العدد 5089 - الجمعة 12 أغسطس 2016م الموافق 09 ذي القعدة 1437هـ

عباس يوسف: مشاريعي المؤجَّلة كما الوهم يتخطرف أمامي ويلاحقني

خلال زيارة «الوسط» إلى معرض «رباب»...

بالرسم والكتابة أحيا الحياة
بالرسم والكتابة أحيا الحياة

جبلة حبشي - منصورة عبدالأمير 

تحديث: 12 مايو 2017

أين يقع الفنان عباس يوسف؟ هل هو الخطاط الذي يعشق الحرف العربي بكل قيمه الجمالية والتعبيرية، أم الفنان التشكيلي مُهدي التحايا اللونية عبر معارض يُقدِّمها باسم فنانين ومثقفين مثل الكاتب أمين صالح والشاعر علي الشرقاوي وغيرهم، أم هو المثقف المهموم صاحب المشاريع المؤجَّلة التي تلاحقه كما يؤكد وتتخطرف أمامه على الدوام في مرسميه «عشتار» و «رباب».

محاولتي للعثور على إجابة لتساؤلي أعلاه، أخذتني إلى مرسمه الخاص، مرسم «رباب»، كما يحب أن يطلق عليه، نسبة إلى شريكته وزوجته رباب. وهناك وسط لوحاته وملفات مشاريعه المؤجلة، أطلعني يوسف على جانب منه، كفنان وإنسان، كاشفاً لي ثراءً وغنىً في التجربتين، الإنسانية والفنية.

سألته بداية عن أي خانات الفنانين وتصنيفاتهم، تلك التي يفضل أن ينسب إليها. أبدى اعتراضاً خفيفاً على سؤالي، واصفاً إياه، وبما يشابهه من أسئلة بكونها «أسئلة محرجة إن لم أقل مورطة، لجهة الدخول في مثل هكذا تصنيفات التي تربك في الكثير من الأحيان، اختلاط المفاهيم مقلق أيضاً».

مفيداً «ربما المنطلق الأول كان عنصر الحرف العربي لئلا أقول الخط العربي، وإن عضد هذا الأخير الأول (أعني الحرف) بما يملك من قيم جمالية وتعبيرية عالية، وجدت فيه مبتغاي كونه عالماً مفتوحاً على البحث والتجريب والانطلاق منه نحو تخوم أبعد وأوسع وأرحب من الخط العربي الكلاسيكي ذي القواعد الصارمة والمحددة والمقيدة. المطارح متعددة ومختلفة التي اشتغل فيها وعليها، الحرف العربي/ رسم/ كتابة/ طباعة (أعني فنون الجرافيك) وبعض الخط العربي أحياناً».

وموضحاً «لا أميل لتصنيف معين خشية حشري (خطاط مثلاً) في زاوية لربما وجدت نفسي محكوراً فيها ومخنوقاً جراءها. أجنح لأكون طيراً لا يحب البقاء في مكان واحد ويعشق التغيير.عموماً لست معنيّاً تماماً في أية خانة أصنف وإلى أي حقل أنتمي من قبل المعنيين بهكذا أمور، بقدر انتمائي لعالم الإبداع الأرحب... عالم الفن بمفهومه الأوسع. لك أن تقيسي وتحددي أين يقع عباس يوسف».

ما مدى تأثير انفتاحك على الأشكال الإبداعية الأخرى، الكتابة على وجه التحديد، على تجربتك الفنية، وكيف استفاد كل عالم من هذين العالمين من الآخر؟

- أعيش في ورطة... أعيش الفرحة أيضاً جراء هذا الانفتاح، الورطة في كيفية الإيفاء بكل هذه الالتزامات حين تتداخل الأفكار رسماً وكتابة وتصطدم بمعوقات سمها ما شئت، نفسية، زمانية، مكانية، مادية تحول دون تحقق ذلك. كل وليد جديد يأتي يظللني بنشوة عارمة، يأخذني إلى أماكن من البهجة لا مثيل لها.

فعلان لا مناص لي منهما، فعل الرسم وفعل الكتابة، أرى الكتابة بوابات من الصور تدخلني عالم الرسم، تسيِّجني باللون والخط، تلقي بي على وفي سطوح الورق المختلفة والقماش، والرسم يفتح آفاق الكتابة، يعبد الطرق وينثر الزعفران لي نحو فضاء الكتابة الفسيح وكأنها رسم متعدد الأشكال والصور، الذي أحاول عبره سد خلال ما لم أقدر على تحقيقه رسماً.

كل فعل يعضد الآخر ويثريه، كلاهما فتح والفتح فرحة ومسئولية كبيرة في آن. من الصعوبة بمكان التخلي عن أحدهما كليّاً لصالح الآخر، فعلان خصبان مغويان محرضان دوماً على فعل الجمال.

الرسم والكتابة مشروعا حياة، كيف لي التخلص منهما، أو التنازل وترك أحدهما؟

الرسم والكتابة أكسجين نقي... بهما أطمئن على وقتي وعائلتي وأصدقائي وقرطاسي ومعدني وقماشي. بهما أحيا الحياة.

ماذا عن تحاياك اللونية، تلك المعارض التي تهديها لمختلف الفنانين والمثقفين، أي أثر كان لهذه التجربة على عباس الفنان والإنسان؟

- هذه المعارض مختبرات فنية ورسائل محبة. كل معرض أفق يفتح أفقاً من البحث وإيجاد حلول للقادم من أعمال. من خلال كل معرض أتجدد على المستويين الفني والنفسي. كل معرض يأخذني إلى هناك حيث التجريب وحيث كل قريب من الأصدقاء، قريبي إبداعاً وإنسانية. من كل معرض أخرج بالجديد المغاير والمختلف على صعيد عملي الفني. كل معرض يقربني منهم ويدخلني في شغف البحث عن المناسب تجاههم، أصدقاء لهم تأثيرهم الواضح على شخصي وتكويني الفني والإنساني من خلال منجزاتهم الإبداعية حيث أرى من الصعوبة بمكان تفادي رد الجميل تجاههم، وجدت في رد هذا الجميل عبر إقامة معارض شخصية تحية لهم ابتداء من الصديق الرقيق جداً أمين صالح منذ العام 2002 مروراً بعلي الشرقاوي والمرحوم الفنان الرائد ناصر اليوسف حتى صديقي الورد والمورد جبار الغضبان وعبد الإله العرب والمرحوم الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش. قائمة الأصدقاء طويلة أرجو أن يسعفني الأمل والوقت لرد التحية لهم عبر معارض قادمة، إنها مشروع حياة بالنسبة لي سأستمر في تقديمها، إنه دين علي واجب تأديته.

«جبار» الأبيض الجميل

تجمعك مع الفنان عبدالجبار الغضبان ثنائية فنية مميزة، لعلها تطورت من صداقة وعلاقة إنسانية نادرة، لكنها تركت أثراً على المشروع الفني لكل منكما... كيف يمكنك أن تصف هذا التأثر على تجربتيكما الفنيتين، أنت والغضبان، وهما تجربتان مختلفتان؟

- علاقتي بالفنان جبار الغضبان أكبر من ثنائية وأعمق من صداقة، نلتقي ونختلف في أمور الفن والحياة المفتوحة على هذا الكون المحكوم بالفوضى والخراب والدمار، عالم مجنون لا يعشق إلا الأسود بوصفه خلاصاً، يأخذ إلى الجنة... فوضى لا ترغب في رؤية إنسانه ينعم بالهنأة والسعادة والاستقرار. لعلنا من خلال هذه العلاقة، من خلال فننا نمسك بخيوط أمل وبوارق حياة نرى الحب منتشراً وسائداً بين البشر على هذه الأرض. مازلت أقف تلميذاً يستفيد من الفنان جبار الغضبان كل يوم على كل الصعد الفنية والجمالية والإنسانية، هذه العلاقة لها تأثير أبيض وجميل على تجربتينا الفنيتين التي ما انفكت كل واحدة تعضد مكانة الأخرى في انطلاقتها المفردة. حين يعرض جبار الغضبان أراني داخل التجربة ومساهماً فيها بشكل وآخر وإن من باب المحبة والإفادة. الإفادة مساهمة أيضاً. مهما قلت سيبقى القول قاصراً وأظن أني غير قادر على ملامستها بالشكل اللائق الذي تستحق.

وماذا عن مشاريعك الفنية المؤجلة... لديك الكثير منها، ما قصتها ولم أصبحت مؤجلة... وهل سترى النور؟

- كل مكالمة هاتفية أتلقاها من صديقي الفنان والكاتب اليمني حكيم العاقل يبادرني بالسؤال باللهجة اليمنية «إيش أخبار مشاريعك المؤجلة»؟ يا عباس. أضحك وأضحك ونضحك معاً.

مشاريع كثيرة ومتنوعة، رسم مباشر وطباعة وكتابة ومعارض دولية باسم البحرين كترينالي فن الجرافيك في العالم العربي الذي نشرت مسودة تنظيمه وإقامته على متن صفحتي في «الفيس بوك». مشاريع لم ترَ النور منذ العام 1991 حتى اليوم وربما غداَ... من يدري. مشاريع متراكمة، مشروع ينسخ مشروعاَ والتأجيل مستمر كما الوهم بالضبط الذي يتخطرف أمامي أو يلاحقني كل لحظة ويحيط بمرسم عشتار ورباب وأنا أرى هذه المشاريع تتناسل وتكبر كل يوم، الوقت ضيق وقليل جداً لا يسعف، المادة تقف عائقاً في الكثير من الأحيان والأمكنة تضيق... وأنا وقلبي وصديقتي رباب ننتظر ساعة ظهورها، أعني وقت تنفيذها وعرضها.

يا الله كم أحتاج من الوقت... كم أحتاجك.

ياالله... كم أحتاج من الوقت
ياالله... كم أحتاج من الوقت
بالرسم والكتابة أحيا الحياة
بالرسم والكتابة أحيا الحياة




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:35 ص

      الله يحفظك ويوفقك يا استاذي

    • زائر 7 | 8:20 ص

      كل تحياتي لك استاذي وقدوتي

    • زائر 6 | 4:18 ص

      هذا استاذنا لله يخليه

    • زائر 5 | 4:17 ص

      قليل من الاهتمام يا وزارة ؟؟؟؟

      كما ذكر هناك صعوبات نفسية مادية زمانية تداخل في الأفكار. ....وأنا متأكد ان قليلا من الاهتمام الحكومي والدعم المالي من الوزارة ستجعل هذا الفنان أكثر إبداعا وتطور و عالمية .

    • زائر 4 | 2:18 ص

      تحيةً اليك ياأبا فرات أيها الفنان المبدع ونحن بإنتظار مشاريعك المؤجلة لترى النور سواءً في مرسم عشتار أم مرسم الرباب.
      أصدقاءك العشتاريون

    • زائر 3 | 12:54 ص

      عمل جميل و رائع بحتاج للاهتمام المجتمعي و الرسمي ـ وفقك الله

    • زائر 2 | 12:32 ص

      بالاضافة الى فنه فهو عالم في اللغة العربية واخيرا انسان متواضع يحب الخير ويعمل من اجله. لي معه ذكريات خالدة. وفقه الله تعالى وشكرا للوسط

    • زائر 1 | 10:08 م

      الله يوفق اليك.

اقرأ ايضاً