العدد 5105 - الأحد 28 أغسطس 2016م الموافق 25 ذي القعدة 1437هـ

طفولتي وعالمي الصغير جعلا منّي كاتباً... والتشخيص تضخيم للتطبُّع

الروائي النمساوي روبرت سيثالر مُتحدِّثاً عن الكتابة والتمثيل

هارفي كايتل ومايكل كاين في مشهد من فيلم « الشباب»
هارفي كايتل ومايكل كاين في مشهد من فيلم « الشباب»

الروائي النمساوي المقيم في ألمانيا روبرت سيثالر، أصدر من قبل 4 روايات. «حياة كاملة»، هي أولى رواياته التي يتم العمل على ترجمتها إلى الإنجليزية عن لغتها الأصلية (الألمانية)، وقد تصدَّى لترجمتها شارلوت كولينز، وحظيت بمكانة مرموقة بدخولها قائمة أكثر الكتب مبيعاً.

ستيفن هيمان، من صحيفة «نيويورك تايمز»، أجرى لقاء سريعاً مع سيثالر، يوم الأربعاء (24 أغسطس/ آب 2016)، بدأه بمقدمة نوردها هنا، مع هوامش اقتضتها بعض السياقات.

عن الكتابة والتمثيل كان اللقاء، وعن نقاط التلاقي والمواضيع المشتركة بينهما؛ حيث أشار سيثالر إلى أنه نشأ مع ضعف شديد في البصر، والتحق بمدرسة للمكفوفين في فيينا، وحين كان طفلاً عاش دائماً في عالمه الصغير الخاص. وربما كان ذلك هو السبب في أنه فضَّل الكتابة؛ إذ إنها أكثر تطبُّعاً. أما التمثيل - كما يقول - فيجب أن تجسِّد فيه أداءك وفقاً لعوامل خارجية، أو تقوم بتضخيم التطبُّع، بحيث تجعله مرئياً. «كلما أدَّيت على المسرح دائماً ما أشعر بالخجل، أردت فقط لو أن خشبة المسرح تبتلعني. بالنسبة إلى الفيلم لا بأس في ذلك؛ فهناك تقديري لصمت الكاميرا؛ وذلك يعمل على حمايتي».

في فيلم باولو سورنتينو الأخير «الشباب»، كان للروائي النمساوي روبرت سيثالر دور قصير لكنه لا يُنسى؛ حيث يلعب شخصية مدرِّب لتسلُّق الجبال بلحية كبيرة.

في الوقت الذي يتم تقديم سيثالر في فيلم ضمن قصة الفيلم، وفي شخصية ممثل أوروبي، يقضي معظم وقته في الكتابة. آخر إصداراته «حياة كاملة» حقق مراكز متقدمة ضمن قوائم أكثر الكتب مبيعاً في ألمانيا؛ حيث بيع منه أكثر من 100 ألف نسخة. الترجمة الإنجليزية التي تصدَّى لها شارلوت كولينز، دخلت القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر الدولية، وستصدر الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول 2016) في الولايات المتحدة عن دار «فارار وستراوس وجيرو». الرواية في 150 صفحة، والقصة تشبه إلى حد بعيد ملحمة بطولية مصغّرة، تقوم على سرد حياة أحد عمَّال المزارع، من خلال الشخصية المحورية أندرياس، والذي يعيش حياته كلها في جبال الألب النمساوية؛ حيث وصل إليها وهو صبي صغير ينتمي إلى عائلة من المزارعين. رجل قليل الكلام ولهذا، عندما يقع في حب ماري، لم يطلب يدها للزواج، وبدلاً من ذلك يقوم بعض أصدقائه بكتابة اسمها مضيئاً على الجبل وقت الغسق. عند توفيت ماري في انهيار جليدي، كانت حاملاً بطفلهما الأول، وكان قلبه متفطِّراً، حين يغادر الوادي لينخرط في القتال بسبب قيام الحرب العالمية الثانية؛ حيث يتم أسْره ويقضي فترة في أحد سجون القوقاز، ليعود بعد إطلاق سراحه وقد زحفت الحداثة على ملاذه البعيد.

العمل تحت المقارنة

تمَّت مقارنة الرواية بعدد كبير من الأعمال المشهورة مثل: «Into Their Labours» للكاتب الإنجليزي، جون بيرجر الذي أقام في بيئة شبيهة ببطل رواية «حياة كاملة»، في قرية صغيرة عند قمم جبال الألب الفرنسية، اسمها «كوينسي»، وقبلها عاش في سويسرا وإيطاليا. كما تتم مقارنة رواية سيثالر، برواية «Stoner» الكلاسيكية التي صدرت في منتصف ستينيات القرن الماضي، للكاتب الأميركي جون ويليامز، وبطلها الشاب المزارع وليم ستونر. تتحرك الرواية ضمن بدايات ستينيات القرن الماضي، «ستونر الأب»، لم تحل البيئة المحدودة، وحتى الإمكانات دون أن يبعث ابنه لتلقّي تعليمه الجامعي في ميسوري، تطلّعاً إلى استفادته مما قد يتعلّمه في مجال ما احترفه في الحياة: الزراعة، ويساهم في مساعدة والديه في عملهما.

«حياة كاملة» كتاب رقيق في لغته وشجيٌّ في تداعيات سرده، ويذهب عميقاً في البحث عن مفاهيم ومعاني الكرامة والجمال في نطاق من العزلة، كما يبحث في اللحظات كبيرها وصغيرها، تلك التي تجعل منا ما نحن عليه. هنا الحوار كما ورد في «نيويورك تايمز»، مع تصرُّف يتعلق بالهوامش والإحالات، مع هوامش أوسع ستكون في معزل عن الحوار:

كيف أنهيت أداء دور مدرب لتسلُّق جبال الألب في أحدث أفلام باولو سورنتينو «الشباب»؟

- دعاني سورنتينو إلى إيطاليا. في البداية لم أكن أريد الذهاب لأنني لم أرغب في السفر كل تلك المسافة وصولاً إلى روما. ثم رأيت فيلمه «الجَمَال العظيم» (The Great Beauty) - فيلم سورنتينو السابق، الذي حصل على جائزة الأوسكار - وأدركت بأن هذا الرجل يصنع نمطاً عظيماً من السينما الكلاسيكية وذلك هو ما حدث. كان دوري يتحدد في شخصية، لوكا مورودر، متسلق جبال جيد، إلا أنه لم تكن لديه أدنى فكرة عن النساء. إنها قصة قصيرة لحب من النظرة الأولى. ولد مع التعلق على حبل فوق الهاوية مع راشيل وايز.

روايتك الجديدة «حياة كاملة»، تدور أحداثها في الجبال أيضاً، وفي هذه الحالة، موقعها جبال الألب النمساوية. هل كانت القرية والمناظر الطبيعية تستند إلى الأماكن التي كنت تعرفها عن كثب؟

- لقد اخترعت الأماكن جميعها في الكتاب، وجميع أسماء الأماكن. بطريقة ما، إنها أماكن أسطورية. هذه الحياة، أو شيء جِدُّ قريب منها، كان يمكن أن تُعاش في أي مكان وفي أي وقت. ولكن بالطبع لديَّ ذكريات، أو ذكريات عاطفية... خبرات طفولتي في الجبال... الصمت الرائع للثلج، وأيضاً مخاطر الجبال نفسها - لا تنسى أشياء من هذا القبيل. في كثير من الأحيان يمكن الاستمتاع بالطبيعة، لكن في بعض الأحيان عليك أن تكابد ذلك أيضاً. يمكن لتلك الطبيعة أن تترعك بالرهبة. ستجد فيها ما هو أكثر من مجرد جمالها، كما لا يمكن تصوُّرها ومخيفة أيضاً.

ناقش العديد من القرَّاء التناقض بين فرضية عنوان الرواية وطولها القصير. هل كان تحدياً لضغط قصة حياة غير عادية في هذه المساحة الصغيرة؟

- لا علاقة لذلك بضغط الأحداث ومساحة الرواية، بقدر ما هي العلاقة مع النحت من لا شيء. من أين تبدأ؟ ماذا تختار؟ ماذا تترك؟ يدور كل شيء في النهاية حول السؤال الآتي: ما هي الأشياء التي تذهب لتعويض مثل هذه الحياة؟ إنها مثل نقش الخشب أو نحت الحجر. فأنت لا تحظى بفرص كثيرة. كل اقتطاع... كل ضربة بإزميل يجب أن تتم بشكل صحيح. في طريقي لنحت شخصية أندرياس إيغر، الشخصية المحورية في الكتاب، كان ذلك من صميمي. كل حياة حين تنظر إلى ماضيها، تقلَّل امتدادها إلى بضع لحظات. اللحظات تلك هي ما يبقى معنا.

«حياة كاملة» هي من أكثر الكتب مبيعاً عالمياً. هل ثمة نظريات تفسِّر لماذا لاقت هذه القصة قبولاً على نطاق واسع؟

- لا نظريات لديَّ. لا أستطيع التفكير في أشياء من هذا القبيل. أردت فقط أن أقول قصة رجل بسيط. بالطبع أنا سعيد لأن الكتاب أثَّر في ذلك العدد الذي لا يُصدَّق من الناس. ولكن ليست هنالك نية من وراء ذلك ساعة كتابتها. أعتقد أن كثيراً من الناس وجدوا فيها شيئاً من قبيل العزاء لهم.

هل ثمة كثير من نقاط التلاقي والمواضيع المشتركة بين التمثيل وامتهان الكتابة؟ أم أنك تراهما منفصلين؟

- لقد نشأت مع ضعف شديد في البصر، والتحقت بمدرسة للمكفوفين في فيينا. حين كنت طفلاً عشت دائماً في عالمي الصغير الخاص. وربما كان ذلك هو السبب في أنني أفضِّل الكتابة. إنها أكثر تطبُّعاً. مع التمثيل يجب أن تجسِّد أداءك وفقاً لعوامل خارجية، أو تقوم بتضخيم التطبُّع، بحيث تجعله مرئياً. حقاً. كلما أدَّيت عملاً على المسرح دائماً ما أشعر بالخجل، أردت فقط لو أن خشبة المسرح تبتلعني. بالنسبة إلى الفيلم لا بأس في ذلك؛ فهناك تقديري لصمت الكاميرا؛ وذلك ما يعمل على حمايتي.

هل يمكنك أن تخبرني شيئاً عن مشاريعك الحالية، الأدبية والسينمائية؟

- أكتب رواية عن بلدة صغيرة - وخصوصاً مقبرتها. إنه عمل مضنٍ. بعد أن أنجزه على الأرجح سأحتاج إلى الراحة لبضع سنوات، وأن أضحك بقدر ما أستطيع.


فيلما «الشباب»... «الجَمال العظيم»

 يأخذنا سورنتينو إلى عالم المُسنِّين من خلال مجموعة منهم، ومن المشاهير، ممن يبحثون عن حياة العزلة في أحد المنتجعات الفخمة بين جبال الألب في الجانب السويسري. بدءاً من قائد الأوركسترا مايكل كاين، ويؤدي دور فْرِيد، الذي أحال نفسه على التقاعد منسحباً من الحياة الاجتماعية. هو من طراز الموسيقيين الكبار؛ إلا الناس بطبعهم لا يتذكَّرون في هذا المجال إلا لحنا يحمل عنوان «أغانٍ بسيطة». تأخذنا تداعيات الأحداث بمشهد إلحاح مندوب عن قصر باكينغهام في دعوته لقيادة أوركسترا ستعزف اللحن نفسه في حفل على شرف ملكة بريطانيا؛ إلا أنه يرفض العرض.
مايكل كاين (فْرِيد)، يقترب من الثمانين، وصديق لمخرج (هارفي كايتل) ويؤدي دور ميك، الذي يحاول إنجاز فيلم مع مجموعة شباب، يحمل عنوان «آخر أيام العمر»، تحضر نجمة من هوليوود، بحسب طلب المخرج، إلا أنها تعتذر عن القيام ببطولة الفيلم بحجَّة توقيعها عقداً في مسلسل تلفزيوني، سيوفر لها المال الذي تحتاجه. هنالك تذكير للمخرج بفشل أفلامه الثلاثة الأخيرة، تذكير بالماضي الذي مازال مشدوداً إليه، وحان الوقت لكي يواجه حقيقة فشله، وصولاً إلى رحيل الممثلة، وترديدها اعتذاراً للمخرج مايك (كل ذلك في الطائرة)، في صحوة منها على موقفها المشين بتفضيلها المال على الفن.
والفيلم نفسه يحوي وصيته. يضعنا الفيلم أمام مفاهيم وأمكنة باردة: الموت، محل الإقامة (الفندق). كأن الموت يتربَّص وسط كل ذلك، وأولئك.
القيم التي يحاول سورنتينو تمريرها تتم من خلال اللعب على التناقض بين عنوان الفيلم، والشيخوخة التي يتتبع تفاصيلها التي تبدو خاصة ومشاعة في الوقت نفسه. ما يجمع وما يفرِّق بينهما، من بينها ذكرى فتاة فْرِيد. اللؤم، الشخصيات الثانوية والمجال الذي تتحرك فيه الكاميرا. الوقت ينفد من حياة الاثنين... بالطبع الذاكرة أول ما يبدأ في التلاشي، في كثير من الأحيان، لكنها في الفيلم تبدو ضمن مستوياتها. كيفية التعاطي مع المشكلات الصحية (البروستات على سبيل المثال)، تلك التي يعاد تكرارها في الحوار بين الصديقين.
أما فيلم «الجمال العظيم فيبدأ بعبارة «إن رحلتنا خيالية تماماً، وهذا هو مصدر قوتها». العبارة لـ «لوي فرديناند سيلين». الفيلم الذي تم إنتاجه في العام 2013، ويلعب دور البطولة فيه كل من: توني سيرفيلو، كارلو فيردونا، وسابرينا فيريللي، كارلو بوكيروسو، ولايا فورتي، يروي قصة مؤلف في الخامسة والستين، يعاني من أزمة روحية، يقوم بجولات بين القصور القديمة والميادين والتماثيل والمتاحف، يسترجع من خلالها ذكرياته الخاصة في المدينة التي أحبَّها. الصورة الأخَّاذة لمدينة روما التي يضعنا الفيلم أمامها، تأتي احتفاء بقيم ومعاني الإبداع الفني والجمال الذي تكتنز به. ثمة تفصيل لعالم الطبقة المخملية، طوافاً على الشعراء والكتَّاب والسياسيين وحتى الذي لا ذكْر لهم من الهامشيين، علَّه يقف على أسرارها، وفي غمرة كل ذلك يظل مشدوداً إلى العمارة والقصور والمدينة بأسْرها. لا يكاد يرى وسط انجذابه إلى كل ذلك، ما تحتويه المدينة من أخطاء.
تكتشف المدينة أحياناً من خلال الفرد، والعكس أيضاً، لكن سورنتينو يقدم لنا الأول بوضوح بالغ، وبغموض ليس عصياً على فك شيفرته. كل تلك النماذج التي يلتقيها بطل الفيلم في المدينة، تقدِّم له جمالياتها وأخطاءها وهوامشها. يظل الجمال العظيم في مدينة روما، في جانب مهم منه يتحدد في ما أنجزه إنسانها، وما يمكن له أن ينجزه اليوم وغداً. الزمن الذي يمكن تداركه بعدم التفريط فيما تبقى منه. الانشداد إلى السنوات «العجاف» لن يصنع سنوات «سمان». البدايات التي يمكن استئنافها بغض النظر عن السن التي وصلها أي منا.
يُذكر أن باولو سورنتيو مخرج وكاتب إيطالي. ولد في نابولي 31 مايو/ أيار 1970. في العام 2004، أخرج فيلم «آثار الحب» وقُدّم في منافسة مهرجان كان السينمائي الدولي. حقق الفيلم نجاحاً كبيراً وحصل على جوائز عديدة من بينها خمس جوائز دوناتيلو (لأفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل سيناريو وأفضل ممثل وأفضل تصوير).

روبرت سيثالر
روبرت سيثالر
باولو سورنتينو
باولو سورنتينو




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً