قالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في منشور صادر عنها للعام 2015، تحت عنوان «إعادة التفكير في التربية والتعليم، نحو صالح مشترك عالمي»، إن «تطور التكنولوجيات الرقمية الجديدة أسفر عن نمو خارق في حجم المعلومات والمعارف المتاحة، ويسّر النفاذ المباشر إليها أكثر، لأعداد أكبر من الناس على امتداد العالم، ومن شأن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، بحد ذاتها، أن تؤدي دوراً أساسياً في تشاطر المعارف والخبرات خدمةً للتنمية المستدامة، وبروح التضامن، إلا أنه، في نظر كثير من المراقبين، يشهد العالم تصاعداً في سويّات التعصّب الإثني والثقافي والديني، ناجماً في كثير من الحالات عن استعمال نفس تكنولوجيات الاتصالات للتعبئة الأيديولوجية والسياسية ترويجاً لتصوّرات للعالم استبعادية، وكثيراً ما تقود هذه التعبئة إلى الإمعان في العنف الإجرامي والسياسي وإلى النزاع المسلّح».
وأضافت «ويجنح العنف بحق النساء والفتيات إلى التزايد في أوقات الأزمات وعدم الاستقرار، وأثناء فترات الاضطراب والتهجير بسبب النزاع المسلح وبعدها. ففي مثل هذه الظروف تنتشر ممارسة العنف بحق النساء، وقد يصير هذا العنف منهجياً، حين تَستعمل المجموعات المسلّحة الاغتصاب، والبغاء القسري، والاتجار بالجنس تكتيكاً في الحرب».
وأردفت «والنساء أكثر عرضة للتهجير الداخلي، وما ينتج عنه من انحطاط الظروف الصحية والتربوية، ما يؤثر بدوره مباشرة على معاملة الأسر والأطفال وظروفهم».
وتابعت المنظمة الأممية «ويستمر العنف - بما فيه العنف الإجرامي المرتبط بإنتاج المخدرات والاتّجار بها، (وهذه معضلات عويصة في بعض أنحاء العالم مثل أميركا الوسطى)، وبعدم الاستقرار السياسي والنزاع المسلح - يستمر في تهديد حياة الناس ومنع التنمية الاجتماعية والاقتصادية ويقدَّر أن نحو 500 مليون نسمة يعيشون في بلدان معرّضة لعدم الاستقرار والنزاع».
وأكملت «وتُقدَّر الكلفة الاقتصادية المترتبة على احتواء العنف في العالم ومعالجة عواقبه بما يضاهي 10 تريليونات دولار أميركي، أي أكثر من 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي».
وأوضحت أن «أحد العوامل المميِّزة للتنمية في أيامنا هو بروز وانتشار عالم شبكات الاتصال الإلكترونية، العالم وقد حفزه النمو اللافت الحاصل في توصيلية الإنترنت وتغلغل الاتصالات المتنقلة، فصرنا نعيش في عالم يغمره نسيج من التوصيلات. إذ يقدَّر حالياً بنسبة 40 في المئة من سكان، وعلى الرغم من التباين الكبير في توصيلية الإنترنت تبعاً للأقطار والمناطق، فإن عدد الأسر المتمتّعة بالتوصيل في النصف الجنوبي من العالم فاق عدد نظرائهم في النصف الشمالي».وواصلت اليونسكو «وعلاوة على ذلك، يُوجد في النصف الجنوبي 70 في المئة من المجموع العالمي لاشتراكات الهاتف المتنقل 36 ويُتوقّع لخمسة».
النهوض بالتنمية المستدامة يتم من خلال التربية والتعليم
شددت منظمة اليونسكو على أنه «يجب أن يُعتبَر التعليم، بما فيه التعليم النظامي وتوعية الجمهور والتدريب، عملية تستطيع الكائنات البشرية والمجتمعات من خلالها تحقيق إمكاناتها بالكامل، فالتربية والتعليم أمر حاسم للنهوض بالتنمية المستدامة وتحسين استطاعة الناس على معالجة قضايا. إن صون وتعزيز كرامة الشخص البشري، وقدراته، ورفاهه، في علاقاته بالآخرين وبالطبيعة، ينبغي أن يكون المقصد الأساسي للتربية والتعليم في القرن الحادي والعشرين، ويجوز تسمية مثل هذا الطموح توجهاً إنسانياً، ينبغي أن تقوم رسالة اليونسكو على تنميته نظرياً وعملياً».
وذكرت «لمفهوم التوجه الإنساني تقليد عريق في اليونسكو، إذ إنه منذ العام 1953 نشرت اليونسكو أعمال مائدة مستديرة دولية ناقشت موضوع التوجه الإنساني والتربية شرقاً وغرباً كانت عقدتها في نيودلهي».
وأفادت «ولمفهوم التوجه الإنساني تقليد عريق أيضاً في تقاليد ثقافية ودينية متنوعة، كما في التأويلات الفلسفية العديدة والمتباينة. مثلاً، يذهب أحد التأويلات البارزة إلى القول بأن التوجه الإنساني هو إلحاد وعقلانية دنيوية، وسُحبت هذه النظرة على فلسفات أخرى، مثل الفِنومِنولوجيا (علم الظواهر) والوجودية، اللتين تريان فرقاً أنطولوجياً بين البشرية وسائر العالم الطبيعي».
واستدركت اليونسكو «إلا أن هناك تأويلات دينية قوية للتوجه الإنساني، ترى في إنجازات البشرية - التربوية منها والثقافية والعلمية - أمثلة ناضجة على علاقتها بالطبيعية، والعالم، والخالق».
وتابعت «ولكن ظهرت، في أواخر القرن العشرين ومطلع الحادي والعشرين، نزعات نقدية إزاء تأويلي التوجّه الإنساني، القائل بمركزية الإنسان والقائل بمركزية الله، صدرت عن بعض أبناء ما بعد المذهب العصري، وبعض أنصار الحركة النسائية، وبعض الإيكولوجيين، وفي آونة أخيرة أقرب إلينا، صدرت عمّن يعتبرون متى توسّع نطاق التربية والتعليم بهذه المناحي، أمكن لهذا النشاط أن يكون تحويلياً وأن يسهم في تهيئة مستقبل مستدام للجميع، فاستناداً إلى هذا الأساس الأخلاقي، يصير الفكر النقدي، والحكم المستقل، وحل المشكلات، ومهارات محو الأمية في مجال المعلومات والوسائط، مفاتيح لتكوين مواقف تحويلية».
وأكدت أن «نهجاً إنسانياً متكاملاً في التربية والتعليم، كما عرضه تقرير ديلور العام 1996 ، لايزال ملائماً كل الملاءمة لعالم اليوم، حيث أصبحت الاستدامة همّاً محورياً للتنمية العالمية، إذ إن التنمية المستدامة التي يستهدي فيها النمو الاقتصادي برعاية البيئة وهمّ العدالة».
لا نؤيد مقولة «زمن المدارس والمعلمين» انتهى في «العصر الرقمي»
وقالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إنه «اليوم، يذهب البعض إلى الأخذ بالرأي أن نمط التعلم المدرسي لا مستقبل له في العصر الرقمي، نتيجة للفرص التي يتيحها التعلم الإلكتروني، والتعلم بالأجهزة المحمولة، وسائر التكنولوجيات الرقمية. وفي هذا الصدد، ربما كان من الجدير الرجوع إلى ما جرى في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من نقاش في موضوع إلغاء المدارس، ولاسيما مصنَّفات بول غودمان وإيفان إيليتش».
وأضافت «وصحيح أن نمط التعليم المدرسي الصناعي القائم حالياً صُمّم لتلبية احتياجات الإنتاج طيلة أكثر من مئة عام خلت، وصحيح أن أساليب التعلم تغيّرت تغيّراً مذهلاً في غضون العقدين الماضيين، وتغيّرت كذلك مصادر المعرفة وطرائقنا في تبادلها والتفاعل معها، وصحيح أيضاً أن أنظمة التعليم النظامي بطيئة التغيّر وتبقى بصورة ملحوظة مماثلة لما كانت عليه طيلة القرنين الماضيين».
واستدركت «ولكن، بالرغم من ذلك، يبقى التعلم المدرسي هاماً كما كان دائماً. إذ إنه الخطوة الأولى للإنسان في رحاب التعلم المؤسسي وعالم التكيّف الاجتماعي خارج الأسرة، فهو مكوِّن جوهري من مكوِّنات التعلم الاجتماعي، حيث تعلّم المرء لكي يكون، وتعلمه لكي يعيش مع الآخرين، فالتعلم ينبغي ألا يكون مجرَّد عملية فردية، لكونه يقتضي، باعتباره تجربة اجتماعية، التعلم مع الآخرين وعن طريقهم من خلال المباحثات والمناقشات مع الأنداد ومع المعلمين أيضاً».
وواصلت اليونسكو «إلا أن تحول المشهد التعليمي في عالمنا المعاصر مازال يشهد تنامي الاعتراف بأهمية وملاءمة التعلم خارج مؤسسات التعليم النظامي، فهناك حركة انتقال من مؤسسات التعليم التقليدية، إلى مشاهد تعلم مختلط، متنوع، معقَّد، يحصل فيها التعلم النظامي وغير النظامي وغير الرسمي، في الآونة الأخيرة حصل اهتمام كبير بتسخير التكنولوجيات المنقولة لأغراض التعلم، فالتعلم بالأجهزة المحمولة وحدها أو مشفوعةً بتكنولوجيات أخرى للمعلومات والاتصال، يوصف بأنه يمكّن من التعلم في أي وقت وأي مكان».
وأردفت «وهذه التكنولوجيات في تطور مستمرّ، ومنها في الوقت الحاضر الهواتف المحمولة، والهواتف الذكية، والحواسيب اللوحية، والقارئات الإلكترونية، والمشغّلات السمعية المحمولة، ووحدات التحكم المحمولة. ألا أن ظهور التكنولوجيات الجديدة غيّر طبيعة العمليات التعليمية شديد التغيير. إذ إن الأجهزة الخفيفة الوزن والمحمولة - بدءاً من الهواتف المحمولة، إلى الحواسيب اللوحية، وانتهاء بالحواسيب الراحية - حررت التعلم».
وبيّنت أن «التضخّم الهائل في حجم المعلومات والمعارف المتيسّرة يتطلب نهجاً نوعياً في إيصالها وبثّها واكتسابها، على المستويين الفردي والجماعي، إذ إنه، بالنظر إلى الإمكانات التي تتيحها تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، ينبغي للمعلم أن يكون الآن مرشداً يمكّن الذين يتعلّمون، منذ الطفولة المبكرة ولذا يتوجب علينا أن نعيد النظر في مضمون وأهداف إعداد المعلمين وتدريبهم، إذ إن المعلمين يحتاجون إلى تدريب لكي يسهّلوا التعلّم، ويفهموا التنوع، ويرحّبوا بالشمول في التعليم، وينمّوا كفاءات العيش المشترك، وحماية البيئة وتحسينها، وعليهم أن يعززوا بيئات لقاعات التدريس يسودها الاحترام والأمان، ويشجّعوا احترام الذات والاستقلال الذاتي، ويطبّقوا استراتيجيات شتى بيداغوجية وتعليمية».
وشددت على أن «على المعلمين أيضاً أن يقيموا علاقات منتجة مع الآباء والجماعات، ويلزمهم أن يعملوا عمل أفرقة مع المعلمين الآخرين، لفائدة المدرسة جملةً. وينبغي أن يعرف المعلمون طلبتهم وأُسَر طلبتهم، وأن يكونوا قادرين على الربط بين التعليم وأسيقته الخاصة».
وواصلت «وينبغي أن يكونوا قادرين على اختيار المضامين الملائمة، وعلى استعمالها استعمالاً منتجاً في تنمية الكفاءات، وينبغي أن يستطيعوا استعمال التكنولوجيا، إلى جانب وسائل أخرى، أدواتٍ للتعلم، وينبغي تشجيع المعلمين على الاستمرار في التعلم والتطور المهني».
وذكرت اليونسكو «ويتوجب علينا أن نقدم للمعلمين شروط عمل وظروفاً معيشة أكثر جاذبية، وتحفيزاً، واستقراراً، بما في ذلك الأجور المناسبة وأفق مفتوح لمسار المهنة، وهذه الأمور أساسية، إذا أردنا تجنب خطر فقدانهم الاهتمام، وبالتالي إضعاف ما نعتبره أهم مهنة تأسيسية في العالم. ويجب أن يعاد باستمرار تنظيم مهام المعلمين ومساراتهم المهنية، والنظر فيها على ضوء المتطلبات والتحديات الجديدة للتربية والتعليم، في عالم مُعوْلَم مستمر التغير».
وختمت «ولهذا الغرض، يجب في إعداد المعلمين بمستوياته كافة من أعمها إلى أشدّها تخصصاً أن يجسّد روح التشارك بين التخصصات باعتماد نهج جامع بين التخصصات يمكِّن المعلمين والأساتذة من قيادتنا في طريق الإبداع والعقلانية، نحو حالة إنسانيةٍ يكون فيها التقدم والتنمية مشتركين بين الناس، ويسودها الاحترام لتراثنا المشترك الطبيعي والثقافي».
