فيما الشمس اللاهبة تلفح البشر في الخليج والجزيرة العربية خلال الصيف اللاهب حيث فصل هذا العام الأسوأ في تاريخ الأرصاد الجوية المسجلة، وقد بلغت الحرارة في الظل 50 درجة مئوية أحياناً، تكون ظفار، المحافظة الجنوبية لسلطنة عُمان، تشهد طقساً مختلفاً تماماً، حيث تهطل الأمطار الموسمية بغزارة طوال أشهر الصيف الثلاثة (يونيو/ حزيران، ويوليو/ تموز، وأغسطس/ آب)، وبسبب وجود جبال القمر وسمحان فإن السحب القادمة من المحيط الهندي تصطدم بهذه الجبال وتمطر بغزارة وخلافاً للصحاري، وما تم تصحيره في هوس العمران حيث تذرو الرياح الرمال والغبار، فإن النسيم العليل يهب بحنان ويُحيي النفوس.

كعادتي كل عام، أنتزع نفسي من زحمة الحياة وأيمم شطر ظفار مروراً بمسقط. وكان هذا العام، كما يقول السكان، الأغزر من حيث سقوط الأمطار واحتجاب الشمس وانخفاض درجة الحرارة التي تصل في الليل إلى 18 درجة مئوية في المناطق الجبلية ولا تتعدى 26 درجة مئوية في النهار على سواحل ظفار، جغرافية ظفار تتسلسل بالبحر ثم السواحل الرملية ثم الجربيب ثم السلسلة الجبلية ثم النجد ثم الصحراء.

وهذا التسلسل المتنوع يغني طبيعتها، كما يتنوع الغطاء الخضري من الأشجار المثمرة مثل جوز الهند وفي مزارع الساحل، فبساط الحشائش الأخضر، ثم الشجرات ثم الشجر الباسق، ثم الشجيرات الحراشية.

ومزارع صلالة مشهورة بأجود أنواع الفواكه، مثل جوز الهند، والفافاي، والمانجه، والموز، والموالح، والمحاصيل مثل الذرة. كما تمتاز ظفار بأشجار خاصة بها مثل شجرة اللبان المشهورة والحفول، والتين البري، والسقوط والطوق (شجرة أخشاب ممتازة) وغيرها.

وتتدفق الشلالات بالمياه الهادرة المتساقطة من الجبال وأشهرها شلالات دربات، كما تفوض الأودية وأشهرها عين إرزات. ويمكن لمن يعشق التاريخ أن يزور ميناء سمهرم التاريخي على خور روري لتصدير اللبان، المادة السحرية، في غابر الزمان، وكذلك ميناء البليد التاريخي في أطراف صلالة لتصدير اللبان أيضاً، كما يمكنه زيارة مرباط، المدينة والميناء الساحلي المشهورة بتربية الخيول العربية الأصيلة وقلاعها الشامخة. يمكن للزائر الاستمتاع بطقس جميل وطبيعة خلابة متنوعة وهواء عليل ومأكولات طبيعية، وخصوصاً البحرية منها.

ولقد طورت محافظة ظفار ما يعرف بمهرجان صلالة الذي يمتد طوال شهري (يوليو وأغسطس)، ويقام على ما يعرف بمعرض البلدية، على مساحة كبيرة في منطقة ايتين، ويشتمل على معارض وعروض، ووسائل تسلية عديدة.

فهناك عده مسارح متخصصة في تقديم التراث الفني لظفار، وتقديم تراث مختلف المحافظات والولايات، والتراث الصحراوي، والتراث البحري والحفلات الفنية، والمسرحيات، ومن أهم أحداث مهرجان صلالة مسابقة رقصة البرعة التي تتفرد بها ظفار، وقد خصصت مطاعم يتم فيها إعداد الوجبات الظفارية ومكوناتها وخصوصاً خبز المعجين، من قبل نساء ظفاريات، وكذلك خصصت عدة محلات للصناعات التقليدية التي تقوم بصنعها النساء أيضاً، مما يسهل استثمار الطاقات والابداعات المحلية وتوفير مصدر رزق للعديد من العائلات.

وهناك بالطبع عدة أجنحة ذات تخصصات متباينة مثل معارض التراث، والآثار، والصور التاريخية، ومعارض الرسم والتصوير، ومعارض لمختلف الوزارات مثل الدفاع والداخلية والزراعة والتعليم والنقل وغيرها وهناك معارض لمن يرغب من الشركات الوطنية.

أما الجديد فهو اتاحة المجال للشباب للداخل في مجال الأعمال لعرض مشاريعهم ومنتجاتهم مجاناً، أي بدون إيجار. ولا ننسى التغطية الإعلامية الشاملة في تنافس شريف ما بين «تلفزيون عُمان» الرسمي وقناة «مجان» الخاصة. والمؤسف هو غياب القنوات العربية عن التغطية. لكن الملاحظ هو المشاركة المتزايدة من قبل فنانين من اليمن والخليج سواء غناءً أم تمثيلاً.

واقترحت خلال مقابلتي مع تلفزيون «مجان» أن يقام مهرجان فني خليجي يمني متكامل خلال أيام مهرجان صلالة. كما أشير إلى أن معرضاً للكتاب يقام أيضاً تشارك فيه العديد من دور النشر العمانية والعربية وكذلك معرض وبيع السجاد الإيراني الفاخر، علماً بأن الدخول إلى ساحة المهرجان ومرافقه مجاناً، باستثناء ألعاب الأطفال، كما أعتقد.

فعلا لقد كانت أياما ممتعة، تجولنا فيها في مختلف ربوع ظفار على السواحل الرملية، وفي السهول الخضراء والجبال الشماء، وبعض المدن مثل صلالة ومرباط، واستمتعنا ببرامج المهرجان الشيقة، والأهم لقاء الأحبة العمانيين الذين غمرونا بمحبتهم وتحية للجيل الجديد من الأدباء والكتاب الذين استمتعت بلقائهم ومناقشة أعمالهم. ومن هذا المنطلق أدعوا المراكز والمؤسسات الفنية والثقافية الأهلية إلى تفعيل تبادل ثقافي مع مثيلاتها في عُمان، فعلاقات الشعوب هي الأساس وهي الأبقى.