بروفيسور فيصل عبد اللطيف الناصر - مستشار المنظمة الدولية لأطباء العائلة
27 أغسطس 2016
إن علاقة الحالة النفسية والأمراض العضوية قوية ومعقدة جداّ فمعظم الأمراض النفسية تبدو في هيئة أعراض وشكاوى عضوية كما أن الكثير من الأمراض العضوية تكون ناتجة عن مسببات نفسية. إلا أن حدة التعرض للإجهاد النفسي وتأثيراته على البدن يختلف من شخص لآخر معتمداً على عدة عوامل منها الوراثية ونوعية وقوة الشخصية ومدى الدعم الاجتماعي المقدم للشخص. فالتوتر والقلق المزمن لهما تأثير كبير على النظام المناعي فى جسم الانسان الذي قد يعرض الشخص في نهاية المطاف الى الإصابة بالعلل والأمراض المتنوعة. لقد بينت الدراسات والبحوث من أن 50 % الى 70 % من مسببات الأمراض العضوية وخصوصاً غير السارية قد ينتج بسبب خلل فى الجهاز النفسي لما له من تأثير على الدماغ، فمن المعروف أن مخ الانسان يتحكم في عمل كل أعضاء وأجهزة الجسم من خلال افراز العديد من الأنزيمات والهرمونات التي تعمل على اتزان الشرارات الكهربائية الصادرة من الأعصاب إلى الأجهزة المعنية في الجسم، لذا فإن توتر الحالة النفسية يتسبب في عدم اتزان تلك الإفرازات وبالتالى خلل فى جهاز التحكم.
يتعرض الإنسان على مدى حياته وبصورة اعتيادية للكثير من القلق والتوتر والخوف بسبب العوارض اليومية التي تواجهه والناتجة عن ضغوط العمل والظروف البيئية والمجتمعية المتعددة المحيطة ولكن الجسم يتمكن من التأقلم مع هذه المشاكل إلا أن الإفراط فيها يؤثر تأثيراً مباشراً على الدماغ وبالتالي على معظم أجهزة الجسم. فالاجهاد النفسى أو التفكير المستمر والقلق المزمن بسبب العمل والخوف المفرط من المستقبل مثلاً قد يؤثر تأثيراً مباشراً على الكثير من أعضاء الجسم، فمثلاً يؤثر على القلب بزيادة النبضات، وعلى شرايين الدم بارتفاع الضغط وظهور الأعراض المصاحبة لتقلص الشرايين، وعلى الجهاز الهضمي وخصوصاً المعدة فيتسبب في ازدياد افراز الأحماض المعوية التي تؤدى مع الوقت لحدوث تقرحات فى جدار المعدة وأسفل المرىء. كما أن الضغوط النفسية تُعرض الإنسان للاصابة بالكثير من الالتهابات الاخرى كالتهاب المفاصل الروماتيزمية والأكزيما والحساسية. ولا يخفى على أحد من أن الصدمات العصبية والنفسية المفاجأة كموت أحد أفراد العائلة قد يتسبب فى إصابة المحب بحالة نفسية سيئة والانحدار السريع فى الصحة لعدم التمكن من التأقلم مع الوضع المستحدث فموت أحد الزوجين بعد وفاة الآخر بفترة قصيرة لهو أكبر دليل على ذلك. ولكن يبقى من أهم المضاعفات الصحية الخطرة التي تصيب الانسان عند اختلال الجهاز النفسي هو اعتلال جهاز مناعة الجسم وبالتالي زيادة احتمالات الإصابة بالأورام والسرطانات المختلفة.
لذا نجد مما ذكر بأن الارتباط بين الحالة النفسية والأمراض العضوية وثيق جداً وبالتالي لا يمكن اهمال الجوانب النفسية للمرضى من قبل الطبيب والعاملين فى المجال الصحي عند معالجتهم أو اعتنائهم بالمريض لأى سبب وخصوصا الأمراض العضوية.
العدد 5104 - السبت 27 أغسطس 2016م الموافق 24 ذي القعدة 1437هـ