نشر موقع "البنك الدولي"، تقريراً توضح كاتبته، كيفية تحدت بعض "الأردنيات" التقاليد وتوجهوا لممارسة لعبة كرة القدم مع ازدهار كرة القدم النسائية... فإليكم التقرير كاملاً:
في أحد أيام الصيف الحار أوائل تسعينيات القرن الماضي، جاءت جارتنا تهرول لوالدتي وتقول لها، "تعالي خذي ابنتك. إنها تلعب الكرة مع الصبيان". لن أنسى أبدا تلك النظرة التي كانت تعلو وجه الجارة. يومها، فتحت نافذة غرفة نومها في الطابق الثاني ونظرت إلى أسفل حيث كان الأطفال يلعبون الكرة في ملعب ترابي مقابل للعمارة السكنية التي كانت تسكن فيها في عمان بالأردن. كانت امرأة في متوسط العمر ذات شعر كستنائي قصير وأنف حادة. كانت تعيش في نفس الضاحية التي كنت ألعب فيها كرة القدم مع أولاد عمي. لا أتذكر اسمها لكنني سأشير إليها باسم "الجارة". رأتني الجارة من نافذة غرفتها. تبادلنا النظرات. كانت نظرتها تنطق بالاستنكار، وكانت نظرتي نظرة خوف. الخوف من أن يتم ضبطي.
نادت المرأة على أمي على الفور وشكت إليها. لم تكن أمي قلقة بشكل عام إزاء طموحاتي الكروية في سن المراهقة، ولم تمنعني من إشباع هوايتي، لكنها في هذا اليوم استسلمت لضغوط الخجل من ترك ابنتها تلعب مع الأولاد خارج المنزل أمام الجميع.
لم تكن الفتيات في أوائل تسعينيات القرن الماضي يلعبن كرة القدم في الأردن، ولم تكن الجارة هي ذلك الشخص الذي يجرؤ على تحدي التقاليد والممنوعات. كان اليوم الذي أذعنت فيه أمي للعار من الموروث هو اليوم الذي دفنت فيه طموحاتي الكروية. ترك هذا الموقف أثرا لم يمح من نفسي، مما جعلني أبحث عن ضالتي في ابنتي التي رحت أشجعها على لعب كرة القدم في أحياء واشنطن العاصمة. قبل بضعة شهور، قصصت على ابنتي حكايتي الحزينة مع كرة القدم، وأوضحت لها كيف أنها محظوظة لما أتيح لها من فرصة كهذه، ليس فقط لممارسة لعبة كرة القدم ضمن فريق المدينة، بل أيضا لأن لها مدربة كمدربتها.
لكني إذا كنت فقدت فرصة السعي لتحقيق أحلامي الكروية، فيسعدني الإعلان عن أن هذا لم يعد هو حال أخواتي الأردنيات. فمنذ مطلع الألفية الجديدة، شهدت البلاد تحولا في الثقافة مع البدء في إدخال كرة القدم النسائية في المدارس، وهي مبادرة يتزعمها الأمير علي بن الحسين في الأردن. انطلقت كرة القدم النسائية في الأردن رسميا العام 2004، وتم بموجبها إنشاء فرق الناشئين تحت 19 و 17 و 14 سنة، بالإضافة إلى إنشاء مراكز للكشافة للأعمار من ست سنوات إلى 14 عاما.
إن التغيير الذي حدث في نظرة الأردنيين لكرة القدم كبير ويستحق التقدير. والآن، يستعد الأردن لاستضافة كأس العالم للناشئين تحت 17 عاما في 30 سبتمبر/أيلول 2016. سيكون هذا أول كأس عالم لكرة القدم النسائية يقام في المنطقة، وأكبر حدث رياضي في تاريخ البلاد.
ولعل من نافلة القول إن تمكين المرأة من السعي لتحقيق أحلامها الرياضية لا يفضي فقط إلى زيادة اندماجها في المجتمع، بل أيضا يسهم في ازدهاره. في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، تناولت سمر نصار، الرئيس التنفيذي للجنة المنظمة لكأس العالم تحت 17 سنة، كيف يحدث فريق كرة القدم النسائي في الأردن فارقا في مجتمعاته المحلية. قالت نصار، "لقد أتين من كل فئات المجتمع. ترى المحجبات اللائي يفعلن هذا من أجل كسب العيش ويحصلن على المال لمساعدة أسرهن. وأعتقد أن هذه الرياضة ربما كانت من الممنوعات الاجتماعية بالنسبة لهن، ولكن الآن عندما يشاهدوهن يتألقن في الملعب ويجلبن المال لأسرهن، فجأة يصبح كل هذا مقبولا".
لقد باتت الجهود المبذولة لزيادة مشاركة الفتيات في كرة القدم أمرا شائعا. ويشجع الاتحاد العالمي لكرة القدم (الفيفا) على مشاركة الفتيات في كرة القدم قبل انطلاق بطولة كأس العالم للنساء العام 2019 في فرنسا من خلال برنامجه "عيشي أهدافك"، والذي يرمي إلى "ضمان منح كل فتاة وسيدة ترغب في احتراف اللعبة الفرصة لذلك".
لا أعلم ماذا حدث لجارتي التي وأدت طموحاتي الكروية في تسعينيات القرن الماضي، وما إذا كانت مازالت تشعر بنفس الشيء الآن حيال كرة القدم النسائية في الأردن رغم التحول الأخير في الثقافة. كل ما أعرفه هو أن مستقبل الفتيات الأردنيات باهر في كرة القدم ولذا فإن سعادتي غامرة. سأكون حريصة مع ابنتي على متابعة مباريات كرة القدم النسائية في أولمبياد ريو دي جانيرو وكأس العالم تحت 17 سنة القادمة وعلى التأكيد على أن كونها فتاة هو عامل تمكين لها، ولا يجب أن يكون هناك أي عائق يحول دون تحقيق أحلامها. فمستقبلها سيكون أكثر إشراقا من مستقبلي، ولذا فأنا سعيدة.