خصخصة التعليم لها تبعات
إيجابية وأخرى سلبية
إلى ذلك، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أنه «يمكن أن يكون لخصخصة التربية والتعليم أثر إيجابي بالنسبة إلى بعض الفئات الاجتماعية، على اعتبار أنها تزيد تيسّر فرص التعلم، وتوسّع مدى الاختيار أمام الآباء، وتعزّز تنوع المناهج الدراسية».
واستدركت «ولكن يمكن أن يكون لها آثار سلبية، على اعتبار عدم كفاية وملاءمة الرصد والتنظيم من جانب السلطات العامة (وجود مدارس بدون ترخيص، ومعلمين غير مدرَّبين، وغياب ضمان الجودة)، مع ما يكتنف ذلك من مخاطر على التماسك الاجتماعي والتضامن، ومما يثير القلق بوجه خاص أن الفئات المهمّشة لا تستطيع التمتع بالآثار الإيجابية للخصخصة، لكنها فوق ذلك تتحمّل عبء آثارها السيئة الذي يفوق بلا تناسب قدراتها».
وأفادت اليونسكو «ويمكن أن تؤدي الرسوم غير المضبوطة التي تطلبها المؤسسات التعليمية الخاصة، فضلاً عن ذلك، إلى تقويض أسس الانتفاع العام بالتعليم. وقد يؤثر هذا الأمر بوجه أعمّ تأثيراً سلبياً في إمكانية التمتع بالحق في الحصول على تعليم جيد وإمكانية توفير فرص تعليمية متكافئة. والدروس الخاصة الإضافية، أوالتعليم في الظل يمثّل بعداً متميِّزاً من أبعاد خصخصة التربية والتعليم، وهو أيضاً متزايد على نطاق العالم».
وتابعت «كثيراً ما يظهر التدريس الخاص بمثابة عَرَض مرَضي على تعليم نظامي سيِّئ، لكنّ له، مثل الظواهر الأخرى للتعليم الخاص، آثاراً إيجابية وسلبية معاً، على الدارسين وعلى المعلمين».
وواصلت «فهو من جهة، يمكن تطويعه لاحتياجات الدارسين البطيئين، وفي الوقت نفسه يمكّن المعلمين من تكميل مرتّباتهم التي يتقاضونها من التعليم النظامي، ومن جهة أخرى، تمثّل أجور التدريس الخاص جزءاً كبيراً من دخل الأسرة، ثم إن بعض المعلّمين يبذلون جهداً أكبر في إعطاء دروس خاصة مما في التعليم الرسمي، فيهملون واجباتهم النظامية، ما يؤثر سلباً على جودة التعليم والتعلم في المدارس».
وأكملت «فيما يتوسّع انتشار الانتفاع بالتعليم الأساسي وما بعد الأساسي، نعي بعميق الوعي حجم الضغط الذي يقع على التمويل العام لأنظمة التعليم والتدريب النظاميين، ويتولّد عن هذا الضغط حاجة إلى ما يلي: توخّي المزيد من الفعالية في استعمال هذه الموارد العمومية المحدودة؛ وضمان مساءلة أقوى عن استثمار الموارد العمومية في التربية والتعليم؛ وإيجاد سبل لتكميل هذه الموارد عن طريق تكبير الاستطاعة الضريبية، والدعوة إلى زيادة المساعدة الإنمائية الرسمية، وإقامة شراكات جديدة مع جهات فاعلة غير مؤسسات الدولة».
وأوضحت «ودوماً اضطلع المانحون تقليدياً بدور هام في إكمال المصروفات العامة الوطنية، ولاسيما المتعلقة بالتعليم الأساسي، وقد لوحظ أن التصريحات العلنية من جانب مؤسسات متعددة الأطراف تُشعر بالتزام قوي تجاه التربية والتعليم».
وختمت اليونسكو «وإضافة إلى ذلك، يتبيّن من استقصاءات الجهات المعنية داخل حكومات البلدان النامية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، وجود طلب قوي على دعم التعليم على نطاق أوسع، ولكن، على الرغم من قوة إعطاء الأولوية للتعليم الأساسي والطلب عليه، توجد بيّنات على أن الدعم المتعدد الأطراف الذي يقدَّم للتعليم الأساسي آخذ في التباطؤ قياساً إلى قطاعات».
العدد 5075 - الجمعة 29 يوليو 2016م الموافق 24 شوال 1437هـ