ربما أسمح لنفسي الإشارة إلى ما لم يقله نصاً الزميل الشاعر كريم رضي في اللقاء الذي نشر مؤخراً في ملحق فضاءات بصحيفة «الوسط» يوم السبت الماضي (23 يوليو/ تموز 2016)، ذلك المتعلّق بالحراك الثقافي، الذي لا يمكن حصْره في ما يصدر عن الجهات الرسمية من فعاليات وأنشطة، على رغم أهميتها ومحوريتها بحكم الإمكانيات الضخمة التي تملكها الجهات المعنية بتلك الأنشطة، مقابل الإمكانيات التي تكاد لا تذكر لدى الجانب الأهلي، سواء المتمثل في مؤسسات قائمة على الأرض ومرخص لها، أو من خلال الجهود الفردية وإن أخذت طابعاً مؤسسياً.
تلك الظاهرة هي التي يجب أن تسود. في كل دول العالم، من الولايات المتحدة إلى كينيا، من يقود العمل الإبداعي والثقافي هي الفعاليات والأصوات التي لديها حضور وتأثير في المشهد الثقافي الذي تشتغل فيه. هنالك جهود رسمية أكبر وأكثر تأثيراً في الدول التي تولي الثقافة والفكر كل اهتمامها، ولكنها تظل في مجموع الحراك العام هامشية، بتركّز دورها على بنية تحتية تحتاجها الثقافة من مسارح، ومتاحف، وصالات للفنون، وجوائز تظل ذات أهمية، وسلسلة متفرعة من تلك البنية تخدم المثقف والمبدع، وتتيح له الانتشار من جهة، والبروز والتحصل على مستحقاته كاملة غير منقوصة من جهة أخرى، بدءا باستضافته على القنوات التلفزيونية والصحف والمجلات، وليس انتهاء عند تلقف شركات الإنتاج المرئي والمسموع والمقروء له؛ ما يتيح له مزيداً من احتلال مكانه في الصدارة.
قياس الحراك الثقافي انطلاقاً مما تنجزه وتقوم به المؤسسات الرسمية لا يخلو من خداع وقصور. خداع من حيث إن ذلك الإنجاز يظل في مجمله موسمياً من جهة، وبعيداً عن الالتفات للأصوات والأسماء التي حفرت حضورها وانتشارها وأكدت أهميتها خارج دائرة ونطاق بلادها، من جهة أخرى، وفي الوقت نفسه، تدفع بحضورها وحيويتها في داخل ذلك الحراك إلى مزيد من تأكيد حضوره وأهميته من خلال الحراك العام الذي ينشأ عن إصدارات وندوات ومراجعات ومعارض ومسرح وغناء.
وقصور، في تلك النظرة التي تحصر ذلك الحراك أيضاً في أسماء وأصوات محددة، تنضم إلى اختزال الحراك في الجهات الرسمية، تهميشاً وغض طرْف عن الأصوات الجديدة التي لن تظل على حالها دون حراك وتحول، وستصبح يوماً أصواتاً وأسماء لها قدرة على الدفع بذلك الحراك والفعاليات نحو مزيد من التعميق والرصانة.
أكبر الإشكاليات التي تعاني منها الساحات العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، يتحدد في تكريس حالات من الاحتكار في كل شيء، والشأن الثقافي والإبداعي في المركز من ذلك الاحتكار، إذا تعلق الأمر بالنظر إلى واقع حركيّته وجِدّته، وكأن الأطراف التي لا يُراد لها أن تكون في القلب من صورة الشأن الثقافي، طارئة أو متطفلة، أو ربما تعمل على تهديد حصانتها، إذا اتفقنا أساساً على إمكانية الادّعاء بحصانة مطلقة لأي ساحة من الساحات الثقافية، أو أي مشهد من مشاهدها.
يظل المهم في تناول مسألة كهذه مواجهة السؤال الذي لم يرد نصاً في الحوار مع الشاعر كريم رضي: من وما الذي يحدّد فاعلية أي مشهد أو ساحة ثقافية؟ ذلك أمره إلى الذي لا يملك إمكانيات ضخمة، ومع ذلك يُوجد بنيته الصغيرة التي تنطلق منها الأدوار الكبيرة، وبقية الاستنتاج يمكن التقاطه.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5075 - الجمعة 29 يوليو 2016م الموافق 24 شوال 1437هـ