هناك أناس لا يحركون ساكنا ولا يعيشون متحركا، فتساوت معهم حالة الحركة والسكون، فهم يعيشون على الهامش، او يعيشون الحياة بلا حياة، ربما بخيارهم ان يجلسوا على دكة الاحتياط، أو أن لا ذنب لهم، فالآخرون هم من همشهم وجعلهم يعيشون في حالة الاستثناء، ليبقى السؤال هل نعيش لنتواجد، ام نتواجد لنعيش؟
يعرف الهامش لغويا على انه اسم فاعل من همش أي؛ خارجا عنه أو بمعزل منه، وجاء في تاج العروس لأبي الفيض مرتضى الزبيدي بأن يقال همَش الرجل: أكثر الكلام في غير صواب، فهو هامشيا وفي غير محله. أما اصطلاحا فيعني الهامش حاشية الكتاب، وهو الجزء الخالي من الكتابة، ويدرج فيه عادة مصادر المعلومات الموجودة في النص، أو إضافة معلومات وشروح خاصة. كما يستخدم مصطلح الهامش في حقول علمية عدة، ففي عالم الطيران يستخدم الهامش الساكن لوصف استقرار الطائرات والصواريخ وتحكمها الثابت، اما هامش الخطأ فهو مصطلح إحصائي يعبر عن مقدار الخطأ في العينة العشوائية في نتائج الاستقصاءات، وفي علم الطب والصيدلة فإن الهامش العلاجي يعني الفرق بين التركيز البلازمي الأقصى للدواء والذي يشكل عتبة التسمم والتركيز البلازمي الادنى الذي يشكل عتبة الفعالية. أما الهامش في مجال التجاري فهو العربون أو التأمين المسترد عن السلعة التي اختيرت للمتاجرة بها، يقوم التاجر بدفعه للحفاظ على مراكز تداوله المفتوحة، فهو ليس عمولة أو رسوم تداول، إنما جزء من الأموال المودعة في حساب الشريك يتم تحييدها جانبا واعتبارها إيداع الهامش. فالهامش في كلها ما يؤخذ احتياطا في الحسبان.
يعتقد بعض الناس انهم يعيشون على الهامش، فيقول استاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة ستانفورد الأميركية ألبرت باندورا: «إن مستوى حماس الناس وحالتهم الشعورية وإنجازاتهم تعتمد على ما يعتقدون عن أنفسهم أكثر مما هو حقيقي على أرض الواقع»، فهم يرون أنفسهم بأنهم أقل من غيرهم شأنا، وإن قدراتهم وإمكاناتهم لا تؤهلهم للمشاركة في صنع الحدث، وتغيير أنفسهم والعالم من حولهم، هم يشعرون بقلة الحيلة، وأن قدرهم أن يكونوا مهمشين، لذا يعيشون على هامش الحياة.
في روايته على هامش الأرصفة يكتب الروائي السوداني عبدالعزيز بركة ساكن، حكايات لشخوص تعيش قسوة الحياة، وشظف العيش، شخوص لم يحلموا بأكثر مما يستحقون، ولم يريدوا سوى أن تتحسن ظروف معيشتهم بأكثر من أحلام، فيصف أحدهم في روايته «لم أحلم في يوم ما حلما مستحيلا، أو بأكثر مما أستحق، أحلامي بسيطة متواضعة، لدرجة أن الكثيرين كانوا يسخرون مني إذا عرفوا أن حلمي لا يتعدى مئة دولار... أرسلها بالبريد إلى أمي نهاية كل شهر».
هناك أناس ولدوا وهم مهمشين في البلدان الأكثر فقرا وعوزا، فعندما لا تتوافر لديهم أسباب العيش والسكن الكريم في المدينة؛ بسبب سوء إدارة السلطة المحلية للشئون العامة، فإنه سيضطر إلى أن يكون من سكان المقابر في حياته قبل مماته، بل آثر بعضهم أن يعيش في أماكن ليس لها عنوان وما تعرف بالعشوائيات، مكونين بذلك مجتمعا جديدا ينتشر فيه العنف والجريمة، مجتمعا دون هوية ودون تسمية ودون نظام، بل خارج عن القانون؛ لأنه ببساطة يعيش حالة من التهميش فرضته عليه الدولة والمجتمع والدنيا بأسرها.
العيش على الهامش ليس محلها العالم الواقعي، بل تعداها إلى العالم الافتراضي خلال وسائط التواصل الاجتماعي والمدونات، والتي اعتبرها الناقد السعودي محمد العباس بأنها ضجيج على الهامش، باعتبار أنها ظاهرة قائمة على حد اعتقاده محاولة للحضور لا أكثر ولا أقل، بينما عملية التدوين بحاجة إلى نخب وعقول، إذ إنه يرى على حد قوله «غالبية المنساقين وراء ظاهرة المدونات هم من القادمين من خارج المشهد، سواء كان المشهد ثقافياً أو سياسياً أو اجتماعياً، بينما الطاقات الفاعلة في هذه المشاهد مازالت تجد مكانها في المطبوعات والمنابر المعترف بها، وتجدها في المواجهة المباشرة».
سيبقى الهامش في حياتنا طويلا أو قصيرا، طبقناه على أنفسنا أو على من حولنا أو على جزء من أولوياتنا أو اهتماماتنا، لكن المفارقة تكمن متى، وعلى من، وعلى أي مدى. حينها نفكر هل الهامش جزء منا؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 5079 - الثلثاء 02 أغسطس 2016م الموافق 28 شوال 1437هـ
شكرا لكاتبتنا الجليلة..ياريت ايضا تمتعينا بكتابتك الدينية فأنا اشتاق لأسلوبك في مواضيع الدين..
..
وعلى هامش صحيفة الوسط أقرأ إبداعاتكم التي تستحق الشكر والثناء
...
شكراً للكاتبة على هذه المواضيع الشيقة والمفيدة