العدد 5086 - الثلثاء 09 أغسطس 2016م الموافق 06 ذي القعدة 1437هـ

المِراس يمنح لغتها مزيداً من الشفافية والإيحاء

فاطمة محسن في «أُخبِّئُه كي لا ينبض»...

فاطمة محسن
فاطمة محسن

تأتي مجموعة الشاعرة البحرينية فاطمة محسن «أُخبِّئُه كي لا ينبض»، الصادر عن مركز عبدالرحمن كانو الثقافي، في طبعته الأولى للعام 2016، والتي تصدَّى لترجمتها إلى الإنجليزية الكاتب والمترجم البحريني غريب عوض، لتشكِّل إضافة مهمة إلى هذه النوعية من المشاريع الجادَّة، والتي تتطلب إمكانات لغوية، وسعة في التأويل، والقدرة في الوقت نفسه على تجاوز النص في بعض مفاصله، ولا يتأتَّى ذلك ما لم يكن المُترجم على دراية كبيرة، وممارسة في الوقت نفسه، لهذا النوع من الاشتغال الفني الصعب والصارم.

المشاريع الثنائية على النص، ضمن التجربة البحرينية تكاد تكون محدودة، ويمكن إحصاؤها، ولا يتم التصدّي لها إلا بعد انتقاء ودراسة وتمحيص، وذلك ما يجعلها ناجحة وذات حضور وتأثير وإضافة لا يمكن تجاهلها.

تقدِّم مثل هذه الصيغة في العمل الإبداعي، امتداداً وجسوراً تعمِّق المعرفة باللغات الأخرى، وتكون على صلة بها في جانبها العميق والصعب، ما يمنح المشتغل مراساً يصب - في نهاية المطاف - في صالح العملية الإبداعية عموماً.

عن المجموعة نفسها، يمكن القول، إن تجربة فاطمة محسن الطويلة نسبياً في هذا المجال، منحها مع مرور الوقت قدرة على الانحياز للغة في جانبها الشفاف والمُوحي، مع التمسُّك بجماليات تبدو في تصاعد مع كل تجربة تخوضها، كما هو الحال في نصوص المجموعة التي بين أيدينا؛ حيث اللغة مفتوحة على البسيط الذي تتم شعرنته. في التفاصيل التي تتبدَّى لنا ولكننا كثيراً ما لا نرى فيها ما يستحق من إدخالها في هذه الحرفة الجميلة، والفضاء الساحر.

في نص «من أين يأتي هذا العزْف»، نقرأ: «أضع قلبي بين كفيَّ

أخبِّئُه

كي لا ينبض بك

لكنِّي... أجهلُ

من أين يأتي هذا العزف».

في الاقتراب مما يعيد للروح توازنها تأخذنا... في التساؤلات التي لا تنشد الجواب، في القريب منا حين نسبغ عليه الشعر، ويغدو بعيداً حين يكون في متاهته... في العادي. في اجتراح الكلام الذي هو أسمى من الكلام... في الشعر الذي يستدرج الكنوز المخبوءة.

وفي النص نفسه نقرأ: «في انتظار المطر

تسقط حكمتي

لو كان قلبي أرضاً

لأنبت زهرة

يُهديها لك في مساء

لن يأتي».

كم من الشعر نحتاج كي لا نهمل التفاصيل من حولنا؟ كم من كون من التأمل نقيمه كي لا تفلت من أيدينا اللغة التي تقتنص التفاصيل؟ كم من الحكمة أيضاً تراودنا عن أنفسنا كي لا تجيء في هيئة كلام يومي عابر؟ كم من المروج علينا أن نقيم كي تستأذن الزهرة الإقامة في انتظارنا لها، قبل إقامتها في المكان؟

تذهب إلى الشعر محمَّلة بطاقة المخيَّلة دون الاتكاء عليها وحدها. المخيَّلة من دون لغة تكون بمثابة نقصان الدليل في متاهتها، مثل كنوز مطمورة في وحْل. على اللغة هنا أن تكون الرافعة التي تمتلك روحها ونبضها القادر على إحياء ما يُظنُّ أنه في النزع الأخير من العدم.

في نص «هكذا ثرثر قلبي»، نقرأ: «مكتظَّاً بالحب

تتأرجح في الحيرة

على أهبة الريح

قلبُك

.

.

.

ينبض نخلتين».

يذهب الشاعر في النبوءة لا إليها، مع الفارق بين «في» و «على»، في الأولى حيث يتوحَّد بها، فيكون جزءاً من فضائها... عمقها... قدرتها على خلق سطوتها، من دون أن يرجف الذين ينتظرون في الخارج، وفي الثانية مكمن السعي، وليس كل سعي يعدك بالغنائم، فكثيراً ما تعود مُحمَّلاً بالخيبة.

أن يثرثر القلب، وهو مضمَّخ بالكلام المؤجل... مسكون بالدراية التي لا يريد لها أن تكشف الغامض. في الغموض سحر لا يمكن الإفلات من عواقبه وسطوته اللذيذة، كذلك هو الشعر، وذلك دأبه. الشعر الذي يمنح الحياة حياة أعمق، ويمنح القلب قدرته على التذكُّر، كما هي قدرته على النسيان.

تميَّزت الترجمة بدقَّتها إلى حد كبير، بقدرتها على المزاوجة بين النص الحرفي من جهة، والإمساك بكثير من المجازات والصور، وصولاً إلى قبضها في مساحات كبيرة من المجموعة على مقاربات في تأويلها للنص من جهة أخرى. تحقق كل ذلك بالإمكانيات التي يتمتع بها عوض، وعمله الدؤوب، وفي صمت، طوال سنوات في حقل الترجمة، حقق فيها نجاحات ملفتة.

كل الأطروحات التي تناولت إشكاليات ترجمة العشر، لم تصل في نهاية المطاف إلى نتيجة التوقف عن تلك الممارسة؛ لأن المتلقِّف للنص، وبحرفيته العالية يجد في تركيبه ومضامينه شيئاً منه، أو ملامح من لغته، وإمكاناته في أن يكون حاضراً في ثنايا النص في صورة أو أخرى؛ بمعنى ألَّا يترك الممارسة (ممارسة الترجمة وفعلها) تُسلمه إلى الجانب الحرفي من النص، وبالتالي إفراغ النص من قيمته أساساً، من حيث إقصاء القيم الجمالية، والدفع بالتأويل جهة النفي الكلي، بمعنى، تحوّله بذلك الإفراغ والنفي إلى كلام قد لا يتوافر على الأدنى من الشروط، وهو وجود السياقات في المعنى والصورة؛ عدا الاشتغال على الترميز، والذي هو بدوره موضوع التأويل.

الناقد والمترجم، كمال ممدوح حمدي، يرى «أن ترجمة الشعر معادلة في غاية الصعوبة، لما يتميَّز به هذا الجنس الأدبي من خصوصية على المستوى اللغوي؛ حيث ترتبط عملية الشاعرية، ووضع الصور المنفردة ارتباطاً مباشراً بأصل اللغة وتقنياتها، لذلك يصبح من الصعب على المترجم توصيل الحس اللغوي الخاص الذي كتب به المبدع شعره من خلال قنوات الاتصال الإنسانية العامة، لأنه لا شك سيكون هناك تعارض بين لغة المبدع ولغة المترجم لما تحمله كل لغة في طياتها من سمات خاصة، ومن أساليب لا تمت لأي لغة أخرى بصلة».





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:17 ص

      سوف نقرأ الكتاب قريبا مبروك يا فاطمة
      كل حرف / ابداع من روحك المتألقه / تحياتي.

    • زائر 2 | 11:53 م

      جميل جدا ومبدعة ومتالقه دوما شاعرتنا المميزة فاطمة محسن

    • زائر 1 | 7:13 ص

      شاعرة نتمنى لها كل التوفيق في نجوميتها

اقرأ ايضاً