بين حين وحين ينكزني سؤال عن العمل الفني/ لوحة... منحوتة... صورة فوتوغرافية مثلاً، بوصفه مخلوقاً ذا حضور دائم الحركة والتغير، يملك من المواصفات الجمالية المفتوحة على الآفاق ما يجعل المرء وبكل أريحية الحديث معه ومحاورته كل لحظة ومتى ما شاء، مفتوح على السؤال أو هو السؤال ذاته إن شئت الذي ينسل إليك كفتنة... يلج شرايين القلب، يفتحها عليه، يأخذك إلى أحضانه بمحبة كما الطفل يحن إلى الحضن بوصفه ماء الحياة.د
هذا الباهر الذي يغض الطرف عنه ما ذنبه؟ هذا الوادع الجميل أي فعل قبيح اقترفه حتى يعامل بهذه القسوة والتجاهل واللامبالاة وأحياناً كثيرة بالنكران، بل تصل القسوة في الإنسان تجاهه حد الإفناء وبدم بارد وكأنه مخلوق أجرب يتحتم التخلص منه وإلى الأبد ودون خط رجعة. الشواهد كثيرة وشاخصة على محوه من الوجود حيث تجري كل يوم...
قلت وما دليلك على ذلك؟
أجبت: أعلم ذلك جيداً من خلال المحيط الذي عايشته وما زلت أعيش. أعرف من خلال اطلاع ومتابعة ورؤية عين أدت وما زالت تؤدي إلى حرقة قلب كلما يرد الحديث عن العمل الفني بوصفه مخلوقاً جميلاً يمكن مجالسته واعتباره صديقاً حميماً
أعرف ذلك عبر ما سمعت ومما يصلني من شذرات مواقف مضحكة حد البكاء
ورغم ذلك يأتيني السؤال: تُرى ما سبب ذلك في ظنك؟
ما العوامل التي تؤدي إلى كل هذه القطيعة وكأن العمل الفني رجس على الناس اجتنابه...
هل من أسباب خافية يصعب معرفتها والوصول إليها؟ وهل في معرفة الأسباب يكمن العلاج؟ وهل من عقار يشفي مثل هذا المرض؟
وأيضا من هم المعنيون الذين تدعي معرفتهم أو أنك على دراية بما يفعلون أو حتى بما وكيف يفكرون تجاه العمل الفني؟ وما هي نظرتهم؟ وإلى أي الطبقات من المجتمع ينتمون؟
تعال يا هذا: من أين استقيت كل هذا؟
مثل هكذا أسئلة تحيرني دائماً وتقلقني بشكل مستمر، ربما تحمل في طياتها مجموعة قراءات حين الذهاب وبعميق الأسئلة لمعرفة الأسباب/ نعم أجدني مرتاباً وقلقاً حين
أدخل بيتاً ولا أجد عملاً فنياً... أو تطأ قدماي مؤسسة ثقافية/ مؤسسة تجارية عملاقة/ مصرفا/ شركة تأمين/ مشفى صحياً/ فندقاً... والقائمة تطول... لوحة أو منحوتة
ترى ما السبب؟ هل هو عامل نفسي كي لا أقول دينياً، في بعض الأحيان يدعو الإنسان لاتخاذ موقف (سلبي) من العمل الفني وبالتالي لا يحبذ وضعه في منزله مثلاً؟
هل المستويان المادي والتعليمي يلعبان دوراً في مسألة محبة وإدخال ووضع العمل الفني من عدمه؟ في البيت أوفي ... الخ
هل المستوى الثقافي و (السياسي) يقرب صاحبه من العمل الفني وبالتالي يدفعه أو يشفع له بوضعه في بيته أو مؤسسته أياً كان نوع النشاط الذي يمارسه ويديره فرضاً؟
من كل هذا والأسئلة آخذة في التوالي والهطول... كيف ينظر هؤلاء إلى العمل الفني؟
كيف يستقبلوه في حال مصادفتهم له؟ وهل يرونه فعلاً؟
ماذا يعني لهم؟ لئلا أقول هل يمثل العمل الفني شيئاً في حياتهم بحيث يقبل الفرد منهم على استقباله برحابة ومحبة ووضعه في بيته/ مكتبه/ مؤسسته، كما أسلفت، بغض النظر عن منتجه ومصدره، أكان هدية أو اقتناء أو لقيا.. لم لا؟
هل حضور العمل الفني في مجتمعاتنا يحتمل كل هذه الأسئلة التي تدور حوله وعنه؟
هل يستحق كل هذه الحماسة في الدفاع عنه... عن قيمته بهذه الشراسة من قبل عشاقه ومحبيه؟
هل من مبرر أو أسباب لكل هذه الاستماتة في محاولة إثبات أهميته في حياة الإنسان باعتباره كائناً فاعلاً؟
وعن أي أهمية يدور الكلام ويسيل المداد على الورق؟
لئلا أقول يسيل اللعاب كلما ورد ذكر اسم عمل فني.
يقول حسين المحروس: عندما قُتلت مذيعة قناة فرجينيا كريس هارست في أغسطس/ آب 2015م قالت والدتها بعد عام من الحادث: «نحن نعمل منذ رحيل كريس على حمل الفنون إلى أحياء المدينة»! كلّ هذه الأسئلة يا صديقي لأنّك تريد حمل الفنون إلى كلّ مكان في هذه البلاد، تريد أن يعمل الفنّ في النّاس فيرون أنفسهم ثمّ يمتلئون بالسلام. اللوحة والصورة ليستا مسئولتين عن هذه الأسئلة بتاتاً، أنتَ وحدك المسئول عنها وعن نفسك؟ ولئلا يسيل اللعاب ويسيل التأويل معه أنا أكتفي منهما بالوخز الذي يهب نظرتي لنفسي حيوية متجددة.
إقرأ أيضا لـ "عباس يوسف"العدد 5101 - الأربعاء 24 أغسطس 2016م الموافق 21 ذي القعدة 1437هـ
المثقفون الحقيقيون عندما يمسكون اليراع او الريشة فأنهم حتما يبدعون ويقدمون ما هو مختلف ومميز ، نأمل ان تُثرى الساحة دوما بالمخزون الفكري لمثقفينا الذين نفتخر بهم في بلدنا . شكرا للاستاذ الطيب والمبدع عباس
بارك الله فيك أبو فرات مقاله رائعه من فنان وكاتب ملهم انشاءالله دوم هذا النشاط المميز.