العدد 5086 - الثلثاء 09 أغسطس 2016م الموافق 06 ذي القعدة 1437هـ

المبارك: الجاحظ وضع شروط الترجمة الأمينة في أربع صفحات

تناول ذاتية المُترجم في أسرة الأدباء والكتَّاب...

(من اليمين): الشاعر عبدالحميد القائد والمحاضر محمد المُبارك
(من اليمين): الشاعر عبدالحميد القائد والمحاضر محمد المُبارك

قبل 1182 سنة، وضع الجاحظ الكناني، وهو أبوعثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني (159 - 255هـ)، باعتباره واحدًا من كبار الأدباء في العصر العباسي، وضع في كتابه «الحيوان» أربع صفحات تحدَّث فيها عن شروط الترجمة الأمينة، وبهذا، وبحسب المُترجم محمد المبارك، فإنه يعتبر من أوائل من وضعوا أسس النهضة في مجال الترجمة.

وخلال حديثه في موضوع «المترجم والذات» بأسرة الأدباء والكتَّاب مساء أمس الأول الأحد (7 أغسطس/ آب 2016)، نوَّه المبارك إلى أنه في الثقافة العربية والإسلامية، وحين يأتي الحديث عن بواكير الترجمة، فإن اسم الجاحظ يبرز جليًا، والكثير من المترجمين يتحدثون عن الجاحظ؛ فيما الغريب أن ما كتبه الجاحظ عن الترجمة لا يتعدى 4 صفحات في كتاب «الحيوان»، إلا أن هذه الصفحات الأربع توجز مهمة الترجمة (الصعبة والشاقة)، حتى أن الجاحظ قال في سطور: «يكاد يكون من المحال أن تبلغ الترجمة كمالًا مقارنةً بكمال التأليف»، وبهذا فإنه يضع المؤلفين في مرتبة والمترجمين في مرتبة أقل، ولهذا كان الجاحظ يرى أن من المحال على المترجم أن يصل إلى فهم الموضوع كما وصل إليه المؤلف ذاته.

وفي بداية اللقاء، ونظرًا إلى أهمية موضوع الترجمة، تناول مدير اللقاء الشاعر عبدالحميد القائد الإشارة إلى أن الترجمة هي من المواضيع التي لم تناقش على المستوى المحلي والخليجي، وهي مجال صعب ولا نجد الكثير من شبابنا في البحرين يقبل على التخصص فيه كالمجالات الأخرى، وهناك قضايا كثيرة مطروحة فيما يتعلق بالترجمة منها النص وإتقان اللغتين اتقانًا تامًا ثم استحالة ترجمة النصوص الدينية وعدم جواز ترجمة القرآن الكريم، علاوةً على توافق الكاتب والمترجم في المعرفة، فكما يقال: «ألترجمة هي خيانة للنص، وخصوصًا النص الشعري... واتفق نسبيًا مع هذه المقولة وأضيف إليها، إن الخيانة تُصبح أكثر فداحةً إذا كان المترجم شاعرًا أو كاتبًا لأنه يضيف نفسه الشاعرة والمبدعة إلى النص الذي يترجمه، ويسبغ عليه خياله وإبداعاته وإسقاطاته، وكأنما يُعيد كتابته من جديد، وهنا قد تنتفي أمانة الترجمة.

وزاد بالقول: «الأخطر، قيام المترجم بتغيير وتحوير نصوص المؤلف لتبدو أطهر ومستساغة أكثر اجتماعيًا؛ ما يعكس صورة خاطئة لأفكار وآراء الكاتب... فالقبيح يصبح حسنًا وان كان المؤلف لم يقصد ذلك، وهذه هي الخيانة الحقيقية للترجمة بالمعنى الصحيح، وأقول بالنسبة إلى الشعر، يستحيل ترجمته على وجه الإطلاق بأمانة وصدق فلكل مفردة في القصيدة دلالاتها النفسية والمعنوية وإيقاعاتها الداخلية.

من جهته، استرسل المحاضر المبارك في الحديث عن شروط الجاحظ للمترجم الذي يراه في مقام الوكيل عن المؤلف، فعليه واجب تأدية الأمانة وإيفاء الحق وأولى تلك الشروط هو أن يكون المترجم أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها؛ حتى يكون فيها سواء وغاية، ويلزم أن ينقل المترجم ما قاله المؤلف عارفًاً بخصائص النص الأصلي ومعانيه ومذاهبه ودقائق اختصاراته وحدوده، وأن يسلم معالم النص المترجم ويخبر عن صدقها بمعرفة تامة بالمعاني وتأويلاتها ومخارجها مثل مؤلف الكتاب تمامًا.

وتناول المحاضر تعريف الترجمة التي تعتمد على سلسلة من القرارات لإيصال قصد النص وإيصاله لقارئ الترجمة، مستشهدًا ببحث «جودة الترجمة»، للباحث حسن حمزة، والذي يعرِّف الترجمة بأنها «فهم وإفهام»، وشروط فهم النص ونقله لا تختلف عمّا طرحه الجاحظ من شروط ومنها المعرفة الجيدة للغة المنقول عنها وثقافتها حتى لكأن المترجم واحد من أبنائها، ولكأنه يوجّه خطابه لأصحاب اللغة لا الغرباء عنها.

ومن الجوانب المهمة التي تحدث عنها المحاضر المبارك، متطلبات الترجمة والقدرة على نقل الألفاظ ودلالاتها ومعانيها وثقافتها في لحظة من لحظات تاريخها، ويعتمد ذلك على مهارات مكتسبة تسمح للمترجم بسلوك نهج والبحث عن المصادر والوثائق التي تسمح بإضاءة ما غرب عنه، ويتطلَّب الفهم زادًا معرفيًا لفهم الرسالة واكتشاف مقاصدها ومعانيها الظاهرة والمضمرة، لافتًا إلى أن هذا المتطلب الأخير هو ما نرى أن الذاتية تفعل فعلها فيه؛ أي عبر فهم مقاصد النص وتأويل معانيه الظاهرة والمُضمرة، فإذا لم تكن للمترجم قدرة على الانعتاق من ذاتيته حين يحاول فهم نص «الإنطلاق» أي «النص الأصلي» والقدرة على إفهام قارئه عبر نص الوصول؛ أي النص المترجم، متسائلًاً:»إذا لم يجد المترجم مناصاً من الإنعتاق من ذاتيته فكيف نقيس أثر هذه الذاتية على كفاءة الترجمة؟ وتبدأ ذاتية المترجم وتأثيرها من بداية نص الانطلاق (النص الأصلي) إذا كان المترجم كفرد مخيّر وحر في الاختيار ولا يقوم بعمل مجبر عليه، ثم بعد ذلك يشتغل تأثير الذاتية في قراءة المترجم للنص، ومحاولة فهمه، ذلك أن محاولة فهم المترجم للنص تعتمد على أفق معرفته كقارئ، ومدى استيعابه للثقافة التي صدر منها ذلك النص.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً