العدد 5089 - الجمعة 12 أغسطس 2016م الموافق 09 ذي القعدة 1437هـ

المهن المرُتبطة بحرق الطين والترسبات الكلسية

طرق حرق الجصِّ مُترجم عن: (1988 UNCHS Habitat)
طرق حرق الجصِّ مُترجم عن: (1988 UNCHS Habitat)

لقد أوضحت نتائج التنقيبات الأثرية في البحرين، مدى معرفة سكان البحرين القديم بطرق حرق الفخار، وطرق تحضير الجص والنورة، وهناك عدد من المراجع التي تناولت تاريخ هذه المعارف في الشرق الأوسط، والذي يبدأ قبل أكثر من 8000 عام (Majidzadeh 1975, Garfinkel 1987, Hansen Streily 2000). هذه المعارف استمرت في البحرين منذ القدم وحتى عهد قريب، وهناك رجال عرفوا بتخصصهم في تلك المهن. هذه المهن ارتبطت بثلاث خامات أساسية هي: الطين (يُحضَّر منه الفخار) والجبس أو الجص (يحضر منه الجص) والجير (يحضر منه النورة). بالطبع، المهن المرتبطة بهذه الخامات الثلاث لا تقتصر فقط على عملية تحضير المنتج، بل هناك عمليات ثانوية أخرى تتداخل مع مهنٍ مختلفة.

يذكر، أن العامل المشترك بين هذه الخامات الثلاث، هي عملية الحرق، والتي تتباين طرقها، ما بين الطرق البسيطة، والطرق المعقدة التي تحتاج إلى أفران خاصة. لقد حدث تطور وتباين في طريقة الحرق بحسب الحاجة، ونوعية المنتج المراد تحضيره، وسنناقش هنا باختصار طرق الحرق المختلفة، على أن نتناول كل طريقة بصورة مفصلة في حلقات قادمة.

طرق حرق الفخار

لا نعلم بالتحديد منذ متى اكتشف الإنسان القديم إمكانية تشكيل الطين ومن ثم حرقه ليبقى شكله ثابتاً وبذلك ابتكر الفخار، إلا أن المرجح، أن ذلك حدث منذ زمن بعيد جدّاً. أما طرق حرق الفخار فقد تباينت عبر الزمان ومن مكان إلى آخر، وأقدم تلك الطرق، هي الحرق في الأماكن المفتوحة، حيث يكتفى بإشعال نار في أي مكان ويوضع فيه الفخار ليحرق. وتشير نتائج البعثة البريطانية في موقع البلاد القديم، إلى أنه حتى في الفترات التاريخية الإسلامية في البحرين، فإن المرجح أن الفخار كان، في الغالب، يحرق في مكان مفتوح، وليس في أفران خاصة (Insoll 2005). وهذا لا يعني أن أفران حرق الفخار لم تكن معروفة حينها، حيث تشير نتائج الدراسات الأثرية إلى أنه تم العثور على العديد من أفران حرق الفخار في حضارات مختلفة في الشرق الأوسط ويعود أقدمها إلى الألفية السابعة قبل الميلاد (Hansen Streily 2000) ،(Majidzadeh 1975).

وكذلك في البحرين، عثر على ما يرجح أنه فرن لحرق الفخار يعود إلى حقبة بابل الجديدة (قرابة 600 ق. م) (محمد رضا معراج، اتصال شخصي). كما أن هذه الأفران عُرفت في حضارة دلمون أيضاً؛ فقد عثر في جزيرة فيلكا على فرن لحرق الفخار يعود إلى حقبة دلمون (Nourel-Din 1985, pp. 82 -89).

طرق حرق الجص

يعتبر الجص من أكثر المواد التي استخدمت في البناء، في الحضارات التي قامت في وادي الرافدين وعلى سواحل الخليج العربي، منذ العصور القديمة. ويرجع سبب ذلك إلى توافر خام الجص بصورة كبيرة في هذه المناطق، وكذلك لسهولة تحضيره، حيث إن خام الجص يحتاج، في المتوسط، إلى الحرق تحت درجة 130 درجة مئوية، ولمدة 24 ساعة (Wright 2005, p. 144)؛ وهو بذلك لا يحتاج إلى تقنيات معقدة في الحرق، بل إلى أبسط أنواع طرق الحرق، والتي تمثلت في ثلاث طرق أساسية (UNCHS (Habitat) 1988, p. 32). إحدى هذه الطرق أن يتم حرق الجص في المكان نفسه الذي يوجد فيه خام الجص، وذلك بحفر المنطقة التي يوجد بها خام الجص لإزالة الطبقة العليا من الرمال حتى تظهر طبقة الترسبات الجبسية (سطح الجص)، وبعدها يتم فرش الحطب وقطع جذوع النخيل فوقه، ويتم إشعال النار فيه، وهذه هي الطريقة المتعارف عليها في تحضير الجص في الكويت (جمال 2003، ص 169 - 171).

ومن طرق حرق الجص، أيضاً، طريقة الصيران، وهي أن يتم وضع خام الجص فوق قطع من جذوع النخيل ويتم حرقه، وهذه هي الطريقة المتعارف عليها في البحرين وشرق الجزيرة العربية (يوسف وآخرون 2010، ص 113)، (الهارون 2015). وهناك طريقة ثالثة، وهي وضع خام الجص في حفرة ويوضع معه قطع الخشب ويتم حرقه (UNCHS (Habitat) 1988, p. 32).

حرق الجير

على نقيض الجص، فإن النورة، تحتاج إلى عمليات أكثر تعقيداً ليتم تحضيرها من الجير؛ حيث إن الجير يحتاج إلى الحرق تحت درجة قد تصل إلى 1000 درجة مئوية، ولمدة تصل إلى عدة أيام متتالية (Wright 2005, p. 144). عملية الحرق هذه تحتاج إلى طرق أكثر تعقيداً من الحفر؛ ومن هنا جاء ابتكار أفران خاصة لحرق الجير وتصنيع النورة. هذا، وقد أوضحت نتائج التنقيبات الأثرية في حضارة وادي الرافدين وجود، ما يرجح، أنه أقدم فرن لحرق الجير والذي عثر عليه في خفاجة ويعود إلى قرابة العام 2500 ق. م. (Wright 2005, p. 153).

أما في البحرين، فإن نتائج التنقيبات الأثرية في موقع سار الأثري، ترجح، أن صناعة النورة عرفت في البحرين منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، أي منذ حقبة دلمون المبكرة، حيث عثر في هذا الموقع على مبنى بيضاوي الشكل، يرجح، أنه فرن خاص لتحضير النورة (Killick 2005, p. 128).

الخلاصة، أن عملية حرق الفخار وعملية تحضير الجص، وعملية حرق الجير وتحضير النورة، جميعها تحتاج إلى عمليات مساندة ثانوية، أهمها عملية الحرق. وهذه العملية تتباين في التعقيد، فتبدأ بالطرق البسيطة جدّاً، وهي عملية الحرق في الأماكن المفتوحة، وتتعقد لدرجة بناء أفران خاصة لها. هذا، وقد وجد رجال متخصصون في بناء هذه الأفران والتي عرفت في البحرين باسم الدوغة، وسنتناول ذلك بالتفصيل في الحلقة المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً