العدد 5104 - السبت 27 أغسطس 2016م الموافق 24 ذي القعدة 1437هـ

العرب وتجربة دول الطوائف الأندلسية

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

لست أول من يسأل عمّا كان سيكون حال إسبانيا لو أنها مازالت بيد العرب والمسلمين الذين دخلوها وعمروها على مدى ثمانية قرون، قبل أن يخرجوا منها قبل خمسة قرون... فلعلها لن تكون بأفضل حال مما يحصل في ليبيا أو بلد مماثل، حيث تهدر الخيرات والنعم ويتحول البلد إلى البلاء في كل جانب.

الزائر إلى إسبانيا سيعجب وهو يمشي بين الآثار العربية بالمدن الإسبانية في أسلوب محافظة الإسبان (حكومة وشعباً) على تلك الآثار والاهتمام بها وصيانتها وترميمها وتجميلها، وتقارن بين ما يحدث عندهم وعندنا من إهمال وتدمير وتطميس لآثار بلداننا في العالم العربي.

وبحسب المصادر الإسبانية فإن هناك ستة آلاف كلمة عربية لاتزال حاضرة في اللغة الإسبانية. فمثلاً، إن أردت «سُكراً» ما عليك سوى أن تقول للنادل «الثُكر» ولو أردت زيتوناً على مائدتك فقل «الثيتونة» أو ليموناً فقل «الليمون» أو «زعفراناً» فقل «الثعفران». كما لا غرابة أن تسمع حروفاً أقرب للعربية مثل الثاء والخاء. أما مزاح الإسبان وضحكهم يشبه كثيراً كبعض العرب خلافاً للكثير من الشعوب الأوروبية.

كل شيء تراه وتسمع وتقرأ عنه في إسبانيا يتكلم عن تاريخ بلد شيده في يوم ما المسلمون والعرب والأمازيغ وسكنوها ثمانية قرون، فكانوا سبباً لنهضتها الفكرية والعمرانية والثقافية في فترة كانت أوروبا تذكر بالقرون الوسطى. خسرها العرب بسبب تحولهم إلى دول الطوائف، وكان عدد دول الطوائف الأندلسية يعادل عدد الدول العربية حالياً، وكانوا يتقاتلون فيما بينهم ويستعينون بملوك أوروبيين ضد بعضهم بعضاً، إلى أن تقلصوا وانتهت ممالكهم الواحدة بعد الآخر. وكانت آخر معاركهم في غرناطة، عندما تم إخراج ملكها أبوعبدالله الأحمر في 1491، وكان آخر مكان ألقى نظرته الأخيرة على قصره من شارع في غرناطة يحمل اسم «زفرة»، إذ بكى وهو يرمى ملكه ينتهي، فالتفتت إليه والدته، عائشة الحرة، وقالت له: «ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال».

مفردة «زفرة» ومفردة «طائفة» يستخدمها الإسبان اليوم في خطاباتهم السياسية بالإسبانية في إشارة إلى مكون الجماعة والفرقة على غرار ما حدث في حقبة ملوك الطوائف وما عقبها من فترات انتهت بـ «زفرة» آخر ملوكها.

وعندما تزور المدن والمناطق وتسير في أزقة الأحياء القديمة في كل مدينة وبلدة من أقاليم إسبانيا تلمس روحاً مازالت عالقة بتاريخ طويل، هذا التاريخ الذي مازال المسلمون والعرب والأمازيغ منذ القرن الرابع عشر يبكون على أطلاله ويندبون تاريخهم. لعلهم يجدون سبباً لحاضرهم الغارق في حمامات دم وتناحرات مستمرة ونزاعات طويلة الأمد.

إن ما خلفه المسلمون في توليدو الإسبانية أو «طليطلة» بالعربية وصولاً إلى مسقط رأس العالم عباس بن فرناس وصاحب مرثية الأندلس أبوالبقاء الرندي في روندا بالإسبانية أو رندة بالعربية هذه المدينة الجميلة العالقة على مرتفعات الجبال الشاهقة بالأندلس، وقرطبة ابن حزم وغيرها، تجد فيها ما يذكرك بنهضة لا يمكن أن تشطب من التاريخ الذي يقول في النقش وفي الزخارف مغاربي وفي الفكر والعلم أندلسي.

ولو توقفنا عند قراءة تاريخ رندة وتحديداً بعد تفكك الدولة الأندلسية. فإن هذا التاريخ الذي شيده المسلمون لم يكن بتلك الصورة الوردية التي نراها اليوم، إذ إن هناك إرثاً طويلاً من الانتهاكات التي مورست بحق مسلمي الأندلس (الموريسكيين)، وهو تاريخ تم طرحه في البرلمان الإسباني وبدأ المستشرقون الإسبان وغيرهم في طرح قضية تعويض واعتذار لما حل لأبناء أجيال الموريسكيين.

رندة واحدة من هذه المدن التي كانت في يوم عاصمة لمملكة صغيرة من البربر يحكمها بنو يفرن. وفي العام 1065 غزاها ملوك طوائف إشبيلية بقيادة عباد المعتضد الثاني. وفي العام 1485 انتهى الحكم الإسلامي فيها وذلك بعد حصار قصير من ملك قادس، تم طرد سكانها بينما تم تنسيق مبانيها لتناسب الطراز المسيحي.

ومن المعروف أن المسلمين في إسبانيا عانوا من «محاكم التفتيش» الإسبانية، فبعد العام 1492 لم يبقَ للمسلمين وجود في إسبانيا. حينها أصدر الإسبان مرسوماً يقضي بتنصير جميع المسلمين واليهود أو أن يغادروا الأراضي الإسبانية من دون أخذ أملاكهم؛ مما أجبر الناس على اعتناق المسيحية في العلن، لكنهم مارسوا دينهم سراً حفاظاً على ممتلكاتهم. تم إطلاق اسم الموريسكيين على المسلمين الذين اختاروا التحول للمسيحية، كما أُجبروا على وضع هلال أزرق فوق قبعاتهم وعمائمهم مما جلب لهم السخرية والأذى من السكان المتعصبين. إضافة إلى حظر استخدام اللغة العربية تحدثاً أو كتابة، وأن تُبقى جميع أبواب المنازل مفتوحة يوم الجمعة حتى لا يؤدي المسلمون الصلاة، وفرض ضرائب مرتفعة.هذه القوانين أدت إلى ثورات عديدة.

لقد ظل تاريخ جدران القصور والقلاع والمساجد والحمامات وحتى مفاتيح منازل من طرد، شاهداً على الدور الذي لعبه مسلمو الأندلس. بعد قرون على طردهم من الأندلس، تحرك البرلمان الإسباني مؤخراً لكي يعيد فتح أبرز صفحات تاريخ إسبانيا قتامة، ليخفف من وطأته التي تطارد الذاكرة الإسبانية إلى اليوم. رد الاعتبار لأحفاد الموريسكيين الذين طُردوا بشكل جماعي في أبشع المشاهد.

لقد كان طرح مثل هذه المشاريع بقوانين حتى وقت قريب أحد محظورات السياسة الإسبانية. لكن الآن يعد تعبيراً عن قدرة الإسبان على فتح دهاليز ماضيهم المتنوع نحو الهنود الحمر في الأميركتين، ومسلمي الأندلس، والحرب الأهلية.

إسبانيا والإسبان انتقلوا إلى العصر الحالي بروح جديدة، وينعمون بديمقراطية ربما لم يكونوا قد يحصلون عليها لو أن الأوضاع التي سادت في الماضي استمرت لحد الآن. فحين نعود إلى بلداننا العربية في شكلها الحالي فهي لم تختلف كثيراً في شكلها الحالي عن دول الطوائف الأندلسية التي نشرت الفتن وأنهكت نفسها وأدت في نهاية الأمر إلى تفككها وانتهائها من سيادة تلك المنطقة. العرب ليسوا بحاجة لتكرار تجربة دول الطوائف التي قضت على الأندلس لامتهانها الفتن والقتل فيما بينها.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 5104 - السبت 27 أغسطس 2016م الموافق 24 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:36 م

      مقال جميل.
      نريد مقالا عن دولة الموحدين في الأندلس الموالية لخط أهل الييت عليهم السلام.

    • زائر 5 | 5:27 ص

      أصول العرب

      عن الكاتب المصري د.يوسف زيدان :- الرأي السائد علميا وتاريخيا هو أن أصول العرب تعود إلى اليمن وإن قلب الجزيره العربيه لم يكن قبل الإسلام منطقه حضاريه وإن ساكنيه كان ينظر لهم قديما على إنهم " سراق إبل ". .. هذا هو الكلام العلمي والتاريخي الثابت حتى الآن وسيظل حتى يثبت عكسه.

    • زائر 3 | 3:12 ص

      الاتحاد

      الاتحاد قوة والفرقة أي الطوائف ضعف ولنا مثال للاتحاد الأوربي أسوة يا أولى الألباب.

    • زائر 1 | 1:52 ص

      مقال جميل
      ان شاء الله بعض الناس يتعضون

    • زائر 2 زائر 1 | 3:00 ص

      شكرا ريم .

اقرأ ايضاً