أيد التايلنديون في استفتاء، أمس الأحد (7 أغسطس/ آب 2016)، دستوراً جديداً مثيراً للجدل يسمح للمجلس العسكري الحاكم منذ انقلاب العام 2014، بالاحتفاظ بنفوذه على الساحة السياسية حتى بعد إجراء انتخابات.
وأظهرت نتائج أولية أعلنت عنها اللجنة الانتخابية بعد فرز 92 في المئة من الأصوات حتى الآن أن 62 في المئة من الناخبين وافقوا على الدستور.
وقدرت السلطات نسبة المشاركة بنحو 55 في المئة من الناخبين المسجلين البالغ عددهم 50.2 مليون ناخب.
والاستفتاء هو الأول الذي يتمكن فيه التايلنديون من الاقتراع منذ أطاح قائد الجيش برايوت تشان اوتشا الذي أصبح رئيساً للوزراء بحكومة ينغلوك شناواترا المنتخبة في العام 2014. وكان العسكريون الذين يحكمون البلاد منذ انقلابهم على الحكومة المنتخبة في العام 2014، منعوا أية مناقشة للنص تحت طائلة السجن وأوقفوا أو أنذروا ناشطين دعوا إلى رفض النص. وفي غياب أية مناقشات، لم تسرب أي تفاصيل أساسية عن النص.
وتشدد اللجنة الانتخابية التي تشكك المعارضة بحيادها، في منشورات وزعتها، على «السعادة» المقبلة، لكنها لا تذكر أن مجلس الشيوخ لن ينتخب بموجب هذا النص.
وهي تؤكد أنها تريد «منع الأشخاص غير النزيهين من ممارسة العمل السياسي» من دون أن تشير إلى العراقيل التي يضعها مشروع الدستور في طريق الأحزاب السياسية. ويؤكد أنصار هذا الدستور الذين كانوا في مراكز الاقتراع أمس أن هذا النص سيسمح بحلحلة الوضع على الساحة السياسية وتنظيم انتخابات تشريعية في العام 2017.
وتظهر نتيجة الاستفتاء الانقسام المرير بين طبقات المجتمع التايلندي. فالمناطق الفقيرة والريفية في شمال شرق البلاد صوتت ضد الدستور، وهي كانت تصوت بأعداد كبيرة للحكومات المتتالية التي أطاح بها الجيش. كما صوتت مناطق أقاصي الجنوب التي تشهد تمرداً إسلامياً ضد الدستور.
وانتقد زعيم حركة القمصان الحمر، جاتوبورن برومبان، المعارض للمجلس العسكري والذي يعتبر شمال شرق البلاد معقله الرئيسي، نتيجة الاستفتاء. وقال: «أريد أن أقول لبرايوت إن نصرك لا يدعو إلى الفخر لأن منافسيك لم تتح لهم الفرصة لخوض المعركة»، في إشارة إلى حظر الحملات قبل الاستفتاء.
وأضاف «أنا مقتنع بأن السلطة ستعود إلى الشعب يوماً ما». إلا أن الملايين صوتوا لصالح الدستور العسكري وخاصة في العاصمة والجنوب.
يذكر أن لتايلند تاريخاً طويلاً من الاضطرابات. فقد سيطر الجيش على السلطة 12 مرة منذ نهاية الملكية المطلقة في العام 1932، وسيكون هذا الدستور الـ 20 للمملكة. إلا أن الفصل الأخير من الأزمة السياسية الذي أطلق عليه اسم «العقد الضائع» كان هو الأكثر إيلاماً.
فمنذ انقلاب 2006 الذي أطاح برئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا، شقيق ينغلوك الذي يعيش حالياً في المنفى، تنقلت السلطة بين حكومات منتخبة ترتبط به وحكم الجيش ومؤيدي المؤسسة العسكرية.
وفازت أحزاب شيناواترا في جميع الانتخابات العامة منذ العام 2001، حيث حصلت على أصوات المناطق الريفية والطبقة العاملة في المدن من خلال سياساتها التي تعد بمزيد من الثروة والفرص. وأغضبت هذه الانتصارات الجيش وأصدقاءه السياسيين الذين يتهمون عائلة شيناواترا بتخريب البلاد من خلال الاحتيال والمحسوبية، وحاربها عبر الانقلابات والمحاكم.
لكن هذه المرة يتعلق الأمر في نظر النخب المتشددة في تأييدها للنظام الملكي وعلى رأسها الجيش، بتعزيز النظام خلال فترة غير مسبوقة من الغموض بشأن الملكية، بينما أدخل الملك بوميبول (88 عاماً) إلى المستشفى ولم يظهر في أية مناسبة عامة منذ أشهر.
وبعد الإدلاء بصوته في بانكوك دعا باريوت الشعب إلى التصويت، وقال: «هذه ديمقراطية فنرجو من جميع الناخبين المسجلين الخروج» للإدلاء بأصواتهم.
ومن بين أكثر مواد الدستور إثارة للجدل منح مجلس شيوخ يعينه المجلس العسكري ويشمل ستة مقاعد للقادة العسكريين، تخويلاً بتفحص النواب المنتخبين وزيادة سلطات المحاكم التي تتهم بالتحيز السياسي. كما تسهل مادة أخرى بدء إجراءات عزل رئيس الوزراء.
ويخشى معارضو المجلس العسكري من أن يقضي الدستور على الديمقراطية ويقيد السياسيين المنتخبين.
العدد 5084 - الأحد 07 أغسطس 2016م الموافق 04 ذي القعدة 1437هـ