قلنا في الجزء السابق من مقالنا هذا ان فكرة مجموعة القِراءة هي أن تتفق مجموعةٌ من الأشخاص - ما بين 4 و12 شخصاً- على اختيار كتاب مُعيَّن، وأن يقوم كل فردٍ من المجموعة بقِراءة الكتاب لوحده، وفي وقته الخاص، وفي المكان الذي يختاره لنفسه، ومِنْ ثَمَّ تجتمع المجموعة في جلسة يتم تحديد موعدها وفق ما تراه المجموعة أو يقرّره مديرها، وذلك لمناقشة ما جاء في الكتاب من أفكار ورؤى ومعلومات.
وعرضنا في الجزء الأول من المقال لأهداف مجموعة القراءة وأنواع مجموعات القراءة، وفي هذا الجزء سنعرض لصفات المدير الناجح لجلسات مجموعة القِراءة وطُرُقِ اختيار هذا المدير، وكذلك كيفية تكوين مجموعات القِراءة وعدد أعضائها، ومعايير اختيار أعضاء مجموعة القِراءة، وترتيبات عقد جلسة الحوار ومدتها ومكانها، وفترات عقد جلسات النقاش، وهل يسمح بحضور الضيوف أم لا؟
فمدير المجموعة هو العنصر الأكثر أهمية لنجاح جلسات مجموعة القراءة، ويجب أن يكون المدير قارئاً جيداً، وأن يكون قد قرأ الكتاب المراد مناقشته قراءةً تحليليةً مُعمَّقةً، كما يجب أن يكون هو بدوره مستمعاً جيداً. ومن نافلة القول أنه يجب أن يكون أكثر الأعضاء التزاماً بالوقت والانضباط، ويجب أن يُحسن إدارة جلسة النقاش، وهذا يتطلب أن يكون قادراً على التعامل مع الأنواع المختلفة من البشر، كما يجب أن ينتبه لما يُبتلى به كثير من مديري الاجتماعات من آفة الاستئثار بالحديث، والكلام طوال الوقت. وتُفضِّل بعض المجموعات تداول رئاسة إدارة الحديث فيما بينهم، لاسيما إذا كانت المجموعة تضم كفاءات علمية متميزة، وهذا يضيف ميزةً أخرى لأعضاء مجموعات القِراءة؛ وهي اكتساب مهارة إدارة الاجتماعات.
والطريقة المثلى لاختيار مدير المجموعة هي التشاور بين أعضاء المجموعة، فإن حَصل إجماع وإلا لجأوا للتصويت.
أما كيفية تكوين مجموعات القِراءة فتنبثق من قارئ طموح، فيتصل بمن يأمل مشاركتهم ويدعوهم لحضور جلسة تعريفية، ومِنْ ثَمَّ يناقِشون الفكرة ويتفقون على الوقت والمكان والكتاب، وحسن اختيار الأعضاء هو العامل الأهم في استمرار النشاط.
وفيما يخص عدد أعضاء مجموعة القِراءة فينبغي ألا يقل عن أربعة أعضاء، حتى لا يؤدي ذلك إلى تقليل الآراء وقلة تنوعها، كما أن صِغر عدد الأعضاء يؤدي إلى خروج المشاركين بقليل من المردود المعرفي، ويفضل ألا يزيد العدد على 12 عضواً حتى يُعطَى كل عضو في المجموعة حقه في النقاش، وحتى لا يطول وقت الجلسة عن ساعتين، ما يؤدي إلى الإرهاق الفكري والبدني، إضافةً إلى أن طول مدة الجلسة له عواقب سلبية على استمرار النشاط. وإجمالاً فإن العدد المثالي للحضور هو سبعة أشخاص -ادعُ عشرةً وسيحضر سبعة- ومع عددٍ أقل من أربعة لن يتوفر ما يكفي من العقول من أجل توليد مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأفكار، وإذا زاد عدد الحضور عن سبعة أفراد فلن تتاح لكل مشارك فرصة كافية للمساهمة وأن يدلو بدلوه في النقاش.
أما معايير اختيار أعضاء مجموعة القِراءة؛ فأولها هي أَهْليَّة المشارك لدخول المجموعة؛ بمعنى أن العضو يجب أن يكون ذا فائدة للمجموعة بما يملك من تخصص أو ثقافة في الموضوع المطروح، لذا فليس كل عضو في المجموعة سيكون بنفس الفعَّالية في كل الجلسات، لأن ذلك سيعتمد كثيراً على موضوع الكتاب، وهل يقع ضمن تخصص هذا العضو أو اهتمامه. ثاني المعايير هي الجدية والاهتمام، فغير المهتم لا يلتزم بالقراءة ولا بالحضور؛ وثالث المعايير هو النية الحسنة لإنجاح النشاط، وذلك أن صاحب النية الحسنة لن يَصدر عنه مِن سلوكيات إلا ما يفيد المجموعة، وخير مرشد في هذا المجال هو أن يكون العضو مؤمناً بفوائد مجموعة القِراءة، وليس له هدف خاص يُجَيِّر مشاركته من أجل هذا الأجندة الخفية. وليس أفضل من نية القيام بهذا النشاط قربة لله تعالى.
وقد تسأل، هل الأفضل أن تكون المجموعة متجانسةhomogeneous فكرياً أم متغايرة heterogeneous؟
والجواب: إنْ كان الموضوع يتطلب إبداعاً وتفكيراً غير نمطي، فالمجموعات المتغايرة هي الأجدى والأكثر إنتاجية، أما إذا كان الموضوع جدلياً – كالسياسة والدين- فالمجموعات المتجانسة أكثر نفعاً وأدعى لأن تستمر جلسات الحوار.
وفيما يخص ترتيبات عقد جلسة الحوار، يقوم العضو المكلَّف بإجراءات ترتيب مكان الجلسة، ودعوة الأعضاء قبل وقت كافٍ مستخدماً وسيلة اتصال فاعلة تضمن وصول الدعوة للجميع.
والمدة الفضلى لجلسات الحوار هي ما بين ساعة إلى ساعتين، وذلك اعتماداً على موضوع الكتاب المطروح وعدد المشاركين ومدى استعدادهم للبقاء وقتاً أطول. أما مكان عقد الجلسة فيجب أن يكون هادئاً ومتسعاً ومريحاً يسمح بجوٍ تفاعلي يساعد على نجاح النقاش.
وبخصوص المدة الزمنية الفاصلة بين جلسات النقاش، فتعتمد على حجم الكتاب ورغبة الأعضاء ومدى انشغالهم، وبصورة عامة فإن كتاباً كل شهر هي فترة مناسبة لأغلب المشاركين، لكن مجموعة المتقاعدين قد يرغبون في عقد جلسةٍ كل أسبوع مثلاً.
ولك أن تسأل: هل يسمح بحضور الضيوف أم لا؟ والجواب أن ذلك يعتمد على نوع الضيف، فمِن الضيوف من يزعجك ويُعكِّر صفو الجلسة كخَلٍ أُضيف إلى عسلٍ فأفسده، ومنهم كَلَيمونٍ أضيف إلى طبق (باجة) فزانه. وعلى كلٍ فإن الضيوف سيحضرون كمستمعين وليس كمشاركين.
في الجزء الثالث من المقال، سنعرض لمعايير اختيار كتابٍ للقِراءة والنقاش لجلسات مجموعة القِراءة، والتحديات والعقبات التي قد تنشأ خلال جلسات مجموعة القِراءة، والاحتياجات الأساسية اللازمة لعقد جلسات مجموعة القِراءة، وترتيبات عقد الجلسة، واقتراح مجموعة من الكتب للبدء بها في مجموعات القِراءة، فإلى اللقاء.
إقرأ أيضا لـ "جاسم الموالي"العدد 5081 - الخميس 04 أغسطس 2016م الموافق 01 ذي القعدة 1437هـ
انت رائع دكتور جاسم!
فكرة غنية. نحتاج فعلا لتنشيط مثل هذا النوع من الجلسات الفكرية والحوارية لبناء الجسور بين الاجيال المختلفة وتحقيق ثمار القراءة ما امكن
جهد طيب
موضوع يستحق القراءة
جميل جدا بالتوفيق ...ياليتنا نكون معكم