حين يأتي القَيْظ شبه الجزيرة العربية يُصبح الظل والماء والهواء مقصد البشر. يرمي الجميع برحله من التعب وعيونهم نصف مفتوحة يتفحّصون أمامهم وخلفهم وفي جوانبهم للظفر بما يمنحهم الأمل: ربما شجيرات تظلل هاماتهم، أو شربة تروي ظمأهم، أو نسمة هواء تبرِّد أنفاسهم.
من بعيد وفي أقصى الجنوب تتراءى لهم واحة متلألئة هي بمثابة الرُّثمة على طرف أنف الحصان. هي ليست سراباً حتماً، بل هي أرض ساحرة، وديار عامرة، ومياه نافرة، وأناس حاضرة. إنها أرض صلالة وباقي ولايات محافظة ظفار جنوب سلطنة عمان. هي فعلاً منجَىً صيفي مثالي لكل مَنْ رامَ الراحة في واحة.
فـ بين شَهرَيْ يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول من كل عام، يُزيِّن الله بقدرته أجزاءً واسعة من ظفار، حيث تبدأ الأمطار في الهطول، ورذاذ الندى في النزول، فتخضرّ الأرض على طول النظر وتشعّ جمالاً، وتحجب السحب أشعة الشمس في أن تلامسها فيهدأ قاعها، وتهبّ رياح موسمية باردة، فتنخفض درجات الحرارة.
أجواءٌ مُذهَّبة تُحِيل هذه الأرض إلى جنة تكون مقصداً لحط الرحال والاغتسال من التعب. وقد قيل في غابر الأزمان عن ملوك الشحر الأوائل أنه «إذا شَتَا شَتى في مأرب وإذا صَافَ صَافَ في ظفار». والمفارقة، أن هذه الشهور الثلاثة المثالية التي تعيشها صلالة ومحيطها كل عام، تعادل أيامها ذات الشهور التي يحلّ فيها حاقُّ الصيف اللاهب وصميمه على بقية الخليج العربي.
حين تلامس رجلك ظفار ترى أرضاً وادعة تسندها 400 كيلومتر من الجبال الفارعة، يزيد ارتفاع أعلاها عن الـ 2500 متر فوق سطح الماء. وفي الضفة الأخرى، يغسل كتفها الجنوبي موج متدفق من بحر العرب ومن خلفه المحيط الهندي، يكون هادراً خلال الخريف، فتسمع قَصِيْفه من بعيد.
ولو رسمنا خارطة لهذه المحافظة العمانية سنجد أنها تبتدئ بـ الشوِيْمِيَّة شرقاً ثم حَاسِك ثم سَدَح تقابلهما داخل البحر مجموعة جزر تسمّى الحلانيات، ثم تواصلاً في الساحل ولاية مرباط ثم طاقة ثم مركز المحافظة وقلبها وهي صلالة، ثم المغْسِيل ثم رخيوت وفي الأقصى تقع ضلكوت. وفي الخلف تأتي مناطق الحشمان والشصر وثمريت وزيك ومدينة الحق وطوى أعتير ومرمول والجبال.
وبالإضافة إلى تلك المناطق ذات الأشكال المناخية المتنوعة، هناك ما يربو عن المئتين وخمسة وأربعين كيلومتراً من السواحل المفتوحة الجميلة والصافية التي تتمتع بها محافظة ظفار، تُكمِلُ جمال طبيعتها الأخَّاذة بصورها الأربع، ما بين سهليّة وجبليّة وصحراوية وساحلية.
وقد أخبرني العمانيون أنهم لم يَرَوا الشمس منذ الحادي والعشرين من شهر يونيو الماضي ولغاية مغادرتي صلالة في الـ 28 من يوليو، حيث ظلَّت السماء مُلبَّدة بالغيوم وهي ترمي بهدوء مطراً ورذاذاً ندياً تُميِّله هبّات باردة من الرياح، وهو ما يعكس استثنائية خريف هذا العام الذي بدا متميزاً عن الأعوام الأخرى، ما شكَّل حافزاً مضافاً كي يتدفق السياح من أقطار عربية شتى للاستمتاع بتلك الأجواء، حيث بلغ عدد زوار خريف صلالة لغاية الأول من أغسطس 319 ألفاً و828 سائحاً بزيادة بلغت 35.2 في المئة عن العام الماضي لنفس الفترة حسب المركز الوطني للإحصاء العماني.
ولم يعد سياح صلالة من المحيط الخليجي أو العربي فقط، بل امتدّ إلى شرق آسيا وأوروبا كذلك. وفي كل عام تقوم الحكومة العمانية عبر محافظة وبلدية ظفار بتوسيع نطاق الخدمات العامة في المحافظة لاستيعاب ذلك التوسُّع في السياحة، والأعداد، على الرغم من وجود أكثر من 27 فندقاً وأكثر من 17 شركة سياحية وأكثر من 29 مستشفى و22 مركزاً شرطياً وأمنياً ودفاع مدني وجمارك. وخلال طوافي بمناطق المحافظة وجدتُ حجم العمل لتطوير طرقها وشوارعها الممتدة، فضلاً عن تطوير مهرجان صلالة الذي يقام في مركز البلدية الترفيهي ويضم أنشطة متعددة.
والحقيقة، أنني ومنذ سنوات كنتُ أبحث عن تفسير لظاهرة هذا المناخ العجيب، الذي يَلِجُ جنوب سلطنة عُمان حين يحلّ الصيف على منطقة الخليج. ولم تزِدْ معلوماتي عن أن ذلك ناتج عن تباين حاد ما بين درجة الحرارة لكل من البحر واليابسة. ومع فارق الضغط الجوي فإن الرياح الموسمية الرطبة، تندفع مُطوّقة شبه القارة الهندية، وجنوب غرب الجزيرة العربية، الأمر الذي يُفضي إلى تكوين خريف طارئ، برياح باردة وأمطار ما بين شهري يونيو وسبتمبر من كل عام كما أسلفت.
لكن وبعد البحث في الموضوع ظهر أن لهذا المناخ تاريخاً معقداً وطويلاً يمتد لآلاف السنين. فعندما جاء الجيولوجيون وقيّموا بيئية ظفار، وتحديداً سهلها الساحلي (من ريسوت وحتى ولاية طاقة)، وجدوا أنه يعود لترّسبات منذ مليونَيْ سنة.
وقد اعتمدت دراسات موازية على مراقبة درجات الملوحة لفحص تغيُّرات الرياح الموسمية في بحر العرب وعلى بذور من قاعه خلال الـ 350 ألف عام الأخيرة وعلى حبوب اللقاح في ظفار، إذ تبيَّن أن الرياح التي تهبّ على أربع ولايات من ظفار ومن بينها صلالة كانت أطول مما هي عليه الآن.
فقد كان الربع الخالي وجنوب غرب الجزيرة العربية يضم بحيرات ضحلة ملأتها أمطار أتت مع تلك الرياح الموسمية. وأن مثل هذه الرياح النديّة امتدت إلى كامل شبه الجزيرة العربية وصولاً إلى شط العرب حتى الألفية الثالثة قبل الميلاد.
الحقيقة، أن هذا المناخ الجميل أحَالَ صلالة ومحيطها إلى منطقة مُغرية للسياحة، فضلاً عما تتمتع به ظفار من عمق تاريخي نادر، يستحق الزيارة والبحث فيه بشكل أوسع.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5084 - الأحد 07 أغسطس 2016م الموافق 04 ذي القعدة 1437هـ
فَْعـــلُا اصّبّتْ الُوَصّفَ يَا اسِتْاذَ فَـ صّلُالُةِ مٌنَطِقًةِ لُا تْوَصّفَ بّجْمٌالُُها زُرَتُْها اكِثُرَ مٌنَ 13 مٌرَةِ تْقًرَيَبّا فَُهيَ الُجْمٌالُ وَ الُشِْعبّ وَ الُبّسِاطِةِ وَ اٌخصّ الُشِْعبّ الُْعمٌانَــيَ الُطِيَبّ الُكِرَيَمٌ الُمٌضُيَافَ مٌنَ جُْهتْيَ انَصّحُ كِلُ شٌِخصّ يَسِتْطِيَُْع الُسِفَرَ بّالُيَقًصّدِ صّلُالُةِ الُتْيَ يَْعشِقًُها الُصّغًارَ قًبّلُ الُكِبّارَ تْحُيَاتْيَ لُلُجْمٌيَُْع ♡
كاتبنا العزيز أبدعت في الوصف
اللهم أدم هذه النعمة على اهل صلالة
يا اهل صلالة صلوا على محمد وآله الكرام
على هذه النعمة العظيمة التي وهبكم وحباكم بها جل جلاله وقدرته وهذه النعمة يتمناها الكثير من العالم ويتحسر عليها الكثير ، من خلال سردك ووصفك يا اخ محمد لصلالة تمنينا لو زرنا هذه البقعة من جنان الارض وبقينا فيها الا ان يدلف الحر عنا لاننا لا يمكن ان نستجير عن الحر في بلدنا الحبيبه حتى عذاري اغلقت ولا سواحل ولابرك مباحة والبرك وصل قيمة الاجار فيها 100 و 150دينار وبعد اسبوعين او شهر والحمد لله رب العالمين على كل نعمة .
زرت صلالة اكثر من مرة هي ارض جميله و شعبها جميل و جوها رائع و لكن للأسف البنية التحتية فيها مأساة لا يمكن مقارنتها بالمقاصد السياحية العالمية بل وحتى بالبلدان المجاورة
كم من مكان جميل ينقصه طيب الشعب، أما صلالة فجمعت طيبة شعبها واخضرار أرضها.
أهنيك على هذا المقال الأدبي الرائع وبالعبارات المنتقاة بعناية ،، أنصح بهذا المقال كي يدرس كموضوع إنشاء في المراحل التعليمية مع تحياتي وتقديري
علي الجناحي
السلام عليكم ورحمه الله
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أشكركم اخواني الأعزاء واشكر الكاتب الرائع فعلا صلالة جنه وتستحق الكثير من العناية من الجهات المختصة. بالرغم من ذلك أهلها شعب طيب جدا ومضيفة أتمنى لسلطنة عمان مزيد من الرقي والرخاء في ظل قائدها المفدى.