العدد 5084 - الأحد 07 أغسطس 2016م الموافق 04 ذي القعدة 1437هـ

تنوينات الألوان كما يراها المحروس

التفاصيل البسيطة في تشكيلها للمشهد
التفاصيل البسيطة في تشكيلها للمشهد

القطيف (السعودية) - محمد آل عمير 

تحديث: 12 مايو 2017

تستفتح لحظة ما، بباب الضوء؛ لكن ليس كل باب يُفتح، هو بالضرورة باب مضيء؛ وأيضاً ليس كل باب مضيء هو بالضرورة باب بملامح وجدانية ومؤثرة في الإلهام والتأمل.

في مبدأ النظر من باب الضوء ينص المبدأ على أن ترى الأشياء والكائنات بروح القيمة وتجليات الجمال في الكون، أن تنبض عيناك بالتأمل المستمر للطبيعة، أن تتسع مداركك لألوانها؛ لحظاتها؛ مواسمها؛ أسلوب نموها؛ ومدى ارتباطها بنا نحن البشر، ونمونا معها أو بالأصح - مجازياً - علم نفس النمو للطبيعة وللناس المتأثرين بها.

حينها سنكوّن همزة وصل تصل بنا إلى الكثير من المعاني المستجدة في معجم الطبيعة الخضراء وما تتضمنه وتضمره من آفاق وأفياء وأرجاء، وفي مدى تناغمها وتعايشها مع الكثير من الكائنات ومنها نحن، نعم أنت أيها الكائن البشري العملاق بالنسبة للنملة والقزم بالنسبة لمساحة الأخضر بأتساع الأرض وإن تعددت الصياغة في وصفك، فإن المقصود هو شيء نسبي لتوصيف وظيفتك أمام محيطك في العالم الأخضر.

هُنا من باب الضوء المتجه نحو سيمفونية الألوان في الطبيعة، يتجه بنا الكاتب والفوتوغرافي حسين المحروس إلى دفتر يوميات يكتب فيه سطور الحكايا المكتوبة بروح الصورة المُلهمة بقسمات الألوان وهالة الأوراق وتجاعيد النخيل ونشيد البستان وتراتيل الماء.

نطل على شرفة التأملات في هذا التباين اللوني والتقسيم الوظيفي في مجهرية الأخضر والتكامل المشاعري والتنسيقات اللونية الهادئة للنفس، ورائحة الانشراح النابع من قسمات المعنى والتنوينات النابضة بالألوان التي تتخذ لنفسها سيادة «كاريزمية» في تأثيرها على روح المكان وتأثيرها على صياغة وتكوين حكاية وسيرة ذاتية لمَن أصبح المتكأ الأخضر أنيسه ولقمة عيشه وسنين عُمره.

كلها عوامل مؤثرة ما بين تمركز الحضور والوجود في قافية البُستان والنخيل المتكونة بشغف مُزَارع يحرث الأرض ويهندم فستان الأشجار والنخيل بنموذج هندسي فائق تُملي عليه ذاكرته وهويته وكيانه بوضع المخطط الذي يحفظ للطبيعة كينونتها وسيادتها؛ تظل هذه الصور كنسائم تفاؤل تمنحنا الحياة أن نعيشها ونتنفسها وأن ندعو ونناجي الخالق البديع أمام هذه الحضرة اللونية المتجددة بالعطاء والجمال والجلال.

وتستمر الحياة بتنوينات اللون في معجم الطبيعة؛ بالتحديد في معجم البُستان؛ حيث لكل وجهة لونية مفعمة بإلهاميات الماء هي ثيمة خضراء معنونة لتعريفها وتضمينها بإطار إنساني لما يتعلق بالكدح والعمل والتآلف الوفي لنخلة مع الإنسان وسيرة من وفاء إنسان للنخلة؛ تعريف لتجليات تسير في عمق المكان بحراثته، وترابه الذي تنمو عليه الأصالة والأشجار والخضار وتتوافد عليه الكائنات الصغيرة والطيور والفزاعة التي تحرس المحاصيل وتحميه نسبياً من وقع أقدام الطيور ومناقيرهم أثناء نمو الثمرات اليانعة.

هي سيرة لكاتب السيرة - حسين المحروس - يحاول فيها تكوين ثقافة بصرية موجزة وعميقة في ذات الوقت تتلخص في تعزيز الوعي بالوفاء مع الطبيعة والحفاظ على ما تبقى منها بقدر ما للاستطاعة من سبيل، وتكثيف حضورنا النفسي والعاطفي والسلوكي تجاه البُستان والنخلة وكل شجرة تنمو وتمنحنا أكسدة العطاء وأكسجينة التنفس باللون والضوء ويدا فلاح تقطف بشغف حصاد المواسم وتنبض عيناه ببسمة معجونة بطين الأرض التي يزرع فيها أمانيه وأحلامه قبل أن يزرع أي بذرة.

يضع بذرة من قلبه ضمن غلاف الانتماء؛ تنمو البذرة وينمو حبُه لأرضه؛ تكبر الشجرة، ويكبر هو معها، هي أحلامه التي تكبر معه، فكيف يهاجرها أو يرحل عنها، إلا إذا رحل هو عن أنظار الحياة، وتبقى النخلة هي المؤنسة له والسكينة التي ترافقه في سيرة الحياة.

حسين المحروس
حسين المحروس




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً