بدأت الألعاب الاولمبية في أثينا وسط جلبة إعلامية أحاطت بالعدائين اليونانيين كوستاس كنتيريس وايكاترينا ثانو، اللذين تهربا من فحوص لكشف المنشطات.
انتهت في استاد باناثينايكوس، الذي شهد العاب دورة 1896، في قلب العاصمة اليونانية مع فوز الايطالي ستيفانو بالديني في سباق الماراتون.
وبين هذين الحدثين، نجح المشاركون في إبقاء شعلة الحماسة متوهجة طوال الوقت، فشهدنا ولادة نجوم جدد، وتهاوى آخرين اغنوا الساحات الاولمبية سابقا.
"إفخاريستو"، أي شكرا باليونانية، كلمة رددها الذين حضروا حفل الافتتاح الذي أعاد إلى الأذهان ذكريات الأساطير اليونانية، وزوس سيد البرق، الذي حول النور إلى قوس قزح. في حين استولى اروس، اله الحب، على قلوب الحاضرين. وهم تمتعوا برؤية بيغاس، الحصان المجنح وافروديت وهرقل وابولون وبوسيدون والاسكندر الكبير... ثم تذكروا البداية العام 1896.
وفي ما بعد صدح صوت المغنية الخالدة ماريا كالاس. لتبدأ بعد رؤية شجرة الزيتون، رمز البلاد، الحقبة الجديدة مع توافد ممثلي البلدان المشاركة وسط الألوان.
واستخدم اليونانيون بفخر لغتهم القديمة "نينيكيكامن"، أي النصر، التي تناقلتها وسائل الإعلام للتحدث عن نجاح الألعاب، معطوفا على كلمة الشكر التي وجهها رئيس اللجنة الاولمبية الدولية جاك روغ "على التنظيم الذي يعيدنا إلى الينابيع".
وأضاء نيكوس كاكلاماناكيس الفائز بذهبية سباق القوارب الشراعية في دورة أتلانتا 1996، إيذانا بـ"التنافس الشريف" على مدى 17 يوما.
وتصدرت الولايات المتحدة ترتيب جدول الميداليات الذي حمل اسم 75 بلدا. وحصد أبطالها 101 ميدالية منها 36 ذهبية. غير أن الأميركيين لم يحققوا أفضل نتيجة في تاريخهم الاولمبي قياسا إلى إحرازهم 108 ميداليات في دورة برشلونة 1992.
هذه المرة وصلت البعثة الأميركية إلى أثينا محاطة بشكوك بسبب تعثرها في مشاكل المنشطات التي لم توفر لاعبيها، ومع ذلك نجحت في ترؤس الدول سواء بعدد "الجوائز" أو بمجموع الميداليات، فسيطرت على العاب القوى محرزة 8 ذهبيات وعلى مسابقات السباحة بإحرازها 12 ذهبية.
وشكك كثر في قدرة الأميركيين على الاحتفاظ بالصدارة في "بكين 2008"، بعد الانجازات التي حققتها البعثة الصينية في أثينا. وهي كانت مؤلفة من 407 رياضيين، منهم 232 لم يشاركوا قبلا في الألعاب الاولمبية، ومع ذلك حصدوا 32 لقبا و63 ميدالية. ولا يعتبر الفارق الذهبي بينهم وبين الأميركيين مهما، إذ بلغ 4 ذهبيات فقط.
وهيمنت الصين على مسابقات رفع الأثقال محرزة 5 ذهبيات، وعلى مسابقات الغطس (6 ذهبيات) وعلى البادمنتون (3 ذهبيات من أصل 4).
وحافظت روسيا على حضورها القوي باحتلالها المركز الثالث برصيد 90 ميدالية (28 ذهبية)، وعلى رغم فشلها الذريع في مسابقات السباحة (ميدالية فضية) إلا أنها تقاسمت ميداليات العاب القوى (6 ذهبيات) مع الولايات المتحدة وسيطرت على مسابقات المصارعة (5 ذهبيات).
أما استراليا صاحبة المركز الرابع (17 ذهبية)، فقد سيطرت على سباقات الدراجات (6 ذهبيات)، وبقيت سيدة في أحواض السباحة بحصدها 7 ذهبيات.
وخطفت اليابان 16 ميدالية ذهبية كانت نصفها في مسابقات الجودو (8 ذهبيات) بينما تألقت ألمانيا في مسابقات الكانوي كاياك بفوزها بـ4 ذهبيات من أصل 13 ذهبية، وهو رصيدها الإجمالي في أثينا.
وحلت اليونان في المركز ال15 بين الدول الفائزات بميداليات حاصدة 16 ميدالية (6 ذهبيات، 6 فضيات و4 برونزيات).
وعموما، انحصرت الميداليات بـ 75 بلدا، ووقف الأميركيون على منصة التتويج في 22 رياضة، في مقابل 22 للصينيين، مع مفاجآت في الكانوي كاياك والتنس.
ومن المنطقي أن نجد أن 9 بلدان من العشرة الأوائل في العاب سيدني 2000 احتفظت بالترتيب ذاته باستثناء اليابان التي تقدمت من الموقع الـ15 إلى الخامس، بينما تراجعت هولندا من المركز الثامن إلى الـ17.
أما من ناحية تعداد السكان مقارنة مع الميداليات التي فاز بها كل بلد، حلت استراليا أولى بمعدل 2.45 ميدالية بالتساوي مع كوبا، تلتهما هنغاريا بمعدل 1.7 ميدالية، فاليونان بمعدل 1.45 ميدالية.
وبفضل الصين واليابان وكوريا الجنوبية، يمكن القول أن قارة آسيا تألقت في الألعاب الاولمبية بحصدها 162 ميدالية.
وحملت الأرجنتين لواء أميركا الجنوبية التي استأثرت بذهبيتي ابرز الألعاب الجماعية (كرة القدم وكرة السلة)، بعدما كانت غابت عن المراكز الأولى على منصة التتويج منذ 52 عاما.
وفي كرة القدم، نالت الأرجنتين لقبها الأول على حساب باراغواي (1-صفر)، وفي كرة السلة تغلبت على ايطاليا (84-69).
في المقابل، لم يتغير عدد الميداليات الإفريقية بين دورتي سيدني وأثينا (35 ميدالية)، لكنه توزع على 9 بلدان في مقابل 6 عام 2000، إذ انضمت إلى القافلة اريتريا، زيمبايوي ومصر.
وكانت أوروبا القارة الأكثر تتويجا، إذ حصدت 500 ميدالية، وحلت خلفها القارة الأميركية (178) منها 103 ميداليات للولايات المتحدة... وأخيرا قارة اوقيانيا التي لم يتعد رصيدها ال54 ميدالية، منها 49 ميدالية لاستراليا وحدها.
(بريق فردي)
ترك الأميركي مايكل فيلبس والمغربي هشام الكروج بصمات واضحة على "أثينا 2004". إذ طغى بريق الميداليات الثماني للسباح الأميركي (بينها 6 ذهبيات) على انجازات الاسترالي ايان ثورب (4 ذهبيات منها ذهبيتا سباقي 200 م و400 م).
وسلطت الأضواء على فيلبس في الوقت الذي شارك فيه الروسي الكسندر بوبوف في آخر العاب في مسيرته، إذ عجز هذا الفائز سابقا في الألعاب الاولمبية 3 مرات عن الوصول إلى نهائيي 50 م و100 م.
وكان فيلبس وعد بان يحصد 7 ميداليات في أثينا، وهو الرقم القياسي الذي حققه مواطنه مارك سبيتز العام 1972 في ميونيخ.
من جهته، اثبت ثورب انه نهم ولا يشبع، إذ بعد 3 ذهبيات في "سيدني 2000"، أصبح الرياضي الاسترالي الأكثر تتويجا في بلاده بعد ذهبيتيه في أثينا، أمام السباحتين دون فريرز وموراي روز والعداءة بيتي كوابرت.
وفي سن الثانية والعشرين، نجح العداء الاثيوبي كينينيسا بيكيلي في انتزاع الفوز في سباق 10 آلاف م، مكملا أمجاد أسلافه، محرزا أول فوز اولمبي أمام مثله الأعلى هايلي جبريسيلاسي.
عنيد يتغلب على اللعنة
وتغلب هشام الكروج على اللعنة التي رافقته منذ العام 1996 في الألعاب الاولمبية، إذ فاز في سباق 1500 م، قبل أن يفرض نفسه في 5 آلاف م.
أنها قصة إنسان عنيد، دائما في المقدمة، إنسان وضع بصماته على سباقه المفضل 1500 م في أثينا، ومحى بهذا الفوز سقوطه في اتلانتا وتراجعه في سيدني، وأضاف إليه انجاز الفوز في 5 آلاف م ليعادل الانجاز الأسطوري للفنلندي بافو نورمي الذي حقق "الثنائية العسيرة" غير المألوفة في دورة باريس 1924. ولم يكن أمام الفنلندي آنذاك إلا 42 دقيقة بين السباقين!
وفي أسرع سباق في تاريخ 100 م، أصبح العداء الأميركي جاستن غاتلين بطلا اولمبيا بفارق جزء من الثانية (9.85 ث) في نهاية سباق محموم.
أما مواطنه موريس غرين صاحب اللقب في سيدني، فقد اكتفى بالبرونز في الاستاد الذي نال فيه أول ذهبية عالمية في 3 أغسطس/ آب 1997، قبل تسجيله رقمه العالمي السابق (9.79 ث) بعد عامين.
وكانت اثينا ساحة لبروز "الصغار"، لذا يمكن القول أن زمن "الجبابرة الجدد" حان مع نجوم أمثال السويدية كارولينا كلوفت (المسابقة السباعية - 20 سنة)، الأميركي جيريمي وارينر (عداء 400 م - 20 سنة)، جاستين غاثلين (22 سنة)، الروسية يلينا ايسنيباييفا (حاملة الرقم القياسي للقفز بالزانة - 22 سنة)، الاثيوبي كينينيسا بيكيلي (22 سنة)، السباحة الفرنسية لور مانودو (18 سنة) ومواطنتها بطلة الجمباز اميلي لوبينيك (العارضتان مختلفتا الارتفاع - 16 سنة)، الذين شاركوا للمرة الأولى في الألعاب الاولمبية.
في المقابل، فإن مخضرمين كثرا ونجوما لم يصمدوا أمام الضغوط والمحافظة على الألقاب، أمثال الأميركي غرين ومواطنته غايل ديفرز (37 سنة)، والسلوفينية - الجامايكية الأصل مارلين اوتي (44 سنة) والاثيوبي جبريسيلاسي والموزامبيقية ماريا موتولا والروسي بوبوف (32 سنة)، إلى الأميركية ماريون جونز، التي لم تتمكن من احراز أي ميدالية.
(نوعية عربية)
وتراجعت غلة العرب من الميداليات من 14 ميدالية في سيدني إلى 10 في أثينا، لكن قيمتها زادت بحصولهم على 4 ذهبيات، في مقابل واحدة يتيمة في سيدني، منها ذهبيتان للنجم الكروج.
وشهدت الألعاب صحوة مصرية بعد سبات دام 20 عاما (فاز لاعب الجودو محمد رشوان بفضية الوزن المفتوح للجودو في لوس انجليس 1984)، مع المصارع كرم جابر إبراهيم، الذي اختير أفضل مصارع في الدورة ونال ذهبية وزن 91 كلغ. وتعود آخر ذهبية اولمبية لمصر إلى الرباعين إبراهيم شمس (وزن الخفيف) ومحمود فياض (وزن الريشة) في لندن 1948.
كما فرضت الملاكمة المصرية نفسها أيضا من خلال إحراز فضيتين وبرونزيتين مع محمد علي (ثاني وزن فوق 91 كلغ) ومحمد السيد (ثالث وزن 91 كلغ)، واحمد إسماعيل (ثالث وزن 81 كلغ).
ودونت سوريا اسمها في سجل الميداليات عن طريق ناصر الشامي الذي أحرز برونزية وزن 91 كلغ في الملاكمة.
وباستثناء الإمارات، لم تتمكن أي من دول الخليج من حصد ميدالية. وقد منح الشيخ أحمد بن حشر آل مكتوم (41 سنة) بلاده أول ذهبية في تاريخ مشاركاتها في الألعاب (منذ العام 1984)، عندما فاز بمسابقة الحفرة المزدوجة "دبل تراب" في الرماية، معادلا الرقم الاولمبي الذي يحمله الاسترالي مارك راسل (189 طبقا من 200).
وكانت ميدالية بن حشر فاتحة الميداليات الذهبية للعرب في أثينا، وأول ذهبية للبلدان الخليجية في تاريخ مشاركاتها الاولمبية.
ورفعت المغربية حسناء بنحسي راية السيدات باحتلالها المركز الثاني في سباق 800م، وهي العربية الوحيدة التي نالت ميدالية.