تتحدّث هذه الرواية ذات المئة صفحة، المنشورة عام 1759 والتي يعدها النقاد أفضل عمل للفيلسوف الفرنسي فولتير، عن قصة شاب ألماني بسيط في قدراته العقلية ويحب اتّباع آراء الآخرين، خاصة المشاهير منهم.
يتأثر هذا الشاب برأي الفيلسوف بانجلوس، الذي تصفه الرواية بأكبر فيلسوف في الإمبراطورية الرومانية المقدسة. ولكنه أيضاً يحب بنت البارون الجميلة ويريد الزواج منها. تحصل لهذا الشاب أحداث كثيرة غريبة عجيبة يختلط فيها الواقع بالخيال، ويلازمه سوء الحظ طوال رحلته تقريباً التي يزور فيها مختلف أصقاع العالم.
تتميّز الرواية بالأحداث السريعة جداً وفيها الكثير من الفلسفة والرمزية التي قد تفوت الكثير ممن يقرأها إذا لم يكن هناك إطلاع وفهم للأحداث والأفكار المنتشرة في زمن كتابتها. سأحاول هنا استعراض أبرز الأفكار الواردة في الرواية حسب فهمي لها دون الدخول في تفاصيل الأحداث التي لا تشكل سوى قالب لهذه الأفكار.
منذ البداية يسيطر أسلوب السخرية على الرواية فتخصص الفيلسوف بانجلوس هو «الميتافيزيقيا اللاهوتية الكونية»، وهو يعتقد أن الأنف قد تم تصميمه بهذا الشكل لكي يناسب النظارة، والرجل قد تم تصميمها لكي تناسب الجوارب، وهي إشارةٌ ساخرةٌ إلى الخطأ المنطقي الذي يعبر عنه بوضع العربة أمام الحصان، وهو يوجّه هذا النقد لمن يقول بالعناية الإلهية، فبعد أن يذكر هذين المثالين يقول أن الحجارة كذلك قد تم تصميمها لكي يبني البارون قلعته، والخنزير تم خلقه لكي يأكله الإنسان. كانت النقاشات العقائدية محتدمةً بين الفلاسفة في ذلك العصر في أوروبا الذي سُمّي بـ«عصر التنوير»، وقد اتخذ كثير منهم المذهب الربوبي، حيث اعتقدوا بوجود خالق واحد إلا أنهم أنكروا الرسالات والأديان ووصفوها بالبشرية، وأنكروا كذلك التدخل الإلهي في الشؤون البشرية.
أهم فكرةٍ ينتقدها فولتير في الكتاب هي فكرة «التفاؤل» للفيلسوف الألماني غوتفريد لايبنتس، والتي تقول باختصارٍ أن غاية كل الأمور هي للأفضل في هذا العالم الأفضل من بين جميع العوالم الممكنة، وقد سبقه في الوصول إليها الفيلسوف المسلم أبو حامد الغزالي الذي قال «ليس بالإمكان أفضل مما كان». وهذه الفكرة هي في الأساس محاولةٌ للرد على مشكلة الشر الشهيرة التي ترى تناقضاً بين وجود الشرور (أو مقدار معيّن من الشرور) وبين وجود خالق كلي القدرة والعلم والمحبة. لهذا يمر كانديد بعددٍ مهولٍ جداً من الشرور التي تتنوع بين كونها شروراً بشرية (أو أخلاقية) كالحروب والقتل والسرقة والاسترقاق والاغتصاب ومختلف أنواع الظلم، أو شروراً طبيعية كالأمراض والزلازل والتسونامي ومختلف أنواع الكوارث الطبيعية. وكذلك نجاة وازدهار الأشرار في مقابل هلاك وخسارة الأخيار. وفي غمرة هذه الأحداث التي يغلب عليها الخيال، يتطرّق الكاتب لأحداث حقيقية دون تسميتها صراحةً، أبرزها اثنان، الأول هو حرب السبع سنين والتي كانت بمثابة حرب عالمية شملت جميع القوى العظمى في العالم (عدا الامبراطورية العثمانية) وامتدت أحداثها لأربع قارات؛ أما الثاني فهو حادثة زلزال ليزبون العظيم الذي وقع في البرتغال في العام 1755 في يوم عيد القديسين، وأدى إلى دمار وقتل عظيمين خاصة أنه كان متبوعاً بتسونامي كبير. لقد هُدمت جميع الكنائس الكبرى في مدينة ليسبون وقتل ما بين 10 و100 ألف شخص. صدم هذا الحدث الأخير العقل الديني الأوروبي وأدى لتطورات في معالجة مشكلة الشر.
إن مبالغة الكاتب في أحداث الرواية يُراