العدد 5101 - الأربعاء 24 أغسطس 2016م الموافق 21 ذي القعدة 1437هـ

«بروكلين أخرى» لوودسون... ذاكرة رديفة لسبعينات القرن الماضي

جاكلين وودسون
جاكلين وودسون

تأخذنا مراجعة تاياري جونز، التي نُشرت في صحيفة «نيويورك تايمز»، يوم الخميس (18 أغسطس/ آب 2016)، لرواية جاكلين وودسون الجديدة «بروكلين أخرى»، إلى فضاء بروكلين في أواخر ستينات وسبعينات القرن الماضي، وهي الفترة المضطربة في التاريخ الأميركي، قصة فتيات أربع تتقاطع حيواتهن في ظل امتداد عالم من الأهوال شهدها الداخل، وتلك التي امتدَّت إلى العالم الأوسع. لمحات من حرب فيتنام، الأطفال الذين يتضوَّرون جوعاً، جرائم الاغتيالات، مدمني الهيروين، الأجواء المعتمة، الإيماءة إلى زوايا الغرفة، وفاة عمها في إحدى المعارك، وصول أمها إلى حافة الجنون، وعودة الأب من الحرب بثماني أصابع فقط. إنها ذاكرة رديفة لسبعينات القرن الماضي.

تكتب جونز عن الرواية بأنها «كتاب ذاكرة» تتجسَّد في الرواية الجديدة والمؤرِّقة. وودسون التي حازت على أربع جوائز، كتبت أول رواية للكبار وهي في سن العشرين، عادت إلى بروكلين لتضع روايتها «السيرة الذاتية لصور العائلة» التي صدرت في العام 1995، لتتحصَّل مؤخراً على إحدى الجوائز عن فئة «السيرة الذاتية» عن روايتها «أحلام فتاة سمراء»، تلك التي تشارك فيها الجميع مشاعرها كفتاة من أصل إفريقي تعيش في أميركا ستينيات القرن الماضي، مع تولُّد وعي متنامٍ بحركات الحقوق المدنية؛ حيث تمزج فيها وودسون نثرها السلس، بقصائد مليئة بعاطفة طفلة تبحث عن مكان لها في هذا العالم كي تنتمي إليه.

هذه الأعمال تُشكِّل ثلاثية روائية تتعامل مع سنوات التكوين، ومناهل التربية، وتجري في مسقط رأس المؤلفة؛ حيث تتتبَّع جيلها وهو في طور البلوغ. إلا أنها في «بروكلين أخرى» لا يتماس موضوعها مع تفاصيل الصبوة ولهوها، كما هو الحال مع نصف حياة مُؤرَّقة في ذاكراتها.

«أوغست»، عالمة أنثروبولوجيا، تعود إلى موطنها لحضور جنازة والدها. يتركَّز اشتغالها العلمي حول طقوس الدفن في جميع أنحاء العالم، محاولة كشف غموض تلك الطقوس وألم الفقد. مواضيع الحداد من خلال هذه القصة لها أمداء رثائية. تبدأ قصة بروكلين التي تنتمي لها أوغست قبل 20 عاماً، وتحديداً في العام 1973، حين تنتقل إلى البلدة في أعقاب وفاة والدتها.

أحد عشر عاماً عميقة في حفرها، وفي تنصّل يرتبط بمصير والدتها، وجدت أوغست ارتياحاً وقبولاً مع زمرة من الفتيات ممن جُرحِن الواحدة تلو الأخرى في سلسلة من حياة مُعقدة. «سيلفيا، أنجيلا، جيجي، أوغست. كنا أربع فتيات معاً، رائعات الجمال وفي وحدة مخيفة».

تظهر مفردة «جميلة»، في النص مرات عديدة، لوصف والد أوغست، مدمني المخدرات، والأمهات التائهات، الغرباء الطائشين، ومن بينهم إحدى الفتيات. هذا الإصرار في تكرار المفردة مُتعمَّد، لتبيان أنه على رغم مفسدة سبعينات القرن الماضي، ولهو الأطفال بالحقن التي يغرزونها تحت الجلد الذي تتبدَّى زرقته، والتهديد الذي تمثله خدمات حماية الطفل، والوعيد من الحمل الذي لا ينقطع، والاعتداء الجنسي، إلا أن جمالاً كان هناك... جمالاً مدهشاً، وسط كل تلك الصور والتفاصيل الكئيبة. يصبح تكرار المفردة تحدياً، وبمثابة تعويذة شعرية.

مثَّلت أواخر ستينات وسبعينات القرن الماضي، الفترة المضطربة في التاريخ الأميركي، وتقاطع حياة الفتيات مع اتساع نطاق مجموعة من الأهوال الوطنية والدولية. أطفال بيافرا الذين يتضوَّرون جوعاً، وجرائم الاغتيالات، التعتيم الكبير الذي حدث في العام 1977، كل ذلك يتم ضمن نسق مضاد... قبالة فتيات هن في مُقتبل العمر. حرب فيتنام وتداعياتها المحلية وتأثيراتها الكبيرة. وفاة عمها كلايد في إحدى المعارك؛ ما دفع أمها إلى حافة الجنون. الأطباء البيطريون السابقون، مدمنو الهيروين، الإيماءة إلى زوايا الغرفة. أوغست المستقيمة في ظل تلك الأجواء المُعتمة والمضطربة، وعودة الأب من الحرب بثماني أصابع فقط، كل ذلك تذكير بأنه حتى لو عاد الرجل إلى وطنه وهو على قيد الحياة ومدرك لما حوله، فإنه لا يعود مثلما غادر.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً