العدد 5077 - الأحد 31 يوليو 2016م الموافق 26 شوال 1437هـ

تركت ظلِّي

القصة الفائزة بالجائزة الأولى عن فئة الكتَّاب البحرينيين

كنت صغيراً لا أعرف من الدنيا سوى حضن أمي، كنت أرى انعكاس العالم في مرايا عينيها فأشعر بالسلام عندما تبتسم وتغني، وأصاب بالرعب حين أرى بريق دموعها.

حين يظلم المكان سوى من إضاءة صفراء باهتة، كانت تحملني على ذراعيها وتسند رأسي على كتفها وتتمايل بي يمنة ويسرة أمام مخلوق غريب ليس له ملامح يتمايل ويتراقص معنا. لم يكن يظهر إلا هنا وفي هذا الوقت ولكني لم أكن أخافه، فعلى صدر أمي كيف أخاف؟

مرَّت الأيام سراعاً حتى استطعت الوقوف على قدمي، وبدا كل شيء حولي مختلفاً، فكلهم كانوا نائمين لا يستطيعون الوقوف وفجأة كلهم وقفوا معي! أترى هذا العالم ملكي يقدِّسني ويبجِّلني؟! يقف بوقوفي وينام بنومي؟!

أخذتني أمي يوماً إلى مكان كبير يعج بالفوضى والإضاءات والألعاب حيث كان الناس يمشون ويلعبون ويأكلون ويصرخون وكنت أمسك بيدها وأمشي متبختراً، وما كدت ألتفت ورائي حتى لمحت المخلوق الغريب وقد نبتت له قدمان يمشي ملتصقاً بي. صرت أصرخ وأبكي وأقفز فوق الأرض لأبتعد عنه، التصقت بأمي ودفنت وجهي في حضنها حتى لا أراه ولكنها كانت تضحك من أعماقها وتحاول أن تهدِّئني.

وبعد أن حملتني على ذراعيها واحتضنتني بشدة، وقفتْ في وجه الغريب وعنّفتْه بشدة وطلبتْ منه ألاَّ يفزعني بهذه الطريقة. ثم التفتت لي وقالت: هذا صديقك المشاكس الجديد واسمه سيد ظل لن يفارقك أبداً ما دمت حياً، وعلى ما يبدو أن السيد ظل يسمعها جيداً، فمنذ ذلك اليوم لم يعد يفزعني بل على العكس من ذلك، صار صديقي الذي لا يفارقني تماماً مثلما قالت، حتى في غرفة نومي، كان يتمنى لي أن أصبح على خير قبل أن أخلد للنوم.

أحببت صديقي الجديد وكنت أشعر بالسلام والطمأنينة ما دمت معه ولكني كنت أشعر بالضيق والخوف عندما لا أراه، إلى أن أخبرتني أمي أن السيد ظل يخجل من الضوء ويهرب دوماً حيث لا يراه، فإذا جاء الضوء يميناً ظهر يساراً وإذا شع يساراً هرب يميناً وإذا سطع فوق رأسنا تلاشى السيد ظل تحت أقدامنا.

وفي يوم بينما كنت ألعب بكُرتي وكان ظلي يلعب بكُرته، سمعت طرقاً بالباب، فتحته لأجد أصدقائي في الحي يدعونني للعب معهم بالكرة خارج المنزل.

وبلا تردد خرجت معهم، وبدأنا نلعب وظلالنا تلعب معنا، حتى عشى عيني ضوء قوي جمّدني في مكاني ولم أعد أستطيع رؤية شيء من شدّته ولكني كنت أسمع أصوات صراخ عالية لم أقدر على تمييزها. فتحت عيني بعد أن خفت الضوء واختفى؛ فوجدت الكرة بعيدة جداً، رحت لأخذها ورميها من جديد ولكني سمعت صراخ أمي التي لابد أنها علمت بخروجي وهي الآن عاتبة عليّ لأني لم أستأذنها... اقتربت منها لأعتذر أمسكت بعباءتها ولكنها لم تعبأ بي!

نظرت إلى أعين أصدقائي مليئة بالخوف والرعب، آه يا أمي هوّني عليك فلقد أرعبت أصدقائي، هم أيضاً لديهن أمهات يخشين عليهم.

ولكن لحظة، أين ذهب ظلي؟ لماذا هو بعيد عني؟ لماذا يلتصق بظل أمي؟ ومن هذا الذي في أحضانها وقد ملأت الدماء وجهه؟

تذكرت كلام أمي حينما قالت إن الظل صديقنا الوحيد الذي لا يتركنا ما دمنا أحياء... أتراني رحلت وتركت ظلي؟ أتراني رحلت وتركت أمي؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

اقرأ ايضاً