العدد 5085 - الإثنين 08 أغسطس 2016م الموافق 05 ذي القعدة 1437هـ

مطالبة بفرض ضرائب على الشركات الأجنبية والمقيمين... لم تتحقَّق إلى اليوم

«كلمات لا تنقصها الصراحة... مقالات محمود المردي 1950 - 1979»...

محمود المردي
محمود المردي

المشروع المُهمِّ الذي قام به مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، وعن بيت عبدالله الزايد لتراث البحرين الصحفي»، ضمن سلسلته المرتبطة بتقديم أرشيف الصحافة الوطنية من خلال روَّادها الأوائل، وصدر منه، وما توافر لدينا من السلسلة: «كلمات لا تنقصها الصراحة: مقالات محمود المردي وأعمدته الصحفية 1950 - 1979)، «افتتاحيات عبدالله الزايد (من أعمدة الزايد بجريدة البحرين 1942 - 1943)»، «رحلة قلم: الأحلام والأوجاع... أوراق صحفية، علي سيَّار - صدى الأسبوع 1969 - 1996»، و «مجلة صوت البحرين»، في أربعة مجلَّدات، ينقصه تذييل كل مقال بتاريخ نشره؛ وخصوصاً الأعمدة الافتتاحية، لأنها غالباً تتناول شأناً من شئون البلد، أو ملفاً من الملفات التي بدأت ملامح التنبيه إلى أهميتها أو خطورتها في وقت مبكِّر؛ كي تُقرأ في سياقها الزمني. بخلو المقالات من التاريخ يصعب مقاربتها من حيث بواكير رؤيتها، ومن حيث ريادتها، ومن حيث الهامش المسموح بتناولها، فالهامش تبعاً للزمن يكبر أو يصغر.

ينطبق هذا الكلام على الكتاب موضوع المراجعة، ضمن محور مُحدَّد أشرنا إليه في العنوان.

نركِّز في هذا الاستعراض على المطالبة المتكررة من قبل المردي في مقالاته بفرض ضرائب على الشركات الأجنبية والمقيمين، والتي لم تجد طريقها إلى التحقق حتى يومنا هذا.

حالياً لا توجد في مملكة البحرين ضرائب على أرباح أو مبيعات أو أرباح رأس المال أو العقارات باستثناء شركات النفط والغاز التي تدفع ضريبة بواقع 46 في المئة من صافي أرباحها في كل دورة محاسبة ضريبية.

في اقتران المقالة بالتاريخ

افتتاحية المردي التي لا يوجد تاريخ محدد لكتابتها، وهي الملاحظة التي سقناها بداية هذه الكتابة، ولثلاثة مقالات بينها فترة زمنية لا نعلمها، طالبت الدولة، وباستماتة، بفرض ضرائب على الشركات الأجنبية، واعتبره حقاً من حقوق البلد، وبالتالي هو حق للمواطن نفسه. كان ذلك قبل أن تشهد البلاد أزمات اقتصادية كالتي يمر بها العالم اليوم، ولم تشهد انهياراً غير مسبوق في أسعار النفط، ولم تمر على البلد الأزمة المالية العالمية كالتي حدثت في العام 2008. ويبدو من أسلوب الافتتاحية أنها لا تتجاوز سبعينيات القرن الماضي؛ أي بعد الاستقلال؛ حيث رأى أن البلد فتحت أبوابها لتلك الشركات «وتركناها مدة طويلة من الزمن، تصول وتجول في مقدَّرات بلادنا الاقتصادية، دون أن نطلب منها حساباً أو بياناً»، مركِّزا في الافتتاحية على الدخل القومي المحدود للبلد، وما تتطلَّبه المرحلة من تطوير كثير من البنى التحتية، وتنمية المرافق الموجودة، والحاجة إلى قيام مرافق أخرى، وبالتالي فإن «متطلبات التطوير التي تجابه مرافق الدولة، تقضي منا أن نوجد لنا وسائل تمكّننا من مجابهة هذه المتطلبات دون أن نرهق دخلنا القومي المحدود». بحسب ما كتب.

ويُلفت المردي إلى أن مطلب فرض ضرائب على الشركات الأجنبية «لا يمكن أن يكون استعداء منا على هذه الشركات (بمنطق اليوم، يحول دون استقطاب مزيد من الشركات الأجنبية للدخول إلى السوق)، لأنها ستدفع الضريبة التي نطالب بها نحن، وهي في عقر دارها».

استنزاف اقتصاد البلد اليوم بالتحويلات

وبعد مطالبته بفرض ضريبة على الشركات الأجنبية، تحوي الافتتاحية في جزء منها، مطالبة الحكومة بفرض ضريبة «على الأفراد الأجانب الذي يعملون في بلادنا (ضريبة الدخل على المقيمين)»، ووقتها لم يكن حضور الأجانب في منطقة الخليج طاغياً كما هو اليوم، ولم تشكِّل تحويلاتهم المالية إلى بلدانهم الأصلية، إرهاقاً واستنزافاً لاقتصاد البلد، وحرماناً للسوق منه؛ إذ تشكل التحويلات المالية للمقيمين في البحرين وبقية دول الخليج العربية، عشرات المليارات من الدولارات شهرياً، وهناك دول قدَّمت دراسات لفرض مثل تلك الضريبة، وتحديداً المملكة العربية السعودية، التي تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية من حيث الحوالات الخارجية من قبل المقيمين، وشهدت في السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً وصل حد الخطورة على اقتصاد المملكة؛ إذ تجاوزت 150 مليار ريال العام 2015، بارتفاع وصل إلى 20 في المئة مقارنة مع العام 2012؛ ما دفع مجلس الشورى السعودي إلى إنجاز دراسة «تخص مقترحاً يقضي بتحديد رسوم على تحويلات المقيمين إلى الخارج بنسبة تصل إلى 6 في المئة من إجمالي المبلغ المحول»، من قبل المقيمين.

مطالبة المردي لم تتركَّز على التحويلات وقتها، ربما لقلتها، بل كان تركيزه على اقتطاع نسبة مئوية من مرتب ما أسماه بالأجنبي؛ أي المقيم، وما يلفت في المطالبة تلك إشارته إلى أن مرتب «الأجنبي» يزيد مرتبه عادة على مرتب المواطن»، في إشارة للذين هم في وظائف ومراكز قيادية في القطاعين العام والخاص.

كانت رؤية المردي وقتها أن فرض مثل تلك الضريبة، ستعمل عملها في الحد من استشراء تدفق الأجانب إلى البلاد، مشيراً إلى أن فرض مثل تلك الضريبة لن تكون بدعاً «فقد سبقتنا إليه جاراتنا العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وقطر».

عين على المصارف والشركات

في افتتاحية أخرى، وعادة ما تحمل عنوان «رأي الأضواء»، يتناول المردي واقع عمل المصارف، والأرباح الضخمة التي تحققها، والدور الذي يجب أن تضطلع به، مساهمة منها في نهضة البلد الذي احتضنها ولم يفرض عليها أي نوع من أنواع الضرائب، على الأقل بابتعاث البحرينيين للدراسة في التخصصات التي يحتاجها البلد، من علوم مصرفية أو مالية أو إدارية.

ويشير المردي إلى أن «البنوك التي مضى عليها في العمل في هذا البلد عشرات السنين، والشركات الكبرى التي هيأت لها الظروف السياسية في البلاد، مركز الصدارة، والاستئثار بالعمَّال، يجب ألا تنسى بأنها لا تدفع ضرائب على أرباحها، وأنها لا تحاسب حتى على نسبة المواطنين في أعمالها (...)»، مطالباً المصارف رد بعض الجميل إلى البلد بتشغيل أكبر نسبة من المواطنين «في النشاطات التي تمارسها»، ملفتاً إلى أن بعض تلك المصارف وكذلك الشركات، مضى على وجودها سنوات طويلة ولم «تبتعث حتى الآن شخصاً واحداً من المواطنين للتخصص في مجالات أعمالها طيلة هذه الحقبة من السنين».

وبجرأته يكتب «نعترف - وبكل أسف - أن مستوى التطبيق، وتنفيذ القوانين، في أجهزتنا العمالية، لا يمكن أن تسمو إلى مطمحنا بأن تستطيع وضع حد لمثل هذا الاستهتار بمصالح المواطنين، في هذه الشركات والبنوك (...)».

بعض المقالات كتبت قبل استقلال البلاد، وبعضها كتب بعده بسنوات، لكن الخط العام لتلك الافتتاحيات والمقالات، كان يشير إلى التزام بالقضايا التي تهم الشأن العام، وترتبط بالمواطن، وقد تتعدَّى الجرأة في كثير من المقالات الهامش المسموح به، ما يدفع بها إما إلى الحجب أو المحاسبة في صورة أو أخرى.

في النظر إلى الأرشيف

هذا الكتاب وغيره يقودنا إلى تعريف «الأرشيف» وأهميته؛ إذ هو كل وثيقة مهما كان شكلها أو وعاؤها تم إنشاؤها أو تلقيها من قبل شخص مادي أو معنوي أو مؤسسة أو منشأة خاصة أو عامة في إطار إنجازها لنشاطها.

المقالة، النص الأدبي، البيان السياسي، السجلَّات المالية، محاضر الاجتماعات، وغيرها، تشكل جزءاً من ذاكرة وجود، وأسلوب بشر وتعاطيهم مع موقف، أو إجراء، أو مهمة، أو نظر، أو رؤية، كلها تشكِّل علامات حياة مرَّت، وطرق التعامل مع تلك الحياة.

بقدر الأهمية التي تكمن من وراء الأرشيف. أي أرشيف، وخصوصاً إذا كان مرتبطاً بفترات زمنية، يمكن من خلالها أن نقف على صورة حقيقية لأوضاع بلد ما، وطرائق تفكير النُّخب فيه، والموضوعات التي يتناولونها، والأجدر من بين كل ذلك، مستوى الالتزام بالقضايا تلك، من حيث تناولها، وإثارتها، والنتائج التي تتمخَّض عن مثل ذلك التناول.

لا يمكن النظر إلى الأرشيف باعتباره ذاكرة فحسب، فالذاكرة لا تقدِّم ولا تؤخر ما لم تتم الاستفادة مما احتفظت به، وصار بين أيدينا، من جهة، وإعادة الاعتبار، أو إحياء ما لم يرَ طريقه إلى التنفيذ أو التحقق، من جهة أخرى.

يقدِّم لنا الأرشيف طريقة حياة مضت، كما يقدِّم لنا في الوقت نفسه، ما عجزنا عن تحقيقه في لحظتنا الراهنة. ثمة درس يقدِّمه لنا الأرشيف، وهذه المرة في موضوعة الالتزام بالقضايا التي نتصدَّى لها، ونتناولها، ونعمل على إثارتها، ليس من أجل الإثارة، بقدر ما هي مسئولية وطنية وإنسانية كبرى، ترمي فيما ترمي إليه أن يكون مضمون وصورة الحياة أجمل وأفضل؛ ما يعني أن مضمون وصورة الإنسان في تلك الحياة، أجمل وأفضل بالضرورة.

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:41 ص

      للأسف هنالك تبديل طائفي وهذه السنين ستمر علينا عجاف ومن الممكن ان تكون الطائفتين.
      الله المستعان

    • زائر 1 | 7:29 ص

      شيئ من هذا القبيل قد كتبته كزائر بوقت متأخر البارحه بموضوع ال7000 خريج سنويا بلا وظائف.ربما توافق فكري مع شخصيه اتذكرها بكل خير لما لها من حق طيب الذكر حين كنت صبيا بالستينات و بالتحديد بداية اصدار جريدة الاضواء, انا من بني جمره و آخرين معي من المخارقه و الحطب, الاستاذ المردي و بكل جرأه و ثقة فينا دون سابق معرفه اعتمد علينا في توزيع الجريدة نصول و نجول بالدوائر الحكوميه و المؤسسات و المتاجر نبيع و نستحصل منه بابتسامته العريضه 100 فلس لكل عشر نسخ نبيعها. للاستاذ محمود مني كل احترام و امتنان.

اقرأ ايضاً