كل ما يريده البشر أن تُحترم إنسانيتهم أولاً. أن تكون أوطانهم الأمَ الباقية التي لا تزول، ولا تتركهم عرضةً لليتم والفقر والحاجة واستقواء الآخرين عليهم. كل ما يريده البشر أن يُمنَحوا الحق في التعبير عن أنفسهم، من دون مساس أو إهانات أو تجاوز على أحد.
كل ما يريده البشر أن يكونوا موضع ثقةٍ في أوطانهم، لأنهم حائط الصد والدفاع الأخير عنه. كل ما يريده البشر أن يتمكنوا من الأخذ بأوطانهم إلى أعلى المراتب والدرجات. أن يصحوا كل يوم على إنجاز يبهر العالم من حولهم. أن يتمكّنوا من الأخذ بأوطانهم إلى المراتب المتقدمة التي تفخر بها الأمم، وتتنافس فيما بينها من أجل بلوغ تلك المراتب.
كل ما يريده البشر أن يكونوا توَّاقين ومقبلين على الحياة باتزان وحكمة ومغزى وهدف، وألا تكون ثقافة الموت هي المتحكمة والسائدة والمهيمنة على تفكيرهم وسلوكهم ونظرهم. مثل تلك الثقافة التي تحرمهم من اكتشاف الحياة، والوقوف على الجماليات المليئة بها. تحرمهم من تحديد موقعهم في هذا العالم. فحين لا يتمكن البشر من تحديد مواقعهم في هذا العالم فذلك يعني أنهم يمارسون الضياع والتيه من المهد إلى اللحد، وبذلك ينسفون مغزى وجودهم في هذا العالم.
كل ما يريد البشر أيضاً، توفر المتطلبات الضرورية والرئيسية التي لا تجعلهم في مدى الحاجة التي تحط من إنسانيتهم وكرامتهم. وُلد الإنسان ليسكن منزلاً لا أن يكون ضيفاً على العراء والمجهول والتيه. وُلد أيضاً وله حاجات ورغبات وضرورات، من بينها ألا يبيت على الطوى، أو يتسوّل ما يسد به جوعه. من حقّ ذلك الإنسان أن يكون في مظهر لائق بجمال خلقته وإنسانيته، لا أن تعرّفه الأسماء إلى العالم من حوله. العالم الذي بات اليوم قاصراً في النظر، ومتورطاً في السطحي منه، وسريع الحكم على الظاهر مما يرى ويصطدم به لأول وهلة.
ليس كثيراً أو صعباً أو مستحيلاً ما يطلبه ويريده البشر. أعني البشر في جغرافياتنا العربية والشرقية عموماً. مثل تلك الحاجات إذا ما توفرت، ستوفر معها الكثير من المليارات التي تنفق على الحيلولة دون أن يتمتعوا بحقوقهم، ليقوموا بواجباتهم. ليس كثيراً بمقياس الحقوق، وليس كثيراً أيضاً بمقياس الثروات التي تتمتع بها بلداننا.
أكثر ما يجعل الإنسان عرضةً إلى التذمر والتمرد والجنوح، هو حرمانه من أبسط تلك الأمور، بل والحيلولة دون أن ينال اليسير منها. هو باب سهل إغلاقه، ويسير الحيلولة دون فتحه، بالنظر عن وعي ومسئولية في كل ما يريده البشر، ضمن الأساسيات والضرورات، وصولاً إلى الحقوق كاملة غير منقوصة، ومن الصعب أن نتحدث عن الأخيرة، وبشر عالمنا العربي لم يتمكنوا بعد من الحصول على الأدنى والبسيط من الضرورات والحاجات تلك.
الخلطة ليست سحرية، ولا إعجاز في تحققها، لأن الإنسان هو المعجزة الكبرى في هذا العالم، وباليسير من الحكمة والرحمة والامتثال إلى الضمير والقانون الذي يساوي بين الجميع، والنظر إليهم باعتبارهم بشراً لا فوارق بينهم، يمكن لما يُظن أنه إعجاز أن يصبح ممارسة وسلوكاً يومياً في التعامل مع البشر، بما يحفظ الاستقرار والطمأنينة والأمن، ومن ثم الالتفات إلى المشاريع المؤجلة، والأحلام المعطلة، وما كان لها أن تؤجل أو تتعطل لولا ذلك الشد والجذب في سبيل الوصول إلى صيغة ووصفة تعيد الأمور إلى نصابها. الصيغة والوصفة التي لم ولن تكون في يوم من الأيام معجزة المعجزات.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5077 - الأحد 31 يوليو 2016م الموافق 26 شوال 1437هـ
مقال رائع