قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم الإثنين (15 أغسطس / آب 2016) إن منطقة جوبا بجنوب السودان تحدث فيها حالات اغتصاب ونهب وقتل .
وفيما يلي نص البيان:
إن جنودا قاموا بقتل واغتصاب المدنيين ونهب ممتلكات طالت حتى مواد إغاثية خلال وبعد المعارك التي دارت بين الحكومة والمعارضة في جوبا، عاصمة جنوب السودان في يوليو/تموز 2016. كان واضحا في العديد من الحالات أن القوات الحكومية استهدفت مدنيين من غير الدنكا.
نتيجة الهجمات العشوائية، التي شملت إطلاق الرصاص والقصف، أُصيبَت مخيمات نازحين داخل قواعد الأمم المتحدة بالقذائف التي طالت أيضا أحياء ذات كثافة سكانية عالية، موقعة العديد من القتلى والجرحى المدنيين. وثّق باحثو هيومن رايتس ووتش الذين زاروا جوبا في يوليو/تموز بعد المعارك العديد من الجرائم، بمعظمها ارتكبتها القوات الحكومية المنتمية إلى "الجيش الشعبي لتحرير السودان" (الجيش الشعبي).
قال دانيال بيكيلي، مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بعد سنة على توقيع قادة جنوب السودان معاهدة سلام ما يزال المدنيون يُقتلون والنساء يُغتصبن والملايين يخافون العودة إلى ديارهم. قررت الأمم المتحدة في 12 أغسطس/آب إرسال المزيد من قوات حفظ السلام لكن أرجأت فرض حظر تسلح طال انتظاره. الاستمرار في توفير الأسلحة سيؤدي إلى توسيع رقعة الاعتداءات".
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الأمم المتحدة والدول الأعضاء فرض عقوبات مستهدفة، مثل تجميد الحسابات المصرفية أو المنع من السفر بحق المتورطين بانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان. يجب أن تبدأ مفوضية الاتحاد الأفريقي والممولون على الفور بالتحضير للمحكمة المشتركة كي تقوم بالتحقيق والمحاكمة حول أفظع الجرائم التي ارتُكبت منذ اندلاع النزاع في ديسمبر/كانون الأول 2013 – وتشمل المعارك الأخيرة.
وافق الطرفان في معاهدة أُبرمت منذ سنة، في 15 أغسطس/آب 2015، على تشكيل حكومة وحدة وطنية ودمج قواتهما وإنشاء المحكمة المشتركة بالإضافة إلى خطوات أخرى. حسب الاتفاق كان على مفوضية الاتحاد الأفريقي أن تنشئ محكمة تضم قضاة وموظفين جنوب سودانيين وأفارقة. من المفترض أن تكتمل المراحل الأساسية لإنشاء المحكمة في أكتوبر/تشرين الأول 2016، ولكن ليس هناك أي تقدم فعلي حتى الآن.
بدأت المعارك في 8 يوليو/تموز 2016 بين قوات موالية للرئيس سيلفا كير، من الدنكا، ونائبه الأول ريك ماتشار، من النوير، خلال اجتماع لمجلس الوزراء في المقر الرئاسي. كان قد سبق المعارك المسلحة العنيفة أسابيع من التوتر المتصاعد بين القوات المرابضة على حدود العاصمة مع تأخير البدء بتنفيذ معاهدة السلام.
استمرت المعارك بين الطرفين على مدى 4 أيام في مواقع مختلفة داخل العاصمة جوبا. استمع باحثو هيومن رايتس ووتش إلى شهادات عن جنود كانوا يطلقون النيران العشوائية التي طالت أحياء ذات كثافة سكانية عالية ومخيمات للنازحين داخل قواعد الأمم المتحدة. قُتل على الأقل 12 مدنيا من الذين اختبؤوا في مخيمات الأمم المتحدة وجُرح العشرات.
وثّق الباحثون أيضا اغتيالات مستهدفة واغتصابات فردية وجماعية بالإضافة إلى اعتداءات ونهب اتسمت في أغلبها بالتمييز العرقي. تأثرت أحياء تونغ بيني ومونوكي ومانغاتن وغوديلي بشكل خاص. لم يتمكن الباحثون من رصد جميع الاعتداءات بسبب التدابير الأمنية في العديد من المناطق المتأثرة. ارتكب الجنود الذين يحاربون تحت قيادة رئيس الأركان بول مالونغ والرئيس كير أغلب الجرائم. كما تلقت هيومن رايتس ووتش تقارير عن اعتداءات قام بها جنود الجيش الشعبي والمعارضة، بقيادة ماتشار، دون التمكن من التأكد من صحتها.
حسب الأمم المتحدة أوقعت المعارك أكثر من 73 قتيلا مدنيا بينما هرب 36000 آخرين إلى قواعد الأمم المتحدة ومقرات مجموعات مساعدة خلال أو بعد المعارك مباشرة. أوقف اتفاق وقف إطلاق النار في 11 يوليو/تموز المعارك داخل جوبا، ولكنها استمرت بين القوات الحكومية والجيش الشعبي لتحرير السودان والمعارضة المسلحة في محيط جوبا ومناطق أخرى من جنوب السودان.
وفي بعض الحالات استهدفت القوات الحكومية المدنيين مباشرة بسبب انتمائهم العرقي. قال رجل، 35 عاما، إن شاحنتين تابعتين للجيش الشعبي مليئتين بالجنود طوقتا فندق بيدالي في حي أتلبرا حيث اختبأ و27 آخرين من النوير قبل بدء وقف إطلاق النار في 11 يوليو/تموز:
"طرق الجنود الباب وسألونا إن كان هناك أحد من النوير في الفندق. طلبنا من الحارس أن لا يفتح. فسألونا لماذا تخبئون النوير؟ ثم فتحوا نيرانهم علينا من أسلحتهم الثقيلة التي اخترقت الأبواب والجدران. هكذا قُتل صديقي مادينغ تشان".
وفي نفس اليوم اجتاح عدد كبير من الجنود الذين ينتمون إلى القوات الحكومية مجمعا سكنيا يضم عدد من موظفي المنظمات الدولية. وأعدموا صحفيا من النوير واغتصبوا العديد من النساء جماعيا، وضربوا عشرات الموظفين وسرقوا ونهبوا كل المجمع.
استمر الجنود بالاعتداء على المدنيين وارتكاب الجرائم حتى بعد وقف إطلاق النار في 11 يوليو/تموز. وثّقت هيومن رايتس ووتش العديد من الحوادث حيث أوقف جنود النساء اللاتي يتواجدن خارج مخيمات حماية المدنيين في قواعد الأمم المتحدة لتأمين الطعام وصادروا ممتلكاتهن واغتصبوهن. في الكثير من الحالات سمع الباحثون بأن الجنود كانوا يعلقون على الانتماء العرقي للضحية أو الولاء للمعارضة المسلحة. رفعت الأمم المتحدة تقارير بأكثر من 200 حالة عنف جنسي ارتكبتها القوات المعارضة والحكومية خلال وبعد المعارك الأخيرة في جوبا.
قالت إمرأة، 27 عاماً، إن 5 جنود أوقفوها عندما كانت تحمل الطعام إلى مخيم حماية المدنيين في 18 يوليو/تموز: "قالوا: "أنت تهربين الذخائر إلى ريك ماتشار"، ثم أخذوني إلى مجمع ولكني قاومتهم فضربوني على رأسي وصدري ثم اغتصبوني وأنا أتألم. كنت حاملا بالشهر الثاني ولكني فقدت الجنين بعد ما جرى".
لم تقدم قوات حفظ السلام التي كانت تحرس قواعد الأمم المتحدة الحماية الكافية للنساء من الاغتصاب في محيط أماكن تواجدها. ففي إحدى الحالات التي تداولها الإعلام في 17 يوليو/تموز قام جنود بجرّ إمرأة على مرأى من عناصر قوات حفظ السلام دون أن يحاول هؤلاء إيقافهم. من شأن زيادة الدوريات أو إنشاء مراكز ثابتة في المناطق الأساسية أن يخفف من الاغتصابات. قام أحد عمال الإغاثة في 18 يوليو/تموز بإنقاذ إمرأة كانت قد اغتُصبَت للتو.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الجيش الشعبي قيّد تحركات بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، ما فرض على قوات حفظ السلام البقاء في قواعدها أثناء المعارك. في 12 يوليو/تموز طالبت البعثة قوات الأمن الحكومية برفع القيود ولكن قوات حفظ الأمن لم تستعد حركتها إلا بعد عدة أيام. وعدت بعثة الأمم المتحدة بفتح تحقيق بشأن استجابتها للعنف الجنسي وسبب عدم جهوزيتها وفعاليتها في حماية المدنيين عند اندلاع المعارك وبإيجاد الحلول كما وعدت بنشر نتائج التحقيق.
قال بيكيلي: "يملك قادة جنوب السودان الوقت ومع ذلك فشلوا بإنهاء الاعتداءات على المدنيين، فهم لا يحاولون الحد من استعمال القوة المفرط ولا ينوون محاكمة الجرائم التي يرتكبها من هم تحت قيادتهم. لم يعد هناك أي عذر للتأخير: يجب معاقبة القادة الكبار وفرض حظر تسلح. يجب أن تكون الأمم المتحدة أكثر فعالية في حماية المدنيين وعلى الاتحاد الأفريقي أن يسرع بإنشاء المحكمة المشتركة".
قامت القوات الحكومية خلال وبعد المعارك، بينما كان الأناس يحاولون الهرب، بتقييد حركة المدنيين برا وجوا ما زاد من شدة التوتر والخوف بينهم. ضربت قوات الأمن في 12 يوليو/تموز أحد وزراء المعارضة في جوبا. وفي 16 يوليو/تموز اعتقل عناصر الأمن الوطني محرر صحيفة "جوبا مونيتر"، ألفرد تابان بسبب افتتاحياته التي تنتقد الطرفين ومطالبته كير وماتشار بالتنحي. أُفرج عنه في 29 يوليو/تموز لأسباب صحية وهو ينتظر الآن محاكمته.
في 12 أغسطس/آب وافق مجلس الأمن على إرسال قوات حماية إقليمية كجزء من بعثة الأمم المتحدة. سيقوم الجنود الـ 4000 الجدد بحماية المطار ومنشآت أساسية أخرى و"التصدي لكل من يحضر لهجمات أو يشارك بهجمات ضد مواقع الأمم المتحدة لحماية المدنيين أو مواقع أخرى تابعة للأمم المتحدة، أو موظفي الأمم المتحدة أو العاملين المحليين والدوليين في المجال الإنساني أو ضد المدنيين". قالت هيومن رايتس ووتش إن الهدف الأساسي لقوات حفظ السلام يجب أن يكون تقديم حماية أفضل وأنجع للمدنيين.