تداركت الحكومة الأمر مؤخراً وسارعت إلى وضع سياسات للنهوض بهذا القطاع وتطويره وتشجيع الاستثمار فيه.
طاقة شمس ورياح
في فبراير/ شباط 2016، دعا الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة مجلس الوزراء إلى العمل على تنفيذ «البرنامج الوطني لتطوير الطاقات المتجددة» الذي صادق عليه مجلس الوزراء في مايو/ أيار 2015، وجعله أولوية وطنية، استجابة لمقتضيات المرحلة الراهنة والتوجهات الجديدة لتفعيل الاقتصاد الوطني.
يطمح هذا البرنامج إلى توليد 32 ألف ميغاواط من الكهرباء من مصادر متجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، منها 22 ألف ميغاواط للسوق المحلية و10 آلاف ميغاواط للتصدير، وخصوصاً إلى أوروبا. وهذا يمثل ضعفي إنتاج الجزائر حالياً من الكهرباء ونحو 27 في المئة من الإنتاج الإجمالي المتوقع سنة 2030. وذلك باستثمارات تصل إلى 120 بليون دولار.
ويشمل البرنامج أيضاً مخططاً لتحويل مليون سيارة و20 ألف حافلة تدريجياً إلى استهلاك الغاز الطبيعي المسال، إلى جانب مشاريع العزل الحراري لنحو 100 ألف مسكن سنوياً. وستخلق هذه المشاريع نحو 180 ألف فرصة عمل. وقد عملت الدولة على إدراج تخصصات لتأهيل موارد بشرية ونخب من أجل تنفيذ المراحل التي يتطلبها البرنامج، كما تم الإعلان عن فتح معاهد متخصصة في تكوين هذه النخب بالشراكة مع مؤسسات رائدة في مجال صناعة معدات الطاقة المتجددة.
تسعى الجزائر من خلال تنفيذ البرنامج الوطني لتطوير الطاقات المتجددة إلى ضمان استمرارية الاستقلال الطاقوي وبعث ديناميكية تنموية اقتصادية في محيط مشاريع الطاقة المتجددة. وضمن الأهداف خفض استهلاك الطاقة بنسبة 9 في المئة بحلول سنة 2030، ما يتيح اقتصاد 63 مليون طن مكافئ للنفط واسترجاع مبالغ تفوق 42 بليون دولار. ويسمح المخطط باقتصاد 300 بليون متر مكعب من الغاز خلال الفترة بين 2021 و2030 يتم توجيهها نحو التصدير.
كلفة أقل
يشكل الانتقال الطاقوي في الجزائر مطلباً للخبراء والمهتمين بالشأن الاقتصادي، الذين دعوا إلى الأخذ في الاعتبار الجدوى الاقتصادية والمردودية التي تجنيها الجزائر من هذا الانتقال. وهم يؤكدون أن الاستثمار في الطاقات المستدامة أقل كلفة من الاستثمار في مصادر الطاقة الأحفورية غير التقليدية، كالغاز الصخري الذي أعلنت الجزائر سابقاً نيتها خوض تجربة التنقيب عنه وتقييم مخزونه لاستغلاله مستقبلاً. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن كلفة استغلال الطاقات المتجددة أقل 5 مرات من كلفة استغلال الغاز الصخري، وأقل 4 مرات من توليد الطاقة النووية، حيث يكلف إنتاج كيلوواط من الطاقة المستدامة ما معدله نصف دولار فقط.
ولتشجيع الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، عملت السلطات على منح المستثمرين الجزائريين والأجانب حوافز وتسهيلات. وتم إدراج مفهوم كفاءة الطاقة في عمل كل القطاعات، وخصوصاً قطاع الزراعة الذي خاض تجربة في هذا المجال من خلال استخدام الألواح الشمسية لإنتاج الكهرباء والسقي في المناطق الصحراوية المعزولة، إضافة إلى قطاعات أخرى كالنقل والصناعة والسكن.
وقد أطلقت الجزائر دعـوة إلى المستثمرين الجزائريين والأجانب للاستثمار في قطاع الطاقة المستدامة، خلال المنتدى الجزائري ـ الأوروبي للطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية الذي عقد في مايو 2016 في العاصمة الجزائرية. وتعتزم الحكومـة تدعيم البرنامج الحالي الذي يتضمن إنجـاز 15 محطـة لإنتاج الكهرباء بالطاقـة الشمسية و4 محطـات بطاقـة الرياح في ولايات الجنوب والهضـاب العليا.