الاضطرابات الزلزالية التي تغير وجه الصناعات بالكامل عادةً ما تستغرق عدة أعوام حتى تكتمل، لكن في بعض الأحيان، تنفجر آثارها خلال أسبوع واحد مُزلزل ، وفق ما نقلت صحيفة الأقتصادية السعودية اليوم الإثنين (1 اغسطس / آب 2016).
هذا كان هو الحال في غضون أربعة أيام هذا الأسبوع، عندما مرت هزة عبر صناعة الإعلان الرقمي. ابتداءً من بيع شركة الإنترنت العزيزة السابقة شركة ياهو إلى شركة فيرايزون، ثم هزّ منصة تويتر إلى انتكاسة أخرى، وانتهاءً بالأرباح القوية بشكل مفاجئ من شركتي فيسبوك وجوجل، هذا الأسبوع سلّط الضوء على التحوّل الكبير في القوة التي تحدث في عالم الإعلان.
وسوف تستمر في الانتشار على نطاق أوسع في أعمال وسائل الإعلام التقليدية. الإعلان الرقمي من المتوقع أن يتفوق على سوق الإعلان التلفزيوني العالمي البالغة 200 مليار دولار خلال العامين المُقبلين، ليضمن أن الاحتكار الثنائي الجديد لصناعة وسائل الإعلام الرقمية سوف يُمارس سلطة أكبر حتى من قبل.
باستثناء الصين، حيث لا تعمل شركتا فيسبوك وجوجل - 72 في المائة من الإعلان على الإنترنت في العالم، يمر بالأصل عبر منصات فيسبوك وجوجل - وذلك وفقاً لبريان ويزر، المحلل في شركة بايفوتال للأبحاث. في الوقت الذي تنمو فيه الكعكة الرقمية، من المُقرر أن تحصل الشركتان على شريحة أكبر بكثير، لترتفع إلى 87 في المائة بحلول نهاية العقد الحالي، كما يتوقع.
هذا سوف يُثير المخاوف في نفوس المنافسين الخائفين في بقية عالم وسائل الإعلام، لكن يقول يوسف سكوالي، محلل الإنترنت ووسائل الإعلام في شركة كانتور فيتزجيرالد، إنه من غير المرجح أن يعترض المُعلنون، ويقول إنه على الرغم من أن المعلنين يشعرون بالاستياء من هيمنة شركة جوجل، إلا أن الفعالية الهائلة للمنصة أدت إلى إعادة تسارع أعمال البحث في الشركة في هذا الربع.
في الوقت الذي تبتلع فيه منصاتهما الإعلانية القائمة مزيدا من الإنفاق من قِبل أكبر العلامات التجارية في العالم، يتوقع أنه سيتم استثناء "طبقات كاملة" من التكاليف للمسوّقين من خلال مستويات الأتمتة التي من شأنها تدمير أجزاء من عالم الإعلان التقليدي.
عملية استحواذ شركة فيرايزون على ياهو مقابل 4.8 مليار دولار يوم الإثنين الماضي، بعد عملية الشراء العام الماضي لشركة أمريكا أون لاين، تُمثّل محاولة لبناء قوة ثالثة لديها نطاق واسع للوقوف في وجه هيمنة شركتي جوجل وفيسبوك. مُسلّحة بتكنولوجيا الإعلانات في شركة أمريكا أون لاين، والعلامة التجارية والجمهور على الإنترنت في شركة ياهو - فضلاً عن البيانات التي تملكها حول زبائن الهاتف الخلوي فيها - تأمل شركة فيرايزون في بناء شبكة يُمكن أن تتنافس مع كفاءة وحجم أكبر منافسيها.
غير أنها لا تملك الكثير من الوقت. بعد البقاء مستقرة تقريباً لعدة أعوام، انخفض صافي إيرادات الإعلانات في شركة ياهو بنحو 20 في المائة في الأشهر الستة الأولى من هذا العام بسبب اندفاع المستخدمين نحو الأجهزة الخلوية. ويقول ويزر إن عملية بيع ياهو هي بمثابة تسليط الضوء على أهمية تويتر باعتبارها الرقم أربعة الواضح في مجال الإعلان الرقمي. بعد يوم من الصفقة، حذّرت شركة تويتر أنها تتوقع تباطؤا حادا في أعمال الإعلانات الخاصة بها، الأمر الذي أثار شكوكاً جديدة حول قدرتها على البقاء كمنصة مستقلة.
وكما لو أن الأمر يحدث بناء على إشارة معينة، فإن شركتي فيسبوك وجوجل تابعتا بأرباحهما الربعية التي مرة أخرى أظهرت هيمنتهما على الإعلان الرقمي. نمو شركة فيسبوك بنسبة 63 في المائة كان ثلاثة أضعاف نمو شركة جوجل - لكن، مع حجمها الهائل، أضافت شركة جوجل 3.8 مليار دولار من الإيرادات الإضافية في هذا الربع، أكثر من شركة فيسبوك بنسبة 50 في المائة.
كلتا الشركتين أيضاً تستمران في التطلّع بقوة إلى أفق أبعد حتى في الوقت الذي تسعى فيه الشركات المنافسة للحاق بالركب. سوندرا بيشاي، الرئيس التنفيذي في شركة جوجل، قال إن شركة البحث هي على حافة التحوّل الذي من شأنه تشكيل تقدّمها خلال العقد المُقبل، باستخدام شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي المعروف باسم تعلّم الآلة الذي سيجعل جميع خدماتها تقريباً أكثر فعالية. ومارك زوكربيرج، رئيس شركة فيسبوك، سلّط الضوء على مجموعة من منصات الإعلان في المستقبل، من رسائل الهاتف الخلوي إلى الواقع الافتراضي، الذي سيُغذّي نموها لأعوام.
حتى من دون مثل هذه التكنولوجيا الطموحة، طفرة في إعلانات الهاتف الخلوي على المدى القصير من المرجح أن تؤكد نموهما، على الرغم من أن بعض القيود قد تبدأ في الظهور. كلتا الشركتين كانتا تجمعان مزيدا من الإعلانات في خدمات الهاتف الخلوي الأساسية التابعة لهما خلال العام الماضي، وهو ما يزيد "حِمْل الإعلانات" على المستخدمين - العدد الإجمالي من الإعلانات الذي تستطيع الشركة إظهاره عند البحث أو صفحات وسائل الإعلام الاجتماعية.
وقالت شركة فيسبوك هذا الأسبوع إنها تتوقع أن تصل الحد الأقصى بحلول هذا الوقت من العام المُقبل، ونموها سيبدأ بالتباطؤ نتيجة لذلك.
تجربة شركة جوجل تُشير إلى أنه حتى من دون زيادة عدد الإعلانات على الهاتف الخلوي، قد لا يزال هناك عديد من الطرق لتحسين فعاليتها - وبالتالي ربحيتها.
وقال بيشاي إن جوجل تمكّنت من إدراج أشكال جديدة من الإعلانات في خدمات الهاتف الخلوي المختلفة التابعة لها، مثل الإعلانات المحلية الموجودة على خرائطها، دون إلحاق الضرر بمقاييسها فيما يتعلّق "بسعادة المستخدمين".
جنباً إلى جنب مع صعود الهاتف الخلوي، كلتا المجموعتين تتحركان بسرعة لوضع نفسيهما في المكان المناسب من أجل موجة متوقعة من إعلانات الفيديو الرقمية. بقيمة 10 إلى 15 مليار دولار، يقول سكوالي إن إعلانات الفيديو على الإنترنت لا تزال بالكاد تظهر على الشاشة مقارنة بالتلفزيون.
زوكربيرج قال هذا الأسبوع إن شركة فيسبوك تُعيد تشكيل جميع تطبيقاتها وخدماتها مع أخذ الفيديو في الاعتبار، وأشار إلى أنه خلال نحو خمسة أعوام قد يكون الفيديو هو الطريقة الأساسية التي يرغب فيها المستخدمون بالتواصل واللقاءات الاجتماعية والحصول على الترفيه.
تقول ديبرا أهو ويليامسون، المحللة في شركة إي ماركيتر، "التلفزيون لا يزال يشكل أعمالا ممتازة - لكن [صناعة التلفزيون] ينبغي على الأقل أن تشعر بالقلق قليلاً الآن. كلما أدخلت فيسبوك وجوجل الفيديو أكثر في منصاتهما، سيحصل مشترو الإعلانات على خيارات أكثر".
في الوقت نفسه، تعزيز عديد من صيغ الإعلانات الجديدة كان استحداث ما يُسمى تكنولوجيا "البرامج" التي تقوم بأتمتة التجمّع في الوقت الحقيقي ومزادات المساحات الإعلانية.
مع وجود بيانات أفضل عن مستخدميها، جنباً إلى جنب مع الأحجام الهائلة من المخزون الذي يوفّر السيولة لأسواقهما، كل من شركتي جوجل وفيسبوك كانتا قادرتين على تحسين التسعير وفعالية وضع الإعلانات الرقمية - على الرغم من أنه في حالة شركة فيسبوك، كانت التكنولوجيا تقتصر في الأساس على بيع مخزونها من الإعلانات الداخلية المزدهر. هذه الأدوات البرمجية يُمكن أن تمنحهما ميزة متزايدة في الوقت الذي تُسيطران فيه على أشكال جديدة من الإعلان. هذا الأسبوع، على سبيل المثال، لمّح زوكربيرج إلى أن شركة فيسبوك قريبة من الكشف عن خدمة إعلانات لدعم شركة إنستانت أرتيكلز، شريكتها على الهاتف الخلوي مع شركات نشر الأخبار.
شركة فيسبوك لم تقُل كيف ستعمل مثل هذه الخدمة أو أية حصة ستحتفظ بها من الإعلانات التي تضعها في شركة إنستانت أرتيكلز. يُجادل بعض المحللين بأن بياناتها المتفوقة عن مستخدميها ستجعل أخذ شركات النشر لإعلانات فيسبوك، إلى جانب مقالاتها أكثر ربحية من بيع الإعلانات الخاصة بها، حتى بعد أن تأخذ شركة فيسبوك حصتها.
إذا كان هذا صحيحاً، زاوية واحدة أخرى من عالم وسائل الإعلام التقليدية ستكون قد دخلت إلى المنصات الآلية على الإنترنت في سليكون فالي - وستكون مجموعة أخرى من مندوبي مبيعات الإعلانات السابقين يبحثون عن وظائف.