انقضت الساعتان، اللتان تنقلت فيهما «الوسط» بين مقتنيات متحف صالح الحسن بعراد، دون أن تنقضي مقتنياته التي تبلغ 55 ألف قطعة ووثيقة، بحسب تقديرات صاحب المتحف، المواطن صالح الحسن، والذي يكنى بعميد التراث في مملكة البحرين.
وتعيد الزيارة، التي تأتي استمرارا لاستكشاف المتاحف الأهلية المتوارية خلف جدران المنازل، رغم ما تشكله من محطات سياحية مفتوحة للعوام، تعيد مشهدا تليدا لحياة البحرينيين خلال المئة عام المنصرمة.
فمن ركن إلى ركن، كان الحسن يأخذ بيد زواره، ليطلعهم باستمتاع على حصاد ربع قرن من العشق والجمع لتراث البحرين، ليرد على سؤال بشأن قيمة متحفه في قبال كل هذا البذل من المال والوقت، بالقول «لا يقدر بثمن»، وليضيف «تطلب إنشاؤه عملا مستمرا لـ 6 شهور، وقد كلفني 20 ألف دينار، بعضها من مكافأة نهاية الخدمة بعد تقاعدي عن العمل، وحين عرض علي أحد الإخوة الخليجيين شراءه بمبلغ كبير جدا، رفضت».
وتابع «كان بمقدوري الموافقة، وبالمبلغ أشتري عمارة، من مدخولها أعيش هانئ البال، لكني رفضت، قناعة مني بأهمية الحفاظ على المتحف الذي يمثل أداة رئيسية لحفظ تاريخ بلادي، بما يغص به من مقتنياته ويفيض، حتى ظل بعضها في الخارج، وأخرى مختبئا خلف القطع المعروضة، الأمر الذي دفعني للتفكير الجاد في التوسعة مستقبلا، والتخصص في إنشاء المتاحف كالثقافية التي تضم الوثائق والمجلات والمطبوعات القديمة، بما فيها أكثر من 100 عدد من مجلة العربي الكويتية، أحتفظ بها في متحفي».
محاكاة الحياة قديماً
وبحفاوة بالغة، يستقبل الحسن ضيوفه، والذين يقصدون متحفه بشكل شبه يومي، ليشرح لهم بعضا مما لديه من مقتنيات حصل عليها من مصادر شتى، وهو يثني على دور الاهل والأصدقاء في تدعيم عمل المتحف الذي «يمثل محاكاة لقرن كامل من الحياة البحرينية».
وقبل دخول الزائر للمتحف الذي اقتطع له الحسن مساحة من منزله وافتتح في فبراير/ شباط الماضي، سيتعين عليه الوقوف لبرهة للتعرف على ما هو موجود خارج المتحف، من لوحة قديمة لـ»النقل العام»، وباب يوثق لمرحلة التصييف (الضعان) في عراد في الستينات، إلى جانب قوس محراب مسجد الغاوي في المحرق، والذي «بني على يد الوجيه محمد يوسف الغاوي عام 1964، ويعتبر أحد أقدم المساجد التي دخلها التكييف والتحديث»، يقول الحسن.
وفي الحديث عن مشواره مع التراث، يوضح الحسن «شاركت في 65 فعالية ومعرض داخل البحرين وخارجها، وبحوزتي أكثر من 50 شهادة تقدير، أما فكرة إنشاء المتحف، فقد جاءت لتترجم التشييد وفق الطراز المعماري القديم، بما في ذلك السقف المصنوع من الدنجل، والنقوش الحقيقية التي حصلت عليها من بيوت تراثية محرقية تعرضت للهدم، وهذه النقوش تعلو 9 «روشنات» تنتشر على طول المتحف».
عبدالناصر... في القلوب
ولوجا في المتحف، كان الحديث على وقع صوت الفنان الشعبي ضاحي بن وليد، فيما الحسن يشير للركن الأول من أركان المتحف «هذه شهاداتي التي حصلت عليها نظير مشاركاتي المتعددة، أعتز بها جميعا بما فيها مشاركتي في مدينة شباب 2030».
ومع تزامن الذكرى الـ 64 لثورة يوليو/ تموز 1952، ظل الزعيم المصري جمال عبدالناصر حاضرا في قلوب محبيه من البحرينيين. تشير لذلك معروضات متحف الحسن، أبرزها تلك التي توثق لزيارة عبدالناصر للبحرين عام 1954م وبمعيته المستشار تشارلز بلجريف ومن حوله الجماهير البحرينية.
يعلق الحسن على ذلك، بالقول «تيمّنا بذكراه، أسميت ابني البكر عبدالناصر. أما عشقه فمحفور في قلوب المحرقيين»، مضيفا بلهجة محرقية عتيقة «حتى اليوم لا يزال حب عبدالناصر يدغدغ مشاعرنا، حتى احتفلنا كأصدقاء بذكرى الثورة، يجمعنا عنوان (قروب بوخالد ما زال في القلوب)».
صندوق انتخابات 73
يواصل الحسن حديثه عن أبرز محتويات متحفه «لدي صندوقان لأول انتخابات نيابية في البحرين، والتي أجريت عام 1973. أهديت أحدهما لرئيس مجلس الشورى علي الصالح، والثاني موجود هنا في المتحف ليوثق لمرحلة هامة جدا في تجربة البحرين السياسية».
ويضيف «يومها كان والدي المرحوم محمد حسن مترشحا في الدائرة الثامنة في المحرق، قبل أن يخسر في قبالة عضو برلمان 73، علي ربيعة»، وتابع «والدي حكاية وتجربة متشعبة، وله في هذا المتحف نصيب، تشهد على ذلك بعض المقتنيات والصور».
استنطاق «الأنتيك»
ويعود الحسن للحديث عن متحفه «أحرص كثيرا على استنطاق المقتنيات، وذلك عبر إكمالها بما يتبعها من اكسسوارات، خدمة للزائر وبما يسهم في وضعه في صورة الحياة البحرينية قديما».
واستعراضا لمقتنيات متحفه، يقول الحسن: «ماكنة الخياطة هذه عمرها 50 عاما، ولدي 3 أخرى لكني لا أجد مكانا لعرضها، أما تلك فكاميرات سينمائية يتراوح عمرها من 40 إلى 50 عاما، وهذه 8 راديوهات من بينها هذا الراديو المعروف بـ»راديو أبو طابوقة»، والذي كنا «نضعن» برفقته إلى عراد قبل عقود خلت، وعمره كما تشير التقديرات يبلغ 90 عاما».
ويواصل انتقاله لبقية الأركان «هذا الركن مخصص لأدوات منزلية قديمة، منها «السقا» الخاصة برج اللبن، وبجوارها أشكال متنوعة من الدلال، إلى جانب جذوع النخيل التي كانت تستخدم لدق المواد الغذائية الخشنة كالروبيان وغيره، أما تلك المطاحن فبعضها يعود لـ 50 عاما، وقد حصلت عليها من سوق المحرق قبل 6 سنوات».
الركن المقدس
ويصل الحسن بشرحه وتنقلاته للركن الديني، والذي تزينه صورة للكعبة المشرفة تعود لـ 40 عاما، إلى «جانب قطعة مقدسة، أهديت لي من قبل صديقي المحامي حسن بديوي وهي قطعة قماش من كسوة الكعبة مكتوب عليها (يارحمن يارحيم). حصلت على عرض لشرائها بمبلغ كبير، لكني رفضت»، يقول الحسن.
ويضم متحف الحسن 200 نسخة من القرآن الكريم، تتعدد أحجامها وأعمارها، أما أقدمها فيعود لـ 150 سنة.
صور وتوثيق
بجوار ذلك، يحتفظ الحسن في متحفه بأعداد كبيرة من الساعات، وهدية تحصل عليها وهي توثق لزواج سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، عام 2009، إلى جانب الإناء الفضي الذي كان يحوي حلوى الزواج.
وفي الركن التالي، يضم المتحف صورة لسمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، مع الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود، التقطت عام 1980، للحظة مناقشة القيادتين لمشروع إنشاء جسر الملك فهد.
ويتحدث الحسن عن هوايته التي تعتمد في تقديراتها المالية على ثنائية العرض والطلب، مشيرا إلى ركن الأواني، بما فيها صحون «أبو أسد» و»أبو سبع»، ليبين أن أحد الصحون الصغيرة ارتفعت قيمته من 500 فلس إلى 150 دينارا دفعة واحدة.
عقب ذلك، يأتي الركن الرياضي والذي يضم صورة لجلالة الملك وهو يمارس لعبة كرة القدم في نادي النجمة قبل عقود.
يا فتاح يا عليم
إلى ركن المحل، كانت الانتقالة، والحسن مشغول بفتح الباب في محاكاة للزمن القديم، وهو يردد العبارة الشهيرة (يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم)، مستريحا على كرسيه، منصات لصوت الراديو، بانتظار زبائنه.
ويضم المحل (عبارة عن خزانة)، مقتنيات متعددة من بينها صندوق لشراب النامليت وصندوق لشراب البيبسي، لا تزال زجاجاته القديمة التي يقول عنها الحسن انها اول الزجاجات التي استوردتها البحرين، تحوي المشروب الأسود، إلى جانب كامل «عدة» المحل بما فيها الميزان (الربعة)، والحذاء الذي يحمل ماركة خوشابي الشهيرة.
وصولا لقسم الوثائق والذي يحوي ملفات حمل كل ملف منها اسما يشير لمجاله، ضم المتحف وثائق قديمة من بينها تلك التي تعود للعام 1935م وتتحدث عن إنشاء ملجأ للأيتام في البحرين، وأخرى توثق لانتخابات مجلس بلدية المنامة عام 1952م، وثالثة هي مذكرة صادرة عن إدارة النادي الأدبي في المحرق وتعود للعام 1920م، ورابعة وثيقة من زمن الحرب العالمية الثانية مؤرخة في مارس/ آذار 1943م.
نصائح العميد
وقبيل الختام كان الحسن ينتقل لركن الجوازات والذي يضم أقدمها ويعود لـ 1954م، وبجانبه صندوق الحج الذي يضم كل ما يرتبط بمقتنيات الحجاج، إلى جانب إمساكية رمضان الصادرة عام 1941م، وكتيب يختص بتاريخ السينما في البحرين.
ولم يغفل الحسن، تضمين متحفه، ما يرتبط بمحتويات غرف المنزل قديما، من (كرفاية) وطاولة «المعرس والعروس».
وفي أوقات محددة ومنظمة، يستقبل المتحف زواره مجانا، فيما يوجه عميد التراث البحريني صالح الحسن نصائحه للبحرينيين، مشددا على ضرورة الاهتمام بتراث وتاريخ البلد والحفاظ عليه من الضياع أو الانتقال للخارج.
العدد 5075 - الجمعة 29 يوليو 2016م الموافق 24 شوال 1437هـ
الاشياء والتحف القديمه ﻻتقدر بثمن ..فمابالك 55 الف قطعه ؟
في مكان وعند شخص واحد .
اعتفد في شخص بعد من منطقة البسيتين لديه صاله كبيرة في منزله للتحف واﻻشياء القديمة ..
لماذا ﻻ يتم تكريم هاوﻻء من الدوله عاى مجهودهم بالمحافظة عاى التراث الشعبي ..
عجيب احب المقتنيات القديمه انه خاطري في بيانو قديم ومحتفظه بملاس ومواعين امي الله يرحمها من ايام عرسها يعني من ستين سنه
55 ألف قطعة رقم ضخم ، المفروض المتحف يستغل تجارياً كي يزوره الجميع من مواطنين وسياح
هذا الرجل مثابر ونشط على مستوى خدمة مجتمعه ويستحق ان يكرم بوسام الخدمة المجتمعية من قبل جلالة الملك ولمن لايعرفه هو الامين المالي لجمعية البحرين لهواة طوابع البريد لأكثر من ربع قرن وهو أول من فتح متحفه لإستقبال الزوار يكفي إعلامه وتراه واقفا في استقبال من يريد زيارته وهم بالمئات حتى الآن واقول فعلا هو العميد اطال الله في عمرك وحفظك....ع.ا.ع.
بالفعل الحفاظ على تاريخ وتراث وهوية البحرين لا يقدر بثمن ، نتمنى تشجيع مثل هذه المبادرات وأتمنى زيارة هذا المتحف قريباً
حبذا لو نعرف أوقات الزيارات
فعلاً الواضح من الصور أنه متحف قيّم ونشكر عميد التراث صالح الحسن على اهتمامه بتوثيق تاريخ البحرين وعندي ملاحظة لو كان هناك صور قديمة ووثائق وحتى تحف يتم تصويرها ونشرها للناس عبر الانستغرام مع موجز مكتوب يؤرخ الصورة وشكراً لجريدة الوسط على هذه التغطية