كشفت الحالات المسجلة حديثا للجمرة الخبيثة في اقصى الشمال الروسي حجم التهديد الصحي المتصل بذوبان التربة الصقيعية وهي اراض جليدية تضم فيروسات قاتلة بعضها متجمد منذ الاف السنين، وسط تساؤلات عن امكان عودة ظهور امراض خطيرة كالجدري بفعل الاحترار المناخي.
ويعرف العلماء منذ زمن بعيد الاثر المأسوي الذي يحمله ذوبان الجليد في التربة الصقيعية، وهي اراض متجمدة بطريقة دائمة في العمق، على انماط الحياة والانظمة البيئية.
وقد عانى سكان شبه جزيرة يامال الواقعة على بعد 2500 كيلومتر شمال شرق موسكو، احدى التبعات الملموسة للغاية لهذا الذوبان.
فقد توفي طفل واصيب 23 شخصا اخر اثر ظهور مرض الجمرة الخبيثة في نهاية يوليو/تموز 2016 بعد 75 عاما على تسجيل Hخر الحالات من هذا المرض في المنطقة.
وبحسب العلماء، يعود ظهور هذه الحالات على الارجح الى ذوبان الجليد عن جيفة رنة قضت بسبب الجمرة الخبيثة قبل عقود عدة. وبعد اطلاق هذه البكتيريا القاتلة وهي عامل مسبب للامراض ينتشر بسهولة على شكل خلايا تكاثر لاجنسي معروفة بالابواغ، انتقلت الاصابة الى قطعان من غزلان الرنة المنتشرة في المنطقة.
وحذر الباحث المتخصص في المعهد الروسي للمشكلات الحيوية في التربة الصقيعية بوريس كيرشينغولتس خلال مؤتمر صحافي عقد اخيرا من خطر تكرار مثل هذه العملية.
وتشهد روسيا احترارا بوتيرة اسرع بمرتين ونصف المرة مقارنة مع باقي انحاء العالم، كما أن هذا التغير المناخي يتسم بحدة اكبر في المنطقة القطبية الشمالية.
فيروسات عملاق
وفي شبه جزيرة يامال التي يقطنها خصوصا مربون رحل لغزلان الرنة والواقعة بين بحر كارا وخليج اوب، تخطت الحرارة معدلاتها الموسمية لشهر يوليو بثماني درجات ملامسة 35 درجة مئوية.
وقال مدير المعهد الروسي للمناخ سيرغي سيمينوف "نتحدث عن موقع موجود فوق الدائرة القطبية"، مشيرا الى "اننا في صدد اختلال غير مسبوق".
وبحسب العلماء، لا يقتصر الخطر على مرض الجمرة الخبيثة.
وأوضح المدير المساعد لمعهد البحث الروسي في علم الاوبئة فيكتور مالييف أن "ثمة بقايا للجدري" في اقصى الشمال الروسي تعود الى نهاية القرن التاسع عشر وقد اكتشف العلماء "فيروسات عملاقة" في بقايا فيلة ماموث.
واضاف "اظن ان التغير المناخي سيحمل لنا مفاجآت. لا اريد اخافة احد لكن يجب ان نكون مستعدين".
وبالنسبة لهذا الخبير، كان من الممكن احتواء انتشار حالات الجمرة الخبيثة على نحو افضل لو اجريت حملات تلقيح واسعة النطاق لحيوانات الرنة.
ناقوس الخطر
ولفت ديمتري كوبيلكين حاكم منطقة يامالو - نينيتسكي التي نفقت فيها اكثر من الفي رنة هذا الصيف الى ان عمليات التلقيح توقفت قبل حوالى عشر سنوات بعدما ساد اعتقاد بزوال الجمرة الخبيثة منذ زمن طويل. وأقر بأن ما حصل "خطأ خطير للغاية".
وقدر المسئول مساحة المنطقة المتضررة (المنطقة التي ينتشر فيها المرض بالاضافة الى منطقة عازلة) بـ12 الفا و650 كيلومترا مربعا. وقال "عملية التطهير ستتواصل طالما ان التحاليل على التربة لم تظهر خلو المنطقة تماما من الجمرة الخبيثة".
وتم تلقيح اكثر من 1500 شخص، كما يتعين على اكثر من سبعمئة شخص تناول مضادات حيوية بعدما صنفوا من بين الاكثر عرضة للاصابة بالمرض، وفق السلطات المحلية. ونشر حوالى 270 جنديا لحرق جيف الحيوانات المصابة.
هذه التدابير غير مسبوقة في روسيا "سواء على صعيد الحجم او التعقيد" وفق حاكم المنطقة الذي اكد "اننا لم نواجه يوما تهديدا جرثوميا بهذا الحجم".
وينتقد العلماء تقصير السلطات في تمويل البحوث في شأن التغير المناخي وتقليصها الميزانيات المخصصة للعلوم والإحجام عن الانفاق في هذا المجال الا في حالات الطوارئ.
وذكر الخبير في المحيطات في المعهد الروسي للارصاد الجوية البحرية فاليري مالينين بأن السلطات الروسية اعتمدت برنامجا للبحوث المناخية سنة 2010 ابان انتشار سحابة دخان كثيفة في ارجاء موسكو جراء حرائق غابات ضخمة، لكن سرعان ما "دفن" في ما بعد.
وقال "عندما نواجه ظواهر مدمرة، نفكر دائما بأنه كان من الضروري تفاديها، لكن عندما تتراجع الحماسة في شأنها، ينسى الجميع كل شيء"، مضيفا "يامال ليست سوى ناقوس خطر لتذكيرنا بأن الطبيعة ستستمر في تحدينا".