العدد 5089 - الجمعة 12 أغسطس 2016م الموافق 09 ذي القعدة 1437هـ

«ماذا أسمِّيك» للهاشمي: «حين يكون الحرف دليلاً» للمحب

تبدأ بقراءته فتشعر وكأنك أمام سفر تكوين، قاموس لمعاني الحب والشوق والحنين، موسوعة للتعرف على ألف باء الحب. وما أن تبحر في صفحاته حتى تجد بعض السطور وقد تحوّلت إلى أمواجٍ كاسحة، فيما تنبئك سطور أخرى بهدوءٍ مفاده أن القلب سكن بعد توهّج الوله بلقاء المحبوب.

هذه المشاعر المتداخلة المتآلفة مع بعضها تجتاحك وأنت تقرأ كتاب «ماذا أسميك» للشاعر والكاتب والباحث الإماراتي إبراهيم الهاشمي.

نقرأ في بداية الكتاب: «هل الحب أمل أم ألم لابد أن نتجرع كأسه؛ لنعرف معنى الحب وقيمته... أم هو ادّعاء لتغطية الفشل؟

لماذا نحب وكيف نحب... هل نتعجل فتسبقنا اللهفة فنسابق الوقت إلى أفق نتمناه قبل أوانه فنسقط؟

لماذا نتسلل ونختلس، والحب عطاء ونور؟».

«ماذا أسميك» كتابٌ يصعب تصنيفه؛ إذ صنّفه كاتبه باعتباره نصوصاً مفتوحة على كل الاحتمالات، وكيف لا ونحن في زمن اللا تصنيف في الأدب والكتابة.

لا يمكن اعتباره شعرا، أو سرداً، أو رسائل عشق بين محبوبين كتبها عاشق في ظل غياب ردّ معشوقه أمام القارئ الذي يمكن أن يستشفَّه من النص نفسه، وما المهم في هذا التصنيف أو ذاك إذا كان الكتاب قادراً على شدّ قارئه وجعله يلتهم ما جاء به دفعة واحدة، فيغصّ بمقدار الحنين بداخله، ويهضم معاني الحب المتّقدّ بين ثناياه، ويتعثر بخوفٍ هنا أو قلقٍ هناك.

يقول في نص «ومتعب أنا أيضاً»: «أنا متعب مثلك

يقتلني هاجس البين بين الواقع بين القبول والرفض

وأضيع في قلق لا ينتهي

في صورة الفراق وهمهمات الرحيل

هل أستسلم أم أواصل الصبر

في ما لا طاقة لي به ولا صبر حياله».

في نصوص الكتاب يطلّ الهاشمي على القارئ بلغةٍ سلسةٍ قادرةٍ على التعريف بنفسها، تربكه لوهلةٍ فيشعر أنه يقرأ نفسه حين يريد البوح لمحبوبه بمكنون نفسه، وترتسم الابتسامة على محياه في كثير من المواضع التي هي في العمق من المحبة والقرب والمناجاة التي لا تصدر إلا من قلبٍ غارقٍ في العشق، متماهٍ مع نبض معشوقه.

تجد المحبوب واضحاً في النص حتى تسمع ضحكته وترى غنجه وتعيش معه حالة القرب والبعد، الشوق والسكينة على صدر الحبيب. تمسح دمعته بيديك وأنت تقرأها، وتربّت على كتفه حين يخرج محتالاً على النص إلى أبعد من الواقع.

لغة الكتاب سلسة حتى تكاد تتكرر في مواضع شتى منه بتكرر المواقف المتخيلة/ المعاشة من قبل الكاتب، وكأنه يكتب يومياته بعد كل لقاء أو اتصال بالحبيب، فلا يبخل بمشاركتها مع قارئه.

لغة لا تشبه سابقاتها عند الهاشمي في إصداراته الأدبية والشعرية السابقة لهذا الكتاب. لغة استنفدت كلمات الحب والشوق والوله والحنين حتى أتى بما أهملته العرب من مفردات، وكأنه دخل قواميسهم ليذكّر بكلماتهم كما يذكّر بملاحمهم ومعلّقاتهم وهم يناجون من يناجون من معشوقيهم.

يكتب في نص «سميني إياك»:

«أيتها الخود.. ماذا يكون برأيك

هل هيوم أنا لهذا الحد.. لأنشد رضابك مهما كان الأوار أو الصرّ»

ترحل في الكتاب فتقرأ غسان كنفاني وهو يكتب لغادة السمان، تقرأ مغامراتهما معاً ومغامراتها من دونه، وتقرأ جبران خليل جبران وهو يبوح لمي زيادة بشوقه فتبثه خوفها من الحب، ليطبطب على قلبها ويحميها من سياط الخوف والقلق. كل هذا يتجسد أمامك وأنت تقرأ «ماذا أسميك»، لكنه لا يشبه أياً منهم... فهو لا يشبه إلا نفسه؛ إذ يبدأ بقصة حب فينقل تفاصيلها ومرورها بين القمم والقيعان، حتى ينهيها بالغياب في نهايته، وكأنه أرادها قصة تبدأ وتنتهي بين دفتي كتاب، لكنها لا تموت بين يدي القارئ.

بقي أن نقول إن طبعة ثانية صدرت للكتاب عن «الريم للطباعة والنشر» بالتعاون مع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات قبل أشهر، بعد أن نفدت جميع نسخ الطبعة الأولى الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً