كانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف صباحاً، عندما رافقت «الوسط» ذلك الرجل الستيني إلى المنطقة الواقعة جنوبي البحرين، حيث يُستخرج منها الملح البحري الطبيعي، إذ يصعب على «أبوأحمد» البقاء إلى ما بعد الساعة السابعة صباحاً، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فهو ينجز عمله خلال ساعتين أو ثلاث، ليعود محمَّلاً بأكياس الملح التي يزن الواحد منها 55 كيلوغراماً، ويبيعها على زبائنه بمبلغ لا يتجاوز 3 دنانير.

ذلك هو الحاج عبدالأمير هلال، أو كما يُعرف في قريته المالكية، بـ«بيّاع الملح»، الذي سرد لـ «الوسط» قصة عمله في مهنة استخراج الملح، منذ أن كان عمره 12 عاماً وحتى الآن.

«سَلْبه»... عين الملح البحري... وأميرها: المطر عيدنا... ومِلحُنا ينافس الصناعي

المعامير - علي الموسوي

كانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف صباحاً، عندما رافقت «الوسط» ذلك الرجل الستيني إلى المنطقة الواقعة جنوبي البحرين، حيث يُستخرج منها الملح البحري الطبيعي، إذ يصعب على «أبوأحمد» البقاء إلى ما بعد الساعة السابعة صباحاً، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فهو ينجز عمله خلال ساعتين أو ثلاث، ليعود محمَّلاً بأكياس الملح التي يزن الواحد منها 55 كيلوغراماً، ويبيعها على زبائنه بمبلغ لا يتجاوز 3 دنانير.

ذلك هو الحاج عبدالأمير هلال، أو كما يعرف في قريته (المالكية)، بـ «بياع الملح»، الذي سرد لـ «الوسط» قصة عمله في مهنة استخراج الملح، منذ أن كان عمره 12 عاماً وحتى الآن، وهي المهنة التي ورثها عن جده وأبيه، ومازال حريصاً على مزاولتها، على رغم المشقة والتعب الذي يواجهه خلال حصد الملح.

وقبل أن يشرع في قصته، يعرّف نفسه بأنه (عبدالأمير هلال) أب لـ 8 بنات و8 أولاد، عمل في وظائف مختلفة، منها مزارع في وزارة التربية والتعليم، إلا أنه لم ينفك عن مهنة جده وأبيه، وبقي ممارساً لها حتى وهو في الوظيفة الرسمية التي تقاعد منها في العام 2011، بعد أن قضى فيها نحو 29 عاماً.

ومن تلك الأرض الفضاء التي يسمّيها «سَلْبه»، من دون أن يفصّل في سبب التسمية، تحدث الحاج عبدالأمير عن المهنة التي بدأها منذ أن كان «جنيّاً» بحسب تعبيره، وحتى الآن، مرتدياً فانيلة خضراء، وبنطالاً رفعه إلى ركبتيه، وقبعة تحميه من «شمس أغسطس».

الموطله... قصة الملح الأولى

يبدأ الحاج هلال حديثه عن المنطقة التي كانوا يستخرجون منها الملح البحري، والتي كان يطلق عليها اسم «الموطله» وهي منطقة قريبة من بلاج الجزائر، حيث كان أبوه يقصدها ممتطياً حماراً رفيعاً، ويستخرج منها الملح، حتى تعرض لحادثة أدخلته المستشفى، تمثلت في سقوطه من ظهر الحمار، وسحبهُ الحمار في الشارع، ما تسبب في سحق جسده وتعرضه لكدمات ورضوض.

وبقي الحاج عبدالأمير ملازماً لوالده في مهنة استخراج الملح، وفي المنطقة المذكورة «الموطله»، إلى أن مُنعوا من ارتيادها، ما جعلهم ينتقلون إلى منطقة أخرى، وهي التي مازالت محافظة على قدرة حفظ الملح، وبما يمكن من استخراجه وجمعه في أكياس كبيرة، وتُسمى «سلبه»، وتقع في قرية المعامير، بالقرب من شركة نفط البحرين (بابكو)، وتحديداً من مصنع التكرير.

وعن سبب تسمية هذه المنطقة، يقول: «لا أعرف السبب الحقيقي لهذه التسمية، ولكن أجدادنا كانوا يطلقون عليها هذا الاسم، وربما لكون السيارة تنحدر بسهولة في هذه المنطقة».

«سلْبه» الموقع اليتيم

للملح في البحرين

يخرج الحاج عبدالأمير هلال من منزله في قرية المالكية، بعد ساعة من صلاة الفجر، مستقلاً سيارته التي جعلها مهيأة للطرقات الوعرة وغير المعبّدة، التي يسلكها للوصول إلى منطقة استخراج الملح «سلبه»، وهي منطقة لا يقصدها سوى 3 بحرينيين قد بلغوا من العمر عِتياً، لكنهم يحرصون على ارتياد المنطقة كل يوم، وخصوصاً في فصل الصيف، ليرووا الأرض من عرقهم، وتكون مصدراً لرزقهم.

وبسؤاله عمّا إذا كانت هناك مناطق أخرى يمكن استخراج الملح منها، يوضح هلال أن هذه المنطقة بقيت الوحيدة في البحرين التي يمكن استخراج الملح الصالح والنظيف منها، ويشير إلى أنهم كانوا يقصدون بحيرة اللوزي في المنطقة الغربية لاستخراج الملح، إلا أنه غير نظيف، ولا يمكن الاستفادة منه.

المطر... بشارة الحصاد

ونواة للملح

وعن عملية استخراج الملح، يفصّل هلال مراحل هذا العملية، فيقول إنهم يترقبون فصل الشتاء بفارغ الصبر؛ لأن هطول الأمطار يعدّونه عيداً لهم، وبشارة حصاد وفير للملح، فالمطر نواة الملح.

ويبيّن أن منطقة «سَلْبه» منخفضة عن مستوى الأرض، ولذلك تتجمع فيها مياه الأمطار، وهي منطقة نظيفة والملح فيها صالح للاستخدام، وبعد انتهاء موسم الأمطار يبدأ حصاد الملح بكميات كبيرة، وخصوصاً عندما تشتد حرارة الشمس، إذ تجف مياه الأمطار، وتتحول إلى ملح بحري وطبيعي.

ويضيف «نأتي كل يوم ونجرف الملح من بقع مياه الأمطار التي تتجمع في المنطقة، ونجعله على شكل أكوام، وكل فرد يجمع ما يقدر عليه، ويتركها لتجف ومن ثم ينقلها إلى أكياس كبيرة».

ويذكر أن الحصاد في موسم الأمطار يقل كثيراً عن فصل الصيف، ويصعب عليهم التحرك في المنطقة بسبب عمق الأرض المغمورة بالمياه.

ويلفت إلى أن العام الماضي كان غنياً بمياه الأمطار، ولذلك يعد الحصاد في فصل الصيف كثيراً مقارنة بالأعوام الماضية.

وعمّا إذا مر عليه عام شحّ فيه الملح، يجيب الحاج عبدالأمير قائلاً: «نعم... أتذكر في العام 2009 لم تكن كميات الأمطار التي هطلت على البحرين كثيرة، ولذلك واجهنا صعوبة في حصد الملح».

الملح... تشتريه «الكهرباء»

السؤال عن فوائد الملح الطبيعي، جعل الحاج عبدالأمير حائراً في أي الفوائد يبدأ بذكرها، وفضّل أن يبدأ بمعلومة سمعها من أشخاص عدة، بأن الملح الطبيعي، ينافس الملح الصناعي الذي يُنصح بعدم تناول كميات كبيرة منه.

ويعدد الفوائد الأخرى للملح، لتكون المفاجأة بأنه يستخدم في تجفيف جلود الأبقار والأغنام، كما يستخدم في إطعام المواشي والخيول والجمال، إلى جانب تغسيل الملابس، وتجفيف الأسماك والروبيان، وكان يُستخدم في تنظيف زجاجات المشروبات الغازية.

ويضيف أيضاً «الملح البحري الطبيعي لا يستخدم للأكل فقط، بل كنا نبيعه إلى مجمع السلمانية الطبي، ومحطات توليد الكهرباء»، متحدثاً عن نفسه قائلاً: «شخصيا أتخذ الملح علاجاً لكثير من الأمور، ومنها الجروح، وأنا عندما أخلع أحد أسناني أرفض أخذ الأدوية الطبية، وأعود إلى البيت وأضع شيئاً من الملح على مكان السن المخلوع، وبعد وقت قليل أطلب تجهيز وجبة الأكل.

وينوّه في سياق حديثه إلى أنهم لايقتصرون على استخراج الملح من المنطقة المذكورة فقط، بل حتى الطين المستخدم في بناء الخباز الشعبي.

بحرينيون يتاجرون

بـ «الملح الطبيعي»

ويتطرق الحاج عبدالأمير إلى أسعار بيع كيس الملح الذي يزن 55 كيلوغراماً، إذ كان يباع في السابق بسعر 500 فلس أو دينار للكيس الواحد، إلا أن الأسعار تغيرت ووصلت الآن إلى 3 دنانير، وأحياناً 2.5 دينار.

ويوضح أن هناك الكثير من البحرينيين أصبحوا يتخذون من بيع الملح تجارة، إذ يقومون بشراء أكياس كبيرة، ويضعونها في أكياس صغيرة قد يصل وزنها إلى كيلوغرام واحد، وتباع بأسعار مختلفة.

ويؤكد أن هناك استخدامات أخرى للملح لم يتوصل إليها، مستشهداً ببعض زبائنه الذين يشترون الملح بكميات كبيرة، ويمتلكون آلات ضخمة، لا يدرك الغرض منها، إلا أنه يكتفي بتلبية طلباتهم.

ويقول إنه يتلقى طلبات من مناطق مختلفة، فضلاً عن بعض المصانع والمسالخ والحظائر، ومازال محتفظاً بعلاقاته مع زبائن من مختلف المناطق.

الحر... مرارة استخراج الملح الحلوة

وبسؤاله عن الصعوبات التي يواجهها في هذه المهنة، يقول: «الحر هو الصعوبة الوحيدة، ففي فصل الصيف لا يمكنني البقاء في المنطقة ساعات طويلة، ولذلك أحرص على بدء العمل مبكراً وأنتهي منه مبكراً، إلا أنني أشعر بالراحة والسعادة، لأنني أتعب وأشقى من أجل لقمة العيش، فالرزق لا يأتي إلا بعرق الجبين، واللقمة لا تحلو إلا إذا تعبت واجتهدت من أجلها، وكما يقال إن «أكل العيش مُر»، فإنني أعتبر استخراج الملح في الجو الحار شيئاً مُرّاً وحلواً في الوقت ذاته، فلابد للإنسان أن يشقى ويتعب من أجل رزقه، وأنا شخصياً عملت واجتهدت وشقيت، كما تعب وشقي والدي، فأنا ما زلت أجمع العلب المعدنية وأبيعها، ولا أخجل من هذا العمل، الذي هو في سبيل الحصول على الرزق الحلال».