كلما مَنَّيْتَ أحداً بشيء غير مرئي وجَمَّلته بالحديث صار هدفاً له. في تسعينيات القرن الماضي رَفَعَ إسلاميو الجزائر ومصر شعار: «الإسلام هو الحل». كان حاملوه يختصرون كل مشاكل الجزائريين والمصريين في عدم إعطاء الإسلام فرصة الحكم والتعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية.
ولأن الحال لم يكن يسمح لهم بالتنفس «سياسياً» عبر أفكارهم فقد زاد استثمارهم لذلك الشعار، الذي زاد لمعاناً في أعين الفقراء والمعدَمِين. وبعد أن خفَّ بريقه، بدأت تظهر شعارات مماثلة في غير بلد، حَمَلَت شعارات أخرى لكنها تشترك مع الأول في «هلاميته» واتساعه وبروباغانديته.
بعضٌ من تلك الشعارات كانت تدور حول «الديمقراطية» و«الحياة البرلمانية» وخلافها، وفقاً للتطورات السياسية العالمية، التي كانت تأتي بعد كل عقد أو عقدين بأفكار جديدة لأنظمة الحياة والحكم والمجتمع، فتتزاوج مع مشكلة كل بيئة من بيئات العالم العربي والإسلامي لتُنتِج شيئاً ما.
انتهى بنا المطاف لأن نسمع بشعار أخذ الدنيا على حين غرّة، ألا وهو شعار «الخلافة الإسلامية» الذي رفعه «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وقد حفَّز هذا الشعار الآلاف من أقاصي الأرض، لأن يَلِجوا فكر التنظيم ويؤمنوا به، ويموت في سبيله 45 ألفاً من أولئك «المغرمين».
في الحالة الأولى جرى التعامل مع الإسلاميين في الجزائر مطلع التسعينيات بالخيارات العسكرية والأمنية، حتى أدخلت البلاد في عشرية «سوداء» أو «حمراء» راح ضحيتها مئتا ألف قتيل، بطريقة لم تعهدها الإنسانية. وحصل ذات التعامل كذلك وإنْ بطريقة أقل عنفاً في بقية البلدان التي واجهت «ثقافة الشعار».
اليوم، يتعامل الجميع مع «داعش» بذات المنطق. وربما أخذ منحى المواجهة العسكرية بعداً أكبر بالتحالف الستيني الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة ضد التنظيم قبل سنتين تقريباً، ثم التحالف الذي أقامته كل من روسيا والعراق وإيران وسورية لضرب التنظيم في غرب العراق وشمال ووسط وشرق سورية. بالتأكيد ما مجال للمقارنة بين هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الأخرى.
لم يكن التفكير سوى في طريقة مواجهة تلك الموجات «العنفية» وكذلك في الحالات «السلمية»، لكن لم يسأل كثيرون عن الدوافع التي تجعل من تلك الموجات تتدفق على مجتمعاتنا كلما خَبَت. أنا لا أتحدث عن مراكز الدراسات بل عن طرق تفكير الدول التي واجهت مثل تلك الموجات. كان من المفتَرَض أن يُنبَش في أمرها وأمر منتسبيها «سيكولوجياً» للوصول إلى هذا الخزان الهائل من الزخم القادر على دفع الآلاف من أبناء أمتنا كي يذهبوا في مشاريع كهذه. وأحسب أن السبب الأساس هو الشعور بـ»الهزيمة» والحاجة إلى حياة يقل فيها الظلم إلى أدنى مستوياته (نقول ذلك كي لا نكون مثاليين)، والحصول على مستوى لائق من التمثيل في الدولة وصنع القرار.
في لحظة ما، وَجَدَ العرب والمسلمون أنفسهم بلا غطاء «دولة» أنتجها مجتمعهم وتحولاتهم وتناقضاتهم وحركتهم في التاريخ. حصل هذا ذروة الانحطاط السياسي منذ اختلال توازن بقاء الدولة العثمانية وتالياً فشل المشروع العربي المناهض لها في إقامة نظام سياسي متماسك.
وتوالت الأزمات السياسية والاجتماعية بعد وعد بلفور وقيام دولة «إسرائيل»، ثم هزائم العرب المتتالية أمامها، وصولاً للحرب الأهلية في لبنان واحتلال جنوبه حتى بيروت من القوات الإسرائيلية، متزامناً مع تصدع غرب آسيا بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وصولاً إلى الهيمنة الأميركية على أفغانستان والعراق، ومجيء الاحتلال مجدداً للمنطقة بشكل رسمي.
وبالتوازي مع ذلك، فقد أنتج الاستقلال السياسي للدول العربية مجيء أنظمة سياسية أوليغارشية قمعية، كانت أشبه بالمورِّثة في التوالي على الحكم وكذلك في اجترار المشكلات، مع غياب تمثيل الأطياف الاجتماعية في مراتب الدولة، فضلاً عن تبذير الثروات واستفحال الفساد.
المشكلة أن الفهم ما يزال مقيداً وغير قادر على استيعاب التغيّرات الضرورية التي تلازم المجتمعات. فاللحظة التي كانت فيها الدولة عند العرب الجنوبيين في الأزمنة الغابرة عبارة عن تكوين قبلي طائفي طبقي يبدأ بالحكام ومواليهم ورجال الدين ثم الطبقات الاجتماعية الأخرى حتى العبيد، لم يستطع مقاومة موجات التغيير التي ولّدها التطور الحضاري والاتصال بالشعوب الأخرى حتى انهار.
فكيف بنا اليوم، ونحن نعيش بعد أكثر من ألفي سنة للميلاد، وصلت فيه البشرية إلى مستويات متقدمة من الفهم وإدراك حقوقها. وهي حين لا تجد مراوح تُبرِّد وهجها، ولا خطط تعطيها الأمل في صياغة مستقبلها وأجيالها، تلجأ مباشرةً إلى الخيارات العدمية، وتنزوي إلى شعارات فضفاضة ترى فيها الضوء الذي يُرَى في نهاية النفق، حتى ولو كلفها ذلك حياتها كما نجده اليوم. نحن لا نتحدث عن «داعش» بل عن كافة الأشكال المعارِضَة الأخرى، التي يرفض العديد منها العنف.
هؤلاء الناس أحسب أنهم لا يطمعون في الكثير، وهم ليسوا بطامعين في أكثر مما نقول. فما تحويه الأرض من خير هو بسعة هذه المليارات السبعة أو الثمانية من البشر، وفي عالمنا العربي ليس ذلك بمختلف عما نذكره. كما أن حدود الدول ومجالها قادران على جعل الناس وأطيافهم تتمثل فيها بشكل صحيح وليس على هيئة «أزرار» تُوضع للاستحلاب أو للمنظر الخارجي الذي يُوحي بأن هناك تنوعاً ما.
ليكن الكنز الذي يُمنِّي المتطرفون الناس به لدينا، وهو فعلاً لدينا، وقادرون على أن نقول لهم أن هذا الصندوق هو الذي يحتوي على الحُلِيّ الصحيح وليس المغشوش كما عند أهل التطرف. لكن وفي الوقت نفسه، أن يكون ذلك الكنز لدينا يتوجب أن نفتحه للجميع، كي لا يحس الناس أنهم أمام سراب، فيلجأون إلى غيره وإن كان «هلامياً».
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5096 - الجمعة 19 أغسطس 2016م الموافق 16 ذي القعدة 1437هـ
المشكلة هي كسل الانسان و عدم وده في استعمال عقله. لو يسأل كل واحد بعد سماعه لفكرة؛ كيف و لماذا و متي؟ ........ الأكثرية يتبعون الفكرة دون تفكير و اذا سأل احد سؤالا بحثيا اتهم بالكفر و الزندقة. هكذا كان و يكون و سيكون.
مساكين : بعض الشباب المسلم الذين استخدمتهم وتستخدمهم الأنظمة كوقود لخدمتها. يدفعون اغلى ما لديهم وهي حياتهم مقابل تضليل بأنهم يجاهدون في سبيل الله، بينما حقيقتهم انما يجاهدون في خدمة الشيطان المتمثل في الاطماع الغربية ومعها بعض الانظمة العربية
الواقع المر ان الشعوب المسلمة عامة والعربيةخاصة تبحث عن العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة وهي مفقودة عنه
رفعت شعارات مرة باسم الاسلام اخرى باسم الوطنية والبعثية لم يحصل عليها