العدد 5080 - الأربعاء 03 أغسطس 2016م الموافق 29 شوال 1437هـ

حنان ناصر لـ «الوسط»: النفط والذهب جناحا الاستقرار الاقتصادي العالمي... والاستثمارات المالية تحتاج إلى حذر وتخطيط

حنان ناصر
حنان ناصر

لطالما أثار الذهب الأصفر ببريقه والأسود بعتمته جدلاً واسعاً في الأوساط العالميّة الاقتصادية والسياسية؛ نظراً لما يتمتعان به من مقومات ومميزات أدت بهما إلى التربّع على عرش الاقتصاد والأسواق العالمية عقوداً من الزمن. فالنفط مثلاً يُشكل أهمية بالغه للنمو الاقتصادي للدول المستوردة والمصدرة على حد سواء، إذ يلعب دوراً رئيسياً ليس فقط في النمو الاقتصادي للدول، بل تمتد تأثيراته لتزيد من توتر واستقرار العلاقات الدولية. أما الذهب ‏فهو يلعب دوراً حيوياً في عالم الاقتصاد الدولي باعتباره المعدن النفيس ‏القادر على تنويع المحفظة بشكل جوهري، وأيضاً باعتباره عنصراً هاماً للصناعة، وتأمين الأصول الاحتياطية والنقدية وكذلك الاستثمارية.

حول أهمية هاتين الثروتين وتأثيرهما على الاقتصاد العالمي كان لنا هذا الحوار مع الباحثة الاقتصادية والخبيرة البحرينية في مجال الطاقة حنان ناصر.‏

بداية نودّ أن نسأل هل من رابط واضح بين النفط والذهب وعلاقتهما بالاستقرار الاقتصادي العالمي؟

- للإجابة عن هذا السؤال يقتضي أن نُجزّئ المسألة؛ فأولاً تجب الإشارة إلى مسألة النفط كعنصر أساسي من عناصر النمو الاقتصادي، وما يدور حوله من صراعات. فالأكيد أن الحروب وحالات عدم الاستقرار السياسي هي نتيجة الاختلال الاقتصادي في الدرجة الأولى، كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية والحروب الإقليمية الأخرى؛ من أجل السيطرة على الثروات الأساسية والطبيعية ومنها النفط.

وهو ما أثر وسيؤثر على ثبات أسعاره بالتأكيد؛ أليس كذلك؟

- ثبات حركة أسعار النفط واختلالها عملية معقدة جداً؛ بسبب تداخل العديد من الأسباب المؤثرة. فمثلاً، ارتفاع أسعار النفط يتمثل في: نقص القدرات الإنتاجية، وضعف المخزون في الدول خارج «أوبك»، إضافة الى التقلبات والتغيرات السياسية التي تلعب دوراً مهماً في ارتفاع أسعار النفط مثلما حدث في بداية الغزو الأميركي للعراق، كما تلعب المضاربة في سوق النفط دوراً مهماً في تحديد الأسعار، وكذلك قدرة المصافي على تأمين الكمية الكافية للسوق، والاضطرابات الأمنية في بعض الدول المنتجة، والمخاوف من أعمال عسكرية.

لكن دعني أضيف على ما بدأته عن النفط كـ شق واحد من معادلة الاستقرار الاقتصادي. حيث هناك عنصر آخر لا يقل أهمية عنه وهو الذهب. فهذا المعدن الثمين ‏يلعب دوراً حيوياً في عالم الاقتصاد، فبالإضافة إلى ما تفضلتَ به في المقدمة، فإن الذهب يتميز بكونه عنصراً فريداً من نوعه، عالي السيولة، تحرص جميع البنوك المركزية والدولية والمؤسسات المالية على التوجه لاقتناء كميات احتياطية كبيرة منه لعدة أسباب مثل: تنويع الاستثمار، وتهيئة صمام أمان للتوازن الاقتصادي لما له من قوة شرائية واسعه، وتوفير السيولة، والمحافظة على القيمة النقدية لرؤوس الأموال، وكذلك للتأمين ضد الأزمات الاقتصادية؛ لما له من قبول واسع في تحدي تضخم الأسعار.

وهل هناك تقلبات في أسعار الذهب كتلك التي تحصل لأسعار النفط؟

- بالتأكيد قد ترتفع أسعار الذهب بشكل عام نتيجة لنقص الإنتاج بالدرجة الأولى، مما يؤدي إلى نقص المعروض منه؛ وذلك بسبب توقف بعض الدول المنتجة عن زيادة إنتاجها من الذهب وطرحه لأسباب عدة. وهنا يلاحظ وجود علاقة عكسية بين كمية الذهب المعروضة والسعر، فكلما انخفض المعروض ارتفع السعر والعكس صحيح. إضافة الى تأثير انخفاض أسعار الفائدة في أسعار الذهب. فمن الثابت في حال انخفاض أسعار الفائدة أن يلجأ الأفراد إلى تحويل المدخرات النقدية لديهم إلى ذهب، وذلك من منطلق أن الذهب يتميز بثبات القيمة حتى في أوقات الأزمات واندلاع الحروب والاضطرابات الدولية، التي تؤثر في أداء الاقتصاد العالمي، إضافة إلى إمكانية التأثير في أسعار الذهب بالارتفاع من خلال زيادة كمية الاحتياط الموجود لدى الدول المتقدمة، في حال وجود دوافع ومؤثرات سياسية من جانب هذه الدول.

إذاً، العلاقة بين النفط والذهب وتأثيراتهما الاقتصادية تكاد تكون علاقة عضوية؟

- نعم، هذا صحيح. ولو تابعت جميع الدراسات الاقتصادية المحكّمة، سترى أن الذهب والنفط نالا اهتماماً كبيراً من قِبل الباحثين والمتخصصين في هذا المجال لاكتشاف العلاقات الاقتصادية بينهما وبين الكثير من المتغيرات الاقتصادية الأخرى. ولذلك تأتي أهمية دراسة العلاقة بين الذهب والنفط لمعرفة مدى تأثير كُلٍ منهما على الآخر. و‏من خلال العديد من الدراسات الاقليمية والعالمية، توصل الخُبراء لنتيجة هامة تبلور أسرار العلاقة الوطيدة بين أسعار الذهب والنفط نتيجة لارتباطهما بالدولار الأميركي من ناحية، ولأن سعر النفط ذو علاقة بإنتاجية معظم السلع من ناحية أخرى؛ نظراً للدور الحيوي الذي يلعبه في العملية الانتاجية. ولذلك فإن ارتفاع أسعار النفط يرفع أسعار الكلفة الانتاجية سواء عن طريق الانتاج أو النقل أو غيرهما، مما يؤثر بشكلٍ مباشر على أسعار السلع المحلية والعالمية سواء بالارتفاع أو الهبوط. ‏بمعنى آخر فإن توازن العلاقة ما بين أسعار النفط والذهب تحفظ الاستقرار الاقتصادي للدولة والمنطقة بشكل عام واختلالها قد يكون إنذاراً جاداً لعاصفة اقتصادية قادمة.

هل من توصيف علمي رافق تلك العلاقة بين النفط والذهب، ووُجِدَ له مصاديق على الأرض؟

- بالتأكيد حصل مثل ذلك. وللتعرف عن قرب على هذا النوع من العلاقات وقياس تداعياتها على الاقتصاد العالمي يستوجب علينا تذكر الأحداث الاقتصادية التي مكنت الباحثين من الخوض في تفاصيل هذه العلاقة. هنا يمكنني أن أشير إلى عدة ملاحظات. أولاً: من خلال تحليل المعلومات الصادرة عن أسعار الذهب والنفط من شركة Bloomberg، يتضح أنه عند ارتفاع أسعار الذهب تحدث طفرات في أسعار النفط وتتجه الأسعار في الاتجاه ذاته. ففي الربع الأول من عام 2005 على سبيل المثال وصلت أسعار البترول إلى مستويات عالية تخطت حاجز الخمسين دولاراً حتى بلغت نحو 60.55 دولارا للبرميل. وفي الوقت ذاته كانت أسعار الذهب تواصل ارتفاعها حتى بلغت في ابريل من عام 2007 الى نحو 428.93 دولارا للأونصة، ثم وصل سعر البرميل في أكتوبر من العام ذاته الى 93 دولاراً ووصل سعر أونصة الذهب الى 777 دولاراً، أي أن ارتفاع مقياس النفط يدفع الذهب نحو الارتفاع. ثانياً: فإن ارتفاع أسعار النفط يؤدي إلى ارتفاع حصيلة الدخل القومي للدول المنتجة، ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى دخل الأفراد، الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع مستوى المعيشة، ما يتيح للأفراد في هذه الحالة موارد تنفق على إشباع الحاجات الأساسية والضرورية، ثم بعد ذلك يتجهون نحو إشباع حاجاتهم إلى الكماليات ومنها الذهب، فيزيد الطلب عليه؛ وبالتالي ترتفع أسعاره، إضافة إلى استخدامه كأداة مهمة آمنة للاستثمار والاحتياط للمستقبل، بعيداً من المشاكل التي تنجم عن الاستثمار في الأسهم والسندات والمضاربات.

أمر أخير يمكن أن أشير إليه هنا، وهو أنه وفي بعض الأحيان يلجأ المضاربون الكبار في البورصات العالمية للذهب إلى رفع أسعاره؛ رغبة منهم في امتصاص الزيادة التي حدثت في حصيلة العائدات البترولية والناتجة من ارتفاع أسعار البترول. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار الذهب والبترول له عوامل ومحددات ترتبط بمدى الارتفاع أو الانخفاض في أسعار كل منهما، تخرج عن نطاق العرض والطلب.

إذا ما أردنا أن نقيم معادلة في القيم الحقيقية لكل من النفط والذهب فأيهما يرجح على الآخر؟

- عند قياس النفط بأوقية من الذهب، فإن أوقية من الذهب كانت تعادل 17 برميلاً من النفط طيلة الخمسين عاماً السابقة، إلا أن القيمة الشرائية للذهب سجلت ازدهاراً ملحوظاً في العام الجاري، والذي بلغ قدره 47 برميلاً للأونصة الواحدة من الذهب في فبراير الماضي لتستقر عند 27 حالياً.

إذاً الفجوة كبيرة بينهما؟

- الفجوة كبيرة لكنها تُقاس عن طريق حساب المعدل وربطه بحالات الاستقرار والانهيار الاقتصادي العالمي. وقد لوحظ بأن ازدياد هذا المعدل لا يُلقي بالظلال فقط نحو ازدياد الفجوة ما بين أسعار الذهب والنفط، بل يُنذر بأزمات اقتصادية عالمية كما أفاد باكمير، رئيس المعهد الأوروبي لمعايير الذهب. فبالنسبة للمراقبين الاقتصاديين، فان هذه النسبة تعكس ثقة المستثمرين بالأسواق العالمية وخصوصاً في ظل الظروف الراهنة والتي تشهد تباطؤاً شديداً في النمو الاقتصادي لدى العديد من الدول، وخصوصاً الدول النامية كالهند والصين، وارتفاع الدين العام، والنمو المذهل لعرض النقود. إذْ تشير البيانات الصادرة عن The World Bank بأن مؤشر عرض النقود M2 قد ازداد بشكل ملحوظ من 6.8 تريليونات دولار الى 12.7 تريليون دولار في العشر سنوات الأخيرة والذي يضعف بالتالي من القوة الشرائية للعملة. في مثل هذه الظروف، ينبغي أن يتجه المستثمرون للأسواق والأنشطة الآمنة والتي قد لا تخلو من المخاطر ولكن تمكن المستثمر من التحكم نسبياً بصمامات أمان تمكنه من حفظ رؤوس الأموال.

فعلى الرغم من نزول قوة الذهب الشرائية للنفط كما ذكرنا، الا أن الأمور مازالت غامضة في المنطقة بشكل عام وخصوصاً أن هذه النسبة ما تزال تعد مرتفعة. فالمنطقة تشهد الكثير من العوامل المؤثرة على كلا السلعتين (الذهب والنفط) كالتغييرات والضغوطات الجيوسياسية، وضعف دور منظمة الأوبك في تولي زمام انتاج النفط والتحكم في كميات العرض في السوق، وموجات النزاعات الداخلية وكذلك الأعداد الضخمة للاجئين.

سؤالي الأخير سأفرده حول ما يقوله بعض المراقبين الذين يتحدثون عن ارتفاع ملحوظ في متوسط مؤشر نسبة القوة الشرائية للنفط بأوقية من الذهب، هل هناك مؤشرات واضحة في ذلك؟

- منذ أزمة الأوبك في عام 1982 حتى يومنا هذا، لم تشهد هذه النسبة مثل هذا الارتفاع الشديد، وهو ما أدى الى اثارة مخاوف العديد من المستثمرين. فعلى سبيل المثال، فان الملياردير جورج سوروس من دافوس لم يقارن فقط بالوضع العالمي المالي الحالي مع الأزمة الاقتصادية التي تسببت في انهيار الأسواق الماليه في عام 2008، بل حذر أيضاً قبل فترة بأن الاتحاد الأوروبي على «حافة الانهيار» بسبب أزمة المهاجرين، وأنها على حد قوله تعاني من «خطر ركل الكرة من أعلى التل» في إدارتها لهذه القضية التي أدت إلى إزاحة أكثر من مليون مهاجر ولاجئ للمنطقة في عام 2015. كما صرح روي سيباج، مدير استثمارات ومناقصات صندوق التحوط الكندي وكذلك مؤسس ورئيس تنفيذي ومالك لـ 53 بالمئة من الموارد الطبيعية القابضة المحدودة في إحدى شركات الأوراق المالية، بأن عدد الأشخاص الذين يسعون للخروج من النظام المصرفي للسعي للدخول بالمقابل الى Bitgold/ Gold Money؛ أي شراء الذهب بشكل آمن وسهل عبر الانترنت، في تزايد كبير جداً الآن مما ينذر بتوخي الحذر التام في التخطيط لأي نوع من الاستثمارات المالية.

العدد 5080 - الأربعاء 03 أغسطس 2016م الموافق 29 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً