يحتفي المجلس الأعلى للمرأة هذا العام بمرور 15 عاماً في الثاني والعشرين من أغسطس/ آب الجاري على تأسيسه بعد صدور الأمر السامي رقم (44) لسنة 2001 من لدن ملك مملكة البحرين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة الذي يتبع جلالته مباشرةً.
وترأس صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة المجلس الذي يتكون من (16) عضوة من الشخصيات النسائية العامة وذوات الخبرة في شؤون المرأة والأنشطة المختلفة وتمثلن كافة أطياف المجتمع البحريني، وللمجلس أمانة عامة فنية برئاسة الأمين العام بدرجة وزير تقوم بتفعيل اختصاصات المجلس وتحقيق أهدافه ووضع الخطط والبرامج المتعلقة بشؤون المرأة وإبلاغ قرارات المجلس وتوصياته إلى الجهات المختصة.
وجاء المجلس الأعلى للمرأة ليكون المؤسسة الرسمية التي تجمع في إطار من العمل المؤسسي المنظم مسيرة عقود من الحراك النسائي الفاعل في البحرين، وتعزيز حضور المرأة على الساحة المحلية، وتعمل لبلورة الجهود الرسمية وجهود مؤسسات المجتمع المدني، حيث تعتبر مملكة البحرين من الدول السباقة التي كفلت للمرأة ممارسة حقها في المشاركة الكاملة على مختلف الاصعدة. وشهد المجلس الأعلى للمرأة على امتداد السنوات السابقة الكثير من التطورات، ومراكمة الخبرات في إطار من العمل المؤسسي المنتظم في إطار سعيه الحثيث ليكون بيت خبرة إقليمياً في كل ما يتعلق بقضايا تمكين المرأة، وتفعيل دورها في بناء ذاتها وأسرتها ووطنها وضمان عدم التمييز ضدها، عبر المتابعة المستمرة والتعاون والتنسيق مع كافة مؤسسات الدولة، ودعم ومساندة القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني.
ويعتبر المجلس المرجع لدى جميع الجهات الرسمية فيما يتعلق بشؤون المرأة، ويختص في إبداء الرأي والبت في الأمور المرتبطة بمركز المرأة بصفة مباشرة أو غير مباشرة وعلى كافة الجهات الرسمية أخذ رأيه قبل اتخاذ أي إجراء أو قرار بذلك. وقد ارتكزت مسيرة خمسة عشر عاماً من عمل المجلس على الإرادة السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بأهمية تعزيز دور المرأة البحرينية في الحياة العامة، وتعززت هذه المكتسبات بالإعلان عن المشروع الإصلاحي لجلالته في عام 2000، حيث تم إطلاق عدد من المبادرات الملكية ثبتت حقوق ومكانة المرأة البحرينية.
كما ويعتبر ميثاق العمل الوطني من المنطلقات والمبادئ الاساسية التي أقرت حقوق المرأة البحرينية، وتم ترجمتها في التعديلات الدستورية والقوانين عام 2002 في نصوص واضحة وصريحة قررت الحقوق السياسية للمرأة البحرينية.
الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية
وعمل المجلس الأعلى للمرأة منذ الدورة الاولى في الفترة (2001 – 2004) على وضع استراتيجية وطنية للنهوض بالمرأة البحرينية بالشراكة والتعاون الفاعل مع جميع المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بشئون المرأة، وبدأت مرحلة الإعداد للاستراتيجية بإنشاء 10 لجان متخصصة تضم ممثلين ومختصين من جميع الوزارات والمؤسسات الرسمية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني وممثلي المنظمات الدولية في البحرين، وكانت هي الأساس في وضع محاور الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية. وفي سابقة تعتبر الأولى من نوعها، تم اعتماد الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية من حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، كأول استراتيجية نوعية معنية بشئون المرأة تعتمد من رأس الدولة في الوطن العربي.
الخطة الوطنية لتنفيذ استراتيجية نهوض المرأة
وعملت اللجان المتخصصة على تحويل الاستراتيجية الوطنية إلى خطة تنفيذية ضمت سبع محاور رئيسية وهي (اتخاذ القرار، التمكين الاقتصادي، الاستقرار الأسري، المجتمع المدني، التعليم، الصحة، البيئة)، وكانت بمثابة وثيقة العهد التي اعتمدها المجلس منهاجاً لعمله، وبدأ المجلس بالتدرج في تنفيذ أولوياته التي ركزت على محاور الاستقرار الأسري، والتمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة، إلى جانب تنفيذ برامج التوعية والتدريب في المحاور الأخرى.
وفي تلك المرحلة التي تستدعي فيها ضرورة القيام بالعمل التنفيذي، باشر المجلس الأعلى للمرأة تنفيذ العديد من برامج التوعية والتدريب لتنمية قدرات ومهارات المرأة من جهة، واعتماد توقيع مذكرات التفاهم كونها الآلية المناسبة لتفعيل التعاون مع الوزارات والمؤسسات الرسمية لتنفيذ الخطة الوطنية من جهة أخرى، إلى جانب إطلاق المبادرات والجوائز التشجيعية لدعم برامج تمكين المرأة في الوزارات والمؤسسات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص.
وحيث أن منهجية عمل المجلس تعتمد على التقييم المستمر من أجل تقويم مسيرة عمله لمواكبة تقدم حضور المرأة، وللقيام بدوره كجهة استشارية تابعة لجلالة الملك المفدى في شئون المرأة، قام المجلس بعملية تقييم لنتائج هذه الخطة، في عام 2012 من خلال دراسة وتحليل ما تحقق من إنجازات على أرض الواقع، والوقوف على أبرز التحديات والمعوقات ليبدأ انطلاقته برؤية أكثر طموحة تتضمن آليات تعتمد الملكية الوطنية لمفرداتها، وفق منهجيات مدروسة قائمة على الشراكة في بناء التحالفات، وبصورة تضمن إدماج احتياجات المرأة في مسار التنمية، وتعتمد على قياس الأثر.
وبمباركة سامية من حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، أطلقت الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية (2013- 2022) التي تتضمن خمسة محاور تسعى إلى ضمان تحقيق الاستقرار الأسري في إطار الترابط العائلي، وتمكينها من متطلبات القدرة على المساهمة التنافسية في مسار التنمية، القائم على مبدأ تكافؤ الفرص، وإدماج احتياجات المرأة في التنمية، بما يحقق لها فرص التميز في الأداء والارتقاء بخياراتها نحو جودة حياتها، والتعلم مدى الحياة، من خلال التكامل مع الشركاء والحلفاء في العمل المؤسسي ليكون المجلس الأعلى للمرأة، بالتالي بيت الخبرة الوطني المتخصص في شئون المرأة.
مراكمة المكتسبات
ويعمل المجلس الأعلى للمرأة منذ نشأته على توفير سبل الأمان والاستقرار للمرأة بمختلف مراحلها العمرية وأوضاعها الاجتماعية، وصولاً إلى أسرة بحرينية آمنة ومستقرة، وقد جاء إنشاء مركز دعم ومعلومات المرأة ليستكمل بذلك منظومة الخدمات والتسهيلات التي عمل المجلس على تقديمها للمرأة البحرينية.
وقد أنجزت مملكة البحرين مكتسبات تشريعية وقانونية أسهمت في تحقيق استقرار الأسرة البحرينية، ومنح المرأة حقوقها أسوةً بالرجل، ومساواتها بالحقوق والواجبات، وكان للمجلس الأعلى للمرأة الدور الأبرز من خلال تفعيل اختصاصه بهذا الشأن، كما ساهمت شراكته مع وزارات ومؤسسات الدولة على إنجاز مشروعات تصب في صالح استقرار المرأة وأسرتها، وكان آخرها صدور قرار وزير الاسكان رقم (909) لسنة 2015 حيث تضمنت المادة (3) منه الفئة الخامسة ويقصد بها المرأة المطلقة أو المهجورة أو الأرملة وليس لديها ابن أو أكثر أو العزباء يتيمة الأبوين وتمنح هذه الفئة خدمة السكن المؤقت فقط وفق تقدير لجنة الاسكان.
تمكين المرأة من أداء دورها في الحياة العامة
وإيماناً من المجلس بأهمية دعم وتمكين المرأة البحرين لأداء دورها في الحياة العامة، لتكون الشريك الجدير والمؤهل مع الرجل في بناء الدولة الحديثة التي يتطلع إليها الجميع، فقد نفذ المجلس العديد من البرامج ذات الأهمية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، واعتبرها مدخلاً هاماً لتحقيق استقرارها أسرياً. وعمل المجلس على إطلاق حزمة من برامج التدريب والتأهيل لعدد من المشاريع التي تهدف إلى تزويد المرأة بالمهارات والتقنيات اللازمة لتكون قادرة على تأسيس أو إدارة مشاريع صغيرة أو الدخول في مجال ريادة الأعمال بهدف المساهمة في تقليص نسبة الباحثات عن عمل من النساء وزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني.
كما واصل المجلس عقد الشراكات اللازمة لاستكمال منظومة العمل الاقتصادي بتوفير مشاريع تقدم الخدمات الاستشارية والتسهيلات الداعمة لتحقيق الاستدامة لبرامج التمكين الاقتصادي للمرأة والمتمثلة في مركز تنمية قدرات المرأة البحرينية "ريادات"، وهو مركز يوفر الحاضنات الاقتصادية المتكاملة التي تقدم كافة الخدمات الإدارية والاستشارية والتدريبية والفنية التي تحتاج إليها المرأة للدخول في مجال ريادة الأعمال، والمحفظة المالية لصاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لدعم وتمويل النشاط التجاري للمرأة البحرينية بقيمة مليون دينار بحريني، وهي إحدى المبادرات التي تقدم القروض وخدمات التمويل الميسر لرائدات الأعمال، وتدار من قبل بنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر، وبدعمٍ من "تمكين"، إلى جانب المحفظة المالية لتنمية المرأة البحرينية للنشاط التجاري "ريادات" بقيمة 100 مليون دولار أميركي، وهي إحدى المبادرات التي تقدم القروض لرائدات الأعمال للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتدار من قبل بنك البحرين للتنمية، وبدعم من تمكين.
كما بدأ برنامج التمكين السياسي للمرأة البحرينية والهادف إلى تعزيز ممارسة المرأة البحرينية لدورها في الحياة السياسية من خلال المؤسسات الدستورية المتمثلة في مجلس النواب والمجالس البلدية، حيث جرى تنظيم أول نسخة من البرنامج في الانتخابات البلدية والنيابية في العام 2002، واستمر في انتخابات 2006، و2010، و2014، وفي فبراير 2016 أطلق المجلس الأعلى للمرأة النسخة الخامسة للإطار العام لبرنامج التمكين السياسي للمرأة "التمكين الانتخابي" للفترة (2016- 2018) وذلك بالتعاون مع الشركاء المعنيين والمختصين بدعم أوجه المشاركة السياسية للمرأة البحرينية. وعمل المجلس على إدماج جهود المرأة في برامج التنمية الشاملة مع مراعاة عدم التمييز ضدها، ومتابعة وتقييم تنفيذ السياسة العامة في مجال المرأة، والتقدم بما يكون لدى المجلس من مقترحات وملاحظات للجهات المختصة في هذا الشأن.
النموذج الوطني لإدماج احتياجات المرأة في التنمية
عمل المجلس على إدماج احتياجات المرأة، ونشر ثقافة تكافؤ الفرص بعقد المؤتمرات والملتقيات بهدف تبني هذه المفاهيم، واعتماد الآليات المناسبة لضمان إدماج احتياجات المرأة في المسار التنموي، وتم إطلاق النموذج الوطني لإدماج احتياجات المرأة البحرينية في مسار التنمية في العام 2010، باعتباره أحد الآليات الرائدة على مستوى الوطن العربي لتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص وهو نموذج محدد المحاور، وفي عام 2016 تم طرح تصور مطور للنموذج يتكوّن من خمسة محاور رئيسية وهي: السياسات، والموازنات، وإدارة المعرفة، وقياس الأثر، والتدقيق والرقابة. كما أطلق المجلس عدداً من الجوائز والمبادرات بهدف تعزيز مركز المرأة في مواقع صنع القرار، وفي مؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب تشجيع العمل التطوعي الشبابي، ودعم رائدات الأعمال البحرينيات الشابات، إلى جانب تخصيص يوم وطني يتم من خلاله تسليط الضوء فيه كل عام على مجال من المجالات التي ساهمت فيها المرأة البحرينية.
يوم المرأة البحرينية
يعتبر يوم المرأة البحرينية من المبادرات الرائدة التي أطلقتها صاحبة السمو الملكي رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله، وحظيت برعاية كريمة من لدن حضرة صاحب الجلالة ملك مملكة البحرين حفظه الله ورعاه في أول انطلاقة في العام 2008 حيث تزامن الاحتفال بهذه المناسبة مع عيد الجلوس والعيد الوطني المجيد. وتفضل جلالته بإلقاء الخطاب السامي للعيد الوطني المجيد من مقر المجلس الأعلى للمرأة في زيارة تاريخية تؤكّد الدعم والرعاية التي تحظى بها المرأة البحرينية من لدن ملك البلاد المفدى.
شراكات مثمرة
ويعمل المجلس الأعلى للمرأة على تعزيز علاقات الشراكة مع الآليات الوطنية والمنظمات المعنية بالمرأة على المستوى الإقليمي والدولي بهدف تبادل الخبرات في مجال تمكين المرأة وإدماج احتياجاتها في التنمية، واستطاع المجلس أن يحقق شراكات فاعلة على الصعيد الإقليمي والدولي، والدخول في اتفاقات ومذكرات تفاهم ساهمت في تنفيذ عدد من البرامج والمشاريع لتنفيذ الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية، وتوفير الدعم والتمويل اللازم لتنفيذ تلك المشاريع.
ويعتبر تمثيل المرأة البحرينية في مختلف المحافل والمنظمات العربية والدولية المعنية بشئون المرأة من أبرز ما حققه المجلس الأعلى للمرأة لتأكيد حضور مملكة البحرين وتفاعلها مع قضايا المرأة على أعلى المستويات، وتمثل ذلك في اعتماد ترشح مملكة البحرين لعضوية لجنة المرأة بالأمم المتحدة (CSW) لأربع سنوات للفترة من 2017 – 2021، وكذلك عضوية المجلس التنفيذي التابع لهيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN WOMEN) للفترة من 2017 – 2019.
وإيماناً من المجلس بإبراز ما تحقق من نجاحات تعكس تقدم وضع المرأة على المستوى الوطني، وتعميم أفضل الممارسات الفاعلة لتعزيز مركز المرأة على المستوى العالمي والسعي نحو تحقيق الأهداف الانمائية ذات العلاقة بتحقيق العدالة بين الجنسين، فقد تم التوقيع على مذكرة التفاهم مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة للإعلان عن بدء الأعمال التحضيرية لإطلاق جائزة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة لتمكين المرأة على الصعيد العالمي.
نظرة مستقبلية
وفيما يحتفي المجلس الأعلى للمرأة بمرور 15 عاماً على إنشائه، فإنه يعزّز من مساعيه برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك مملكة البحرين حفظها الله في تنفيذ اختصاصاته في الأوامر السامية بإنشائه إلى تحقيق الرؤية القائمة على الشراكة المتكافئة لبناء مجتمع تنافسي مستدام من خلال تمكين المرأة البحرينية وإدماج احتياجاتها في برامج التنمية بما يضمن استدامة استقرارها الأسري وترابطها العائلي، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص لضمان تنافسية المرأة البحرينية واستمرارية تعلمها مدى الحياة، وضمان تعدد وتنوع الخيارات المتاحة للمرأة البحرينية للإرتقاء بجودة حياتها في إطارٍ من التشريعات والسياسات الداعمة، والتكامل مع الحلفاء والشركاء في العمل المؤسسي للارتقاء بأوضاع المرأة، إضافةً إلى بناء بيت خبرة متخصص في شئون المرأة يتميز بمواصفات ومعايير عالمية وكفاءات وخبرات وطنية.
ويعمل المجلس وفق منهجيات علمية ومدروسة، تسعى إلى تحقيق الشراكة المتكافئة بين جميع فئات المجتمع البحريني، وبصورة تضمن التوفيق بين المسئوليات والواجبات لجميع الاطراف المسؤولة في الدولة. وتتجسد مسؤولية المجلس الأعلى للمرأة ليضع المرأة البحرينية واحتياجاتها نصب الأعين، وبما يضمن حضورها في قلب عملية التنمية، باعتبارها نصف هذا المجتمع، وتمتلك القدرة والعزم والطموح من أجل نهضة وتنمية بلادها.