العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

رابعاً: آراء سكوت و روشستر

مدار كتابهما مهام الإدارة ووظائفها والمهارات اللازمة لها وكيفية تطوير تلك المهارات. ولقد خصص المؤلفان الفصل الثاني من الكتاب لبحث ماهية الإدارة وانطلقا في ذلك لا من تناول ما تكونه الإدارة وإنما من خلال بيان ما لا تكونه. وكان عنوان الفصل «ما لا تكونه الإدارة».

ولقد استهلا بحثهما حول ماهية الإدارة بالإشارة إلى أن إحدى الطرق لمحاولة توضيح ما المقصود بلفظة «مديرين» هي في تكوين تعريف لوظيفتهم، منبهين إلى أن التعريف الذي ينص على أن «المديرين يجعلون الأشياء تتحقق من خلال أناس آخرين» إنما هو عبارة يوحي مؤداها بأن المديرين هم الناس الذين يجعلون الأشياء تحدث في منظماتهم، لا مجرد كائنات أرفع منزلة تقوم من علٍ بتأدية أنشطة غامضة. كما يوحي مفادها أيضاً بأن المديرين عليهم أن يعتمدوا على جهود أناس آخرين معروفين تقليدياً بـ «المرؤوسين»، تكون مهمتهم القيام فعلياً بعمل الأشياء التي يكون الرؤساء مسئولين عن إنجازها، ومن ثم فإن المديرين هم قادة من نوع محدد، وإن لم يكن جميع القادة مديرين. وينتقد المؤلفان هذا التعريف ويعتبرانه أوسع مما يجب ويتساءلان عما إذا كان كل من يجعل الأشياء تنجز عن طريق الآخرين يمكن تسميته مديراً.

وينتقل المؤلفان من ذلك إلى انتهاج طريقة مختلفة يعقدان من خلالها مقارنة بين ما يفعله المدير من جهة وما يقوم به كل من رجل الأعمال والإداري (Administrator) والمحاسب والأخصائي وممثل النقابات العمالية في المصنع أو المؤسسة والسياسي والعسكري من جهة أخرى وذلك على التوالي، موضحين كيف أن دور رجل الأعمال يتلخص في جعل الأشياء تنجز على أساس مربح من خلال المعاملات التجارية، ودور الإداري هو في تشغيل النظم (Systems) بحيث يأتي تسيير الأشياء بسلاسة، ودور المحاسب يتلخص في اكتشاف النتائج المالية للأشياء التي يتم إنجازها، ودور الأخصائي هو في عمل الأشياء بنفسه، ودور ممثل النقابات العمالية هو حماية مصالح من يمثلهم من الأعضاء العاملين معه، ودور السياسي هو في وضع الأنظمة (Regulations) التي تمنع الناس من عمل الأشياء ضد المصلحة العامة، ودور المسئول العسكري هو في إنجاز الأشياء لغايات عسكرية بواسطة أناس آخرين. غير أن المؤلفين يستدركان ويقرران بأن ذلك لا يعني أنه ليس بإمكان هذه الفئات من الناس في أي إدارة أن يتصرفوا كمديرين، فبعض رجال الأعمال تكون لهم قبضتهم في شئون إدارة المنظمات التي يمتلكونها فيجعلونها حسنة التنظيم، ويفوضون إلى موظفيهم، ويحافظون على ارتفاع معنوياتهم، ويسيّرون المؤسسة بعين على الاقتصاد - ويظهرون جميع العلامات التي يتسم بها المدير في عمله... وكثيراً ما تبدو سجلات أرباح ونمو مصانعهم في صحة جيدة. وذات الشيء ينطبق على الفئات الأخرى من غير «المديرين» من إداريين ومحاسبين واخصائيين إلخ... وجميعهم بإمكانهم أن يتعلموا الجمع ما بين مهاراتهم الخاصة وبين القدرات الإدارية (Managerial) إذا ما شملت أشغالهم (Jobs) مسئوليات الإدارة إلى جانب وظائفهم (Functions) الأخرى. وإن حقيقة كون معظمهم لا يعملون ذلك لا يعني أنه من غير الممكن عملها.

وبعد عقد تلك المقارنات ينتهي سكوت و روشستر إلى تقرير:

1) إن المديرين يعملون في منظمات اقتصادية الأساس - وأن ذلك أمر أساسي في أعمالهم، ولا يكون المديرون إلا في وجود مثل هذه المنظمات.

2) إن منظماتهم إنما تقوم لعمل أشياء في المجتمع: أشياء لزبائنهم، ولموظفيهم، ولمساهميهم أو لدافعي الرسوم (كيفما كان واقع الحال) وللمجتمع نفسه - أي الجمهور، وأن عمل المدير هو مساعدة منظمته لتتعامل بإنصاف مع جميع هذه الفئات ذات المصالح من دون تبذير في العملية لذلك المورد الضروري... المال.

3) إن وظيفة المدير قد تكون في بعض الأحيان معقدة جداً. إن لها أساساً بالإمكان تعريفه ببساطة: المدير يجعل الأشياء تنجز اقتصادياً من خلال أناس آخرين (16).

وجلي من هذا التعريف التأكيد على أهمية «الاقتصادية» كسمة مطلوب من الإدارة تحقيقها ولا تكون الإدارة إلا بها، ولا يكون إنجاز العمل مكتملاً ومحققاً أهدافه بدونها.

ومما هو جدير بالتأمل ما فصّلاه من أمور تتعلق بالفروق ما بين عمل المدير ودوره وعمل الإداري ودوره. ويمكن بيان ذلك في عدد من النقاط:

-1 قد لا يكون مهماً للآخرين أن يعرفوا الفرق ما بين المدير والإداري. إلا أن المدير يجب أن يعرف الفرق حيث إن أمره حاسم وعليه المعوّل، إذ إنه يتعلق بشيء يقع في مركز دوره، بينما أمره بالنسبة للإداري هو عرضي بل ومبعث إزعاج له - الحقيقة البسيطة في كون المدير لديه مرؤوسون يلزم قيادتهم. وربما حاول الإداريون المجادلة في ذلك، إلا أن الدليل يكمن في الطريقة التي يتصرفون بها في المنظمات، لا فيما يقولونه أو يحبون أن يعتقدوه بشأن سلوكهم. إن معظم الناس الذين تناط بهم المسئولية عن الآخرين ولكنهم يتعاملون مع وظائفهم كوظائف إدارة (Administration) محضة يقدمون أداءات إدارية (Management performances) مفزعة إلى حد ما.

-2 إن الشيء الذي يهم الإداري بدرجة كبيرة هو الكفاية (Efficiency) المتقنة الترتيب السلسة الإجراء التي بها تسير النظم والإجراءات. لذا فإنه من الطبيعي لوظيفته توفير المساعدة للسياسي، والاثنان يبدوان متفقين على أن كل ما تحتاجه لتسيير أي شيء هو نظم ملائمة تقوم على سياسات صحيحة.

-3 إن عالم الإداري هو من النظم الشمولية (All-embrasing) التي تعتمد لا على الناس وإنما على العمل الورقي جيد التنظيم فكأنما وظيفته هي تسيير الأمور على نحو مرتب متقن من خلال النظم. والمشكلة أن الناس لا يتصرفون عادة في طرائق منتظمة متقنة، وهذا يقلق الإداري حيث إنه يهمه انتظام الأمور، ولذا فهو يلجأ إلى استحداث المزيد والمزيد من العمل الورقي من أجل تحديد الطرائق الصحيحة للتعامل مع جميع الاستثناءات التي قد تنشأ، والمقصود من ذلك الناس الذين لا يلائمون النمط الموضوع.

-4 وكثيراً ما ينشغل بال الإداري بالأمور الصغيرة والتافهة ويفقد البصيرة بسبب وجود تلك النظم، ويتزايد تعقيد النظم بمرور السنين إلى الحد الذي تصبح معه مكلفة في تسييرها وصيانتها. ولا يقتصر الحال على ذلك، بل إن الموظفين الذين يشغلونها كثيراً ما تؤول بهم الحال إلى أن يصبحوا عاجزين عن إدراك صورة واضحة عن السبب في تجمعهم في التنظيم الذي يعملون فيه، وعندما يعجز الناس عن ذلك فإنه لا يعود بوسعهم أن يصنعوا أية قرارات ذكية بشأن كيفية تطبيق أو عدم تطبيق النظم، ومن ثم يلجأون إلى التطبيق الروتيني للقواعد والإجراءات. وبذا يصبح استخدامهم كما لو كانوا آلات لا بشراً أحياء قابلين للتكيف.

-5 والمدير بدوره يحتاج إلى النظم المتصفة بالكفاية - بمعنى كونها طرائق واضحة تماماً واقتصادية لمعالجة الأمور التي تتلاءم مع استخدام الإجراءات الروتينية. غير أن تلك الإجراءات ليست هناك للحفاظ على بقاء الأمور مرتبة، وإنما غرضها هو أن تسمح للمدير وأناسه أن يركزوا اهتمامهم على الأحداث غير الروتينية والأنشطة التي عليهم أن يتعاملوا معها. والمدير الحقيقي يطبق بانتظام على النظم التي يقوم بتشغيلها نفس فحوصات الاقتصاد وعدم التبذير التي يطبقها على أي شيء آخر مما يقع تحت مسئوليته. وصبر المدير قليل مع القواعد والإجراءات التي توجب عليه أو على أناسه دفع ما ثمنه من الوقت يفوق قيمة مردوده من الناتج.

-6 إن الإداريين كثيراً ما يتحدثون عن فعالية التكاليف. إلا أن ذلك هو واحد من الصور العديدة التي كثيراً ما يفوتهم إدراكها. والقضية المحورية هي أن المدير (على عكس الإداري) يذهب إلى ما هو أبعد من الكفاية، إذ إن فعالية العملية التي يقوم بها هي غايته.

-7 ولكي يشغّل المدير عمليته بفعالية فإنه يجعل أناسه يساعدونه في التسيير. وإن انهماكهم وإحساسهم بما هو مطلوب هما أمران ضروريان إذا ما كان لهم أن يقوموا بدورهم في الإسهام في غرضها، ومن ثم فإن المدير يقود بواسطة تأكيد أن كل واحد من مرؤوسيه يكون واعياً للأهداف وكفؤاً لأداء دوره، وهو (أي المدير) لا يحاول أن يزمَّ أنشطتهم في حواصر إجرائية. وتنحو النظم التي يستخدمها إلى أن تكون بسيطة إلى حد ما. (وهي أبسط من تلك التي يبتكرها الإداري)، وهي ليست مصممة لكي تحاول وتفي بما تتطلبه كل احتمالية. وإنما بدلاً من ذلك يعطي المدير أناسه مجالاً ليستخدموا حصافتهم واجتهادهم في التعامل مع الاستثناءات للقاعدة، وبعبارة أخرى هو يفوِّض. وهو في كل هذا يكون معنياً كلية بالأداء الراهن لجماعته، بل إنه يسعى لتطوير قدراتهم للمستقبل عن طريق إعطائهم خبرة حمل المسئولية والتعلم بالخبرة وإتاحة الفرص لهم لولوج المصاعب وارتكاب الخطأ مرة أو مرتين. وهو على استعداد لتقبل الأخطاء كنكسات صغيرة إن كان من شأن ذلك أن يساعد على جعل أناسه أكثر فعالية في المستقبل.

-8 أما عند الإداري فإن الصعوبات والأخطاء مشوشة - وهي تقلق التسيير السلس لعملياته وتسبب إزعاجه، غير أنه لديه طريقة سهلة للتقليل منها وهي ألا يفوض المسئولية بل يقتصر على إعطاء أناسه مهمات للإنجاز، ولا شيء من هذا يهمّ في المنظمات التي فيها الإداريون يسيّرون من قبل مديرين. إنما المنظمة التي يسيطر عليها الإداري هي التي تتسم بالفوضى وتختلط فيها الأمور - إذا ما أمكنك أن ترى الإداري بفعل أي شيء باتّ أو قاطع كالهيمنة على المنظمة. ولعله لا مجال للاعتراض على القول بأنه في بعض المنظمات يكتسب الإداري سيطرة تتعاظم على نحو موصول، وبوسعك أن تعرف منظمته بملاحظة الطريقة التي يواجه بها معظم موظفيها وظائفهم، حيث يتوالى ما يعملونه في طريقة جامدة تسوقها الإجراءات.

-9 وواقع الحال أن النظم لا يمكنها أن تسيّر كل شيء. ولذا فإن كثيراً من المسئوليات تلقى بمحض الصدفة على كاهل أناس في المستويات الأدنى. وإذا كان هناك مدير في مستوى أدنى لديه مرؤوس يصعب التعامل معه فإنه لا مناص أمامه من أن يقنع بأفضل ما يمكن أن يؤديه ذلك الموظف. وهو لن يلقى أي عون من رئيسه الإداري. وإذا ما ارتكب موظف غلطة باهظة فمعنى ذلك أنه لم يستخدم النظام (System) على الوجه الصحيح. وليست هي غلطة الإداري أن موظفه الصغير قد أتيحت له «الفرصة» لارتكاب تلك الغلطة.

-10 وليست الإدارة بمفهوم (Management) ضعيفة في المنظمات المدارة (Administered) بإداريين. إن المنظمات نفسها تصبح ضعيفة مع النمو إلى ما هو فوق الحجم اللازم فعلياً لأداء جميع وظائفها. والإداري يشجع هذا النمو لأنه يعزز مركزه. فكلما ازداد عدد الناس العاملين تحت رئاسته، كلما كبر مركزه وعلت درجته. ومن ثم فإن طريقته في حساب عدد الموظفين الذين يلزم أن يكونوا لديه ليست هي طريقة المدير المتمثلة في تقدير حجم العمل المطلوب إنجازه، ثم حساب عدد الأشخاص اللازمين لعمله. وهو إنما ينظر إلى المنظمات المدارة الأخرى المماثلة، ويستخدم عدد موظفيها كأساس لمتطلباته، وحيث إن تلك المنظمات هي نفسها يديرها أناس يعملون ذات الشيء فإنك لست في حاجة إلى درجة علمية في الاحصاء لسبر غور العواقب والنتائج المترتبة على ذلك.

-11 ومع ذلك فإن المنظمات تحتاج إلى قدرات الإداري في إقامة وتسيير النظم. والمديرون كثيراً ما يفتقرون إلى الصبر وطول الأناة لعمل ذلك جيداً، ويفضلون أن يفوضوا إلى إدار يجيد يكفيه لأداء مهمته حمله لتعليمات موجزة وواضحة بشأن ما هو مطلوب. وإنما تكمن المشكلة في الإداري الذي يشغل وظيفة الإدارة بمفهوم (Management)، فالحل الوحيد لديه عند ذاك هو أن يتعلم كيف يشتغل كمدير في معالجة مسئوليات الإدارة (بذلك المفهوم) (17).

جليّة من هذه النقاط الإحدى عشرة الفروق التي يراها سكوت و روشستر بين عمل المدير ودوره وبين عمل الإداري ودوره، وواضح من فحواها كذلك التباين والاختلاف ما بين مفهوم الإدارة بمعنى (Management) ومفهومها بمعنى (Administration) كما تتبين للمؤلفين.

ولقد خصص المؤلفان فصلاً آخر من كتابهما لتناول مهارات الإدارة هو الفصل العاشر. والواقع أن ما استعرضاه في هذا الخصوص جدير بالملاحظة ويمكن إيجاز أهم ما شمله استعراضهما في التالي:

إن مهارات الإدارة تتلخص في القدرات على أداء مهام التخطيط والتنظيم والقيادة والمراقبة والتطوير وإن المهارات الأخرى إنما تأتي كمجالات فرعية لهذه المهام وذلك على النحو التالي:

التخطيط (بمعنى التفكير مقدماً): ويشمل وضع الأهداف، وجدولة المهام، وتقدير الوقت، وفهم مجال ما يراد إنجازه.

التنظيم (بمعنى تنظيم الموارد): ويشمل تعريف وتحديد الوظائف، وتقسيم وتوزيع العمل، وبناء علاقات الوظائف، وتصميم أنظمة العمل.

القيادة (بمعنى الحفاظ على المعنويات): وتشمل فهم الناس، وفهم كيفية التأثير في تحفيزهم، وبناء الفريق، الاتصال - قراءة الإشارات.

المراقبة (بمعنى معرفة ما يجري): وتشمل وضع الضوابط، والإشراف، ومعرفة ما يجري.

التطوير (بمعنى إجراء التحسينات): ويشمل إيجاد الفرص للتعلم، وتحديد مستويات الأداء، والتعرف على ما يمكن تعلمه، وتقدير قابلية الناس للتحسن.

وأن الأداء الإداري للمدير هو حصيلة قدراته كمخطط ومنظم وقائد ومراقب (راصد) ومطور للعاملين معه، وأنه ليس هناك من سياق معين في هذه المهارات، وأن المدير يستعمل هذه المهارات جملة، ولكن إن أراد المرء أن يحسن من كفاءته كمدير فبوسعه أن يحدد أية مهارة معينة يحتاج إلى تطويرها لديه ليعمل على تحقيق تنميتها منفصلة.

والملاحظ أن سكوت و روشستر قد اعتبرا مهام الإدارة بمثابة «مهارات» أساسية فعالة في الإدارة فالتخطيط هو «مهارة التفكير مسبقاً قبل تقرير الفعل»، والتنظيم هو «مهارة تنظيم الموارد لعمل الأشياء على نحو أكثر اقتصادية»، والقيادة هي «مهارة إنجاز الأشياء من قبل الآخرين عن رغبة وبروح جيدة»، والمراقبة هي «مهارة إدراك ما إذا كان هنالك مشكلة عليك أن تواجهها»، والتطوير هو «مهارة إدارة الطريقة التي بها يطوّر الناس قدراتهم من خلال الخبرة». وميّزا تلك المهام كقدرات تشمل مهارات فرعية تحقق الغاية من تلك القدرات على أساس أن الغاية هي الوسيلة تتحقق. وهكذا جاء استعمالهما لعبارتي «مهام الإدارة» و«مهارات الإدارة» كما لو كانتا مترادفتين. ولعله كان يفضل لو جاء التمييز بين «المهام» و«المهارات» على نحو أكثر وضوحاً للدارس فمن شأن ذلك أن يمنع أي اشتباه محتمل. وإن كان ما ورد في هذا الشأن في الكتاب لا يخفى على القارئ المتمعن.

خامساً: آراء ماسي

ما يهمنا هنا بوجه خاص هو بعض ما أورده ماسي من آراء لدى تناوله معنى الإدارة في الفصل الأول من كتابه، وبيان ذلك في التالي:

ينطلق ماسي لدى مشروعه في تحديد معنى الإدارة بتأكيد نقطتين هما:

-1 إن الخاصية الرئيسية للإدارة هي التكامل والتطبيق للمعرفة والطرائق (أو المداخل) التحليلية المستمدة والمطورة من عدة فروع من المعرفة. ومشكلة المدير هي البحث عن توازن ما بين هذه الطرائق الخاصة وتطبيق مفاهيم ملائمة في وضعيات محددة تحتاج إلى القيام بعمل أو فعل. وعلى المدير أن يكون توجهه نحو حل المشكلات بطرائق وتقنيات توائم الوضعيات القائمة، وإن كان لزاماً عليه في الوقت ذاته أن ينمي لديه إطاراً فكرياً موحداً يضم جميع الجوانب كاملة ومتكاملة للمنظمة ككل.

-2 وعليه فإن الإدارة في استخدامها العام تحدد مجموعة خاصة من الناس عملهم معني بتوجيه جهود وفعاليات أناس آخرين لتحقيق أهداف عامة. وبعبارة بسيطة فإن الإدارة هي «عمل الأشياء بواسطة الآخرين» (18).

ثم يوضح نقطتين أخريين أولاهما أنه لمقاصد كتابه فإن الإدارة تعرَّف بأنها العملية التي بواسطتها تقوم جماعة متعاونة بتوجيه الأعمال نحو أهداف عامة، وأن العملية تشتمل على طرائق وتقنيات بواسطتها تقوم مجموعة من الناس متميزة (المديرون) بتنسيق فعاليات (أو أنشطة) أناس آخرين، ونادراً ما يقوم المديرون بأداء الفعاليات بأنفسهم. وهذه العملية تتكون من وظائف أساسية محددة تيسر طريقاً تحليلياً لدراسة الإدارة. أما النقطة الثانية فهي أن مفهوم الإدارة قد توسع في مجاله بإدخال منظورات جديدة من ميادين وحقول دراسية مختلفة، وأن دراسة الإدارة قد تطورت إلى أكثر من مجرد وسائل لتحقيق غايات، فهي قد أصبحت اليوم تشمل مسائل خلقية Moral وأخلاقية Ethical بخصوص اختيار الغايات الصحيحة التي على المديرين أن يسعوا إليها (19).

ويرى ماسي أن وظائف الإدارة هي سبع: اتخاذ القرارات - التنظيم - التوظيف - التخطيط - المراقبة - الاتصال - التوجيه (أو القيادة)، وإن كان قد حرص على أن يشير في ختام سرده لها بأن جميع تلك الوظائف هي شديدة الترابط في ما بينها، وإنما يأتي تناولها آحاداً كعمليات أو وظائف مختلفة لأن ذلك من شأنه أن ييسر بيان تفصيلات المفاهيم المهمة لعمل المدير ككل، ولقد نبه ماسي في الوقت ذاته إلى أنه يكون من المرغوب فيه أحياناً اعتبار عدة وظائف معاً من أجل بيان ترابطها الشديد. وضرب مثلاً على ذلك بعلاقة الاتصال بالمراقبة في تخطيط النظم Systems، وبعلاقة التنظيم والاتصال والتوظيف ببعضها البعض لدى دراسة السلوك التنظيمي.

سادساً: آراء سرتو

يهمنا هنا بوجه خاص ما أورده سرتو في شأن معنى الإدارة وما قرره في خصوص دورها، وبيان ذلك كما يلي:

يستهل المؤلف كتابه بتنبيه دارسي الإدارة بأن عليهم أن يدركوا بأن كلمة «الإدارة» بوسعها أن تكون، وكثيراً ما يأتي استعمالها، في عدة أوجه، ويوضح بأن «الإدارة» يمكن أن تتعلق بمجرد العملية التي يتبعها المديرون لتحقيق أهداف تنظيمية. ويمكن أيضاً أن تستخدم لتشير إلى بنية من المعرفة، وأنه في هذا السياق تكون هي بمثابة كيان تراكمي من المعلومات توفر تبصراً بشأن كيفية الإدارة، وأنه يمكن للإدارة أيضاً أن تكون الاصطلاح المستخدم لتحديد الأفراد الذين تناط بهم مهام إرشاد وتوجيه التنظيمات، أو تسمية مسيرة عمل مختصة لمهمة إرشاد وتوجيه التنظيمات وأن من شأن تفهم مختلف الاستعمالات المتباينة للإدارة والتعاريف المتعلقة بها إزالة أخطاء التواصل خلال ما يجري من مناقشات تتعلق بالإدارة.

وبعد ذلك ينطلق إلى بيان أن المعنى الغالب الذي يحمله اصطلاح «الإدارة» في كتابه هو أن الإدارة هي «عملية التوصل إلى تحقيق أهداف المنظمة بواسطة العمل مع الناس ومن خلالهم وبالموارد التنظيمية الأخرى»، موضحاً بأن مقارنة هذا التعريف بالتعاريف التي يقدمها عدد من مفكري الإدارة المعاصرين تظهر أن هنالك بعض الاتفاق بأن الإدارة تتسم بالخصائص الرئيسية التالية:

1- انها عملية أو سلسلة من الأنشطة المستمرة والمترابطة؛

2- انها تشتمل وتركز على التوصل إلى أهداف المنظمة؛

3- انها تصل إلى هذه الأهداف بواسطة الناس ومن خلالهم.

ثم يسرد خمسة من التعاريف ال معاصرة في الإدارة في صورة جدول بيانه التالي:

الإدارة:

-1 هي العملية التي بواسطتها توجه مجموعة تعاونية أعمال آخرين نحو أهداف مشتركة. (ماسي ودوغلاس).

-2 هي عملية الاشتغال مع آخرين ومن خلالهم لتتحقق بفعالية أهداف المنظمة بواسطة الاستخدام بكفاية للموارد المحدودة في بيئة (أو وسط) متغيرة. (كرايتنر).

-3 هي التنسيق لجميع الموارد من خلال عمليات التخطيط والتنظيم، والتوجيه والمراقبة من أجل الوصول إلى الأهداف المقررة (سيسك).

-4 تأسيس بيئة مؤثرة (فعالة) للناس العاملين في مجموعات تنظيمية رسمية. (كونتز وأودونيل).

-5 تستتبع فعاليات (أنشطة) يتولاها واحد أو أكثر من الأشخاص من أجل تنسيق أنشطة آخرين بقصد السعي إلى تحقيق غايات لا يمكن أن يحققها شخص بمفرده. (دونللي، جيبسن وإيفاسيفش) (20).

هذا في شأن معنى الإدارة، وأما بخصوص دور الإدارة فإن سرتو يؤكد على أنه من حيث الأساس يكون دور المديرين هو توجيه المنظمات نحو تحقيق أهدافها. فالمنظمات تقوم من أجل غرض أو هدف، ويحمل المديرون مسئولية ضم واستخدام الموارد التنظيمية لتوكيد تحقيق المنظمات لأهدافها. وتحرك الإدارة المنظمات نحو أهداف وغايات من خلال تحديد الأنشطة التي على أعضاء المنظمة أداؤها. ويذكر أنه عندما تكون الأنشطة قد صممت بفعالية، فإن إنتاج كل فرد في المنظمة يمثل إسهاماً نحو تحقيق أهدافها، ومن ثم فإنه على الإدارة أن تبذل قصارى جهدها لتشجيع النشاط على المستوى الفردي الذي يؤدي إلى الوصول إلى أهداف المنظمة، وتثبيط النشاط الفردي الذي يعيق تحقيق أهدافها. ويستشهد بمقولة روبرت البانيز R Albanese في كتابه «الإدارة» إذ يقول «ليس هناك من فكرة أكثر أهمية للتسيير الإداري من الأهداف، وليس للإدارة أي معنى من دون أهدافها»، ويضيف إلى ذلك منبهاً بأنه على الإدارة أن تتذكر أهدافها في جميع الأوقات (21).

ذلك ما أورده مؤلفو الكتب الستة لدى تناولهم معنى الإدارة وحقيقتها ووظائف المديرين ومهامهم. والواقع أن النقاط المعروضة جاء بيانها على نحو يجعلها في غير حاجة إلى المزيد من الشرح أو التوضيح للوفاء بالغاية من استعراضها. ومع ذلك يكون من المناسب تسجيل عدد من الملاحظات التي تربط بين ما تعكسه مضامين ما أورده هؤلاء المؤلفون من آراء، مع الإشارة إلى ما يكون قد قرره كتاب معاصرون آخرون في شأن تلك القضايا حسب مقتضى الحال. وهذه الملاحظات هي:

أولاً: إن كتّاب الإدارة وباحثيها في الغرب كانوا وما يزالون غير متفقين على تعريف محدد للإدارة بمفهوم Management يكون جامعاً مانعاً. ولقد كانت إشكالية التعريف قائمة طوال العقود الماضية. لذا لم يكن عجيباً أن نجد أحد كتاب الإدارة (وليام كوفنتري W. Coventry) يمهد لتناول الموضوع في كتابه «تبسيط الإدارة» (المنشور عام 1970) بتقرير «إن الإدارة لها من التعاريف قدر ما هناك من المديرين» (22). ولقد يكون في مثل هذا الرأي شيء من المبالغة، إلا أن ما تحمله عبارته من دلالة على تعدد التعاريف وتباينها أمره صحيح وواضح فيما تم استعراضه من آراء وأفكار الكتاب والباحثين. ثم نجد كاتباً آخر (روب ديكسن R. Dixon) يأتي بعده بعقدين مستهلاً التمهيد الذي أعده لكتابه «الإدارة نظرية وممارسة» (المنشور عام 1991) ليقرر في ذات الموضوع بأنه «ليس هناك من تعريف مقبول عموماً للإدارة» (23) وإن كان ينتهي - بعد إشارته إلى توجه عدد من كتاب الإدارة ومفكريها إلى تحليل ما يفعله المدير من الناحية العملية بدلاً من التركيز على ماهيتها - إلى أن المدير Manager عليه أن يخطط، ويتخذ القرارات، ويحفز، ويقود، وينظم، ويتواصل، وينسق، ويراقب، مؤكداً بأن كل ذلك يشكل في جملته عمل المدير. وجلي أن التوجه المعاصر كما تم استعراضه أعلاه يقبل بأن العمل الإداري يشتمل على ذلك، ولكنه أكبر من ذلك وأكثر.

ثانياً: إن كتاب الإدارة وباحثيها كانوا ومايزالون غير متفقين على تعريف محدد لما يقصدونه بالاصطلاح Administration وما إذا كان مرادفاً للاصطلاح Management، وإن الذين يقبلون بفكرة الترادف بين الاصطلاحيين هم أنفسهم غير متفقين فيما إذا كان الترادف هو كلي أم جزئي، وماذا يغطيه كل منهما من الآخر أو يعنيه، وأيهما أوسع في معناه وفي مبناه، وأيهما الأكثر شمولاً للوظائف والمهام والأنشطة والمهارات التي يتضمنها مفهوم «الإدارة» كعملية (أو طريقة). وهنا أيضاً ينطبق في شأن هذا الاصطلاح عين ما ورد في شأن اصطلاح «الإدارة» بمفهوم Management.

ثالثاً: إن كتاب الإدارة وباحثيها ما يزالون غير متفقين على معانٍ محددة لما يقصد بكل من الاصطلاحات التالية: Managing، Administrating، Directing وليس هذا بالأمر المستغرب إذ إنه في حقيقته انعكاس للتباين المنوه به في الملاحظتين الأولى والثانية. ومن ثم شمل التباين مدلولات كل من الاصطلاحات التالية: Manager، Director، Administrator لارتباط كل منها بالأصل الذي اشتقت منه، وانعكاس ما هو محدد من معنى للأصل في أذهان كتاب الإدارة ومنظريها وكذلك ممارسيها على معنى اللفظة المتفرعة عنه أو المشتقة منه.

رابعاً: إن مساعي أساتذة الإدارة وكتابها لم تنقطع طوال العقود الماضية من أجل إلقاء المزيد من الضوء على ماهية الإدارة في كل من الاصطلاحين أو المفهومين. والأمر الوحيد الذي يكاد يجمع عليه غالبيتهم هو أن الإدارة هي «تحقيق إنجاز الأعمال والمهام في المنظمات بواسطة الآخرين وعن طريقهم بقصد تحقيق أهداف تنظيمية محددة». وجلي مما تم استعراضه من آراء وأفكار كتاب الإدارة ومفكريها أن هذا التعريف، رغم قيمته وفائدته، لا يغطي كل ما تعنيه الإدارة بوظائفها ومهامها وفعالياتها وأنشطتها في مختلف المجالات والميادين. وتكمن حقيقة المشكلة من جهة في كون كل كاتب أو مؤلف يتصدى لتناول الموضوع يلقي الضوء عليه من زاوية محددة ومنظور معين، ونظراً لتعدد الزوايا الممكنة والمنظورات القائمة وتعدد المنظرين تنوعت منطلقات أولئك الكتاب والمؤلفين والأطر الفكرية التي يحملونها والمدارس الإدارية التي يتبعونها، وتعود حقيقة المشكلة من جهة ثانية إلى تعدد الأدوار التي يقوم بها المدير والإداري، وإلى تنوع الوضعيات التي يتم فيها العمل الإداري، كما تكمن من جهة ثالثة في طبيعة ما يطرأ من تغيرات في الوضعية الواحدة بتغير الظروف التي تلابسها وما يطرأ من تغير في العوامل والمؤثرات المحيطة بها والمتولدة في البيئة والوسط الذي تقوم فيه، مما ينعكس بدوره فيما يتركه في طبيعة الإدارة ومسارها من آثار. فلا عجب بعد ذلك أن ينعكس الواقع المتغير على ما تثمر عنه مساعي أولئك العلماء والكتاب في ذلك الشأن، ومن ثم تعددت التعاريف المطروحة وتنوعت مقاصدها بالنسبة لكلا الاصطلاحين أو المفهومين في الإدارة.

خامساً: ولقد انطلق بعض الكتاب والمؤلفين في تعريف «الإدارة» من منطلق تحديد وظائفها وبيان فعالياتها وأنشطتها. غير أن فائدة ذلك في مجال تعريف «الإدارة» محدودة بالنظر لتعدد الوظائف والفعاليات والأنشطة وتنوعها. والواقع أن حقيقة ذلك التعدد والتنوع كانت جلية لدى بعض علماء الإدارة ومنظريها منذ العقود الأولى من هذا القرن. ويكفي أن نتذكر أن فردريك تايلور F. W. Taylor قد نشر كتابه «إدارة المتاجر» عام 1903 ونشر كتابه «مبادئ الإدارة العلمية» عام 1911 اللذين أهلاه لأن يوصف بـ «أبي الإدارة العلمية» ولم يكن عجيباً أن يأتي غانون بعد تايلور بسبعة عقود ويستهل مقدمة كتابه «الإدارة - إطار تكاملي» بقوله: «إن الفعاليات الإدارية شديدة التنوع، وأن من الممكن تصنيفها في عدة طرائق» (24). (وإن كان النهج الذي ارتأى غانون أن يأخذ به في كتابه، كما تم بيانه في هذه الورقة، هو من منظور تنظيمي مؤداه أن الفعاليات الإدارية يفضل أن ينظر إليها باعتبارها تلك التي يجب تأديتها من أجل أن تقوم المنظمة بعملها). وجلي أن شدة تنوع تلك الفعاليات وإمكانية تصنيفها في عدة طرائق قد أسهمت في زيادة صعوبة التوصل إلى تعريف جامع للإدارة طوال تلك العقود.

سادساً: إن تنوع ميادين الإدارة وتعدد مجالاتها قد اقتضى بالضرورة أيضاً تباين أغراضها وتنوع وظائفها ومهامها واختلاف طرائقها وأساليبها. كما أن استمرارية المتغيرات في البيئة والوسط الذي تقوم به منظماتها وتنظيماتها كان وما يزال يسهم في تغيير الصورة لا بالنسبة لما يحمله مفهوم «الإدارة» كاصطلاح عام، سواء كان بمدلول Administration أو Management، بل ولما تحمله «الإدارة» من معنى بالنسبة للمنظمة الواحدة في البلد الواحد، وفي البيئة الواحدة. ولعل هذا في جملته عناصر أخرى أسهمت وتسهم في تعقيد التوصل إلى تعريف مقبول عموماً لها.

تلك هي بعض الملاحظات التي ارتأى كاتب هذه السطور تسجيلها من حيث كونها تربط ما بين ما تعكسه مضامين ما أورده أولئك المؤلفون من آراء وتبرز عدداً من العوامل التي أدت إلى الكثير من التباين والاختلاف حول مفهوم الإدارة واصطلاحاتها. والآن ما هو بعض الجديد مما يرد في أدبيات الفكر الإداري المنشورة خلال السنوات العشر الماضية (1986 - 1995) ويمكن اعتباره إضافات ذات دلالة وإسهامات مهمة وقيّمة في زيادة ثقافة ممارس الإدارة وتوسعة مداركه فيها؟ هذا ما سيتم تناوله في القسم الثاني من هذه الورقة.

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً