التخطيط للتقاعد شبه معدوم في ثقافتنا، ونتعامل مع قدوم موعد بدايته كأنها مفاجأة من العيار الثقيل، مع العلم أننا جميعا نعرف بدقة السن القانونية لبدء التقاعد. وبحسب التعريف الشائع للمتقاعد هو من يتجاوز السن القانونية للعمل المنتظم، أو من يختار أن يأخذ التقاعد المبكر الاختياري. وطبعا هناك تقاعد مبكر غير اختياري نتيجة للمرض والاصابات او إنهاء الخدمة من قبل الشركة أو الجهة الموظفة.

نرجو من طرح أمر المتقاعدين نشر الوعي بأهميته، وتمكين الأفراد المتقاعدين من إعادة النظر في وضعهم وتحسينه. كما نرجو صادقين أن يبادر من هم مقبلون على التقاعد بداية التفكير في التخطيط للتقاعد. وطبعا حتى الشباب والذين أمامهم درب طويل للتقاعد يمكنهم البدء الآن في التخطيط للتقاعد. فعدم وجود خطة هي خطة للفشل.

ثقافة ومفهوم التقاعد في عالمنا الخليجي

- عندما تفتقد شخصا لمدة وتسأل معارفه عنه، فمن المتوقع أن تسمع الجواب الآتي «مسكين .... تقاعد»، وكأن التقاعد مسكنة أو مدعاة للشفقة.

- البعض قد يعتبرالتقاعد نهاية الحياة، وكأنما المقصود منه الاستعداد لمغادرة هذه الدنيا.

- نحن ننظر إلى التقاعد كأنه أمر غير متوقع أو غير معروف مسبقا، مع العلم انه أسهل لنا التخطيط للتقاعد من التخطيط لخلق وظائف جديدة للشباب مثلا، حيث عدم اليقين كبير والمتغيرات أكبر. إنما وقت بدء التقاعد معروف مسبقا.

- التخطيط للتقاعد معدوم أو إذا وجد فإن وجوده محدود، وقد نترك أمر التخطيط للتقاعد للشركات التي نعمل لديها أو ما تقرره الحكومات من قوانين قد تكون في الغالب محدودة بالجانب المالي المتمثل بالراتب التقاعدي، والذي في أغلب الأحيان لا يلبي الحاجة المالية للمتقاعد مهما كان مقداره. ولننظر للنقاش الذي يدور في أروقة البرلمانات العربية والحكومات، والبحرين ليست غريبة عن ذلك، عن مقدار الراتب التقاعدي وعن مقدار الزيادة عليه ومن يستحقها، وما تأثير ذلك على الميزانية العامة للبلد.

إذا المشكلة الكبيرة هي غياب التخطيط لمرحلة التقاعد، وهذا الغياب يشمل عدم التخطيط للجوانب المالية وهي من أهم الأمور. وعدم التخطيط للأمور الشخصية وكيفية الاستفادة من الوقت الذي يتيحه التقاعد، وكذلك عدم التخطيط للاستفادة من الخبرات المتراكمة للمتقاعد، وهذه الأمور تعتبر هدرا كبيرا لطاقة من المعرفة والخبرة تكونت على مدى سنوات طويلة من العمل الجاد والدؤوب للمتقاعد. وسنتحدث عن بعض تلك الأمور لاحقا.

السن القانونية لبدء التقاعد عند بلوغ المتقاعد بين 55 و65 عاما للرجال و50 الى 60 عاما للنساء في معظم البلدان. كما أن بعض الدول تعتزم رفع سن التقاعد بالتدريج على مدى عدد من السنوات: الدول الخليجية جميعها السن القانوني للتقاعد فيها 60 عاما، والبحرين وعمان والامارات أعلنت عن النظر في الرفع إلى 65 عاما بالنسبة للرجال. السن القانونية للنساء في دول الخليج هي عند السن من 50 -55 عاما.

الأمور المتعلقة بتحديد سن التقاعد

الحالة الاقتصادية تتحكم بشكل كبير في تقرير سن التقاعد في معظم البلدان. فالبلدان التي تتجه لثورة إنتاجية تحتاج إلى رفع سن التقاعد والعكس صحيح. والبلدان التي تكون لها مشاكل اقتصادية ومنها ازدياد البطالة تتجه لخفض السن لتتيح المجال للشباب للحصول على وظائف، وخصوصا تلك التي تشغر من قبل المتقاعدين. وفي الغالب تكون سياسات خفض سن التقاعد أو رفعه مربوطة بتحديد النسل كما حدث في الصين وغيرها. بينما في بعض الدول الأوروبية منها ألمانيا وفرنسا والدول الاسكندنافية كان تحديد النسل اختياريا.

ولكن معظم هذه السياسات تخلق مشاكل أخرى على المدى الطويل وخصوصا تحديد النسل، حيث تزداد الفجوة بين فئات العمر، ويكون هناك نقص في الكوادر البشرية بين من هم شباب، ومن هم على أبواب التقاعد، وهذا بدوره يخلق مشاكل اجتماعية واقتصادية قد يصبح في سبيل حلها زيادة سن التقاعد أحد الخيارات. الأمثلة كثيرة الآن في أوروبا مثل فرنسا وبريطانيا وغيرها.

وفي ظل ارتفاع معدل العمر في أي بلد يصبح مراجعة سن التقاعد ضروريا لسد الفجوات في الأعمار، والمحافظة على إنتاجية البلد. على سبيل المثال في البحرين -على حسب بعض المصادر- فإن معدل الأعمار 73 عاما وسن التقاعد 60، وربما يلزم مراجعة السن قريبا. وبعض دول الخليج هي في طور مراجعة سن التقاعد ايضا.

في الحلقة الثانية من هذا المقال، سنتحدث عن تجربة إحدى الدول في مجال التخطيط للتقاعد، وعن الخطط التي يمكن للمتقاعدين النظر فيها لاستغلال الوقت المتاح لهم، وكيفية الاستفادة من خبراتهم لصالح المجتمع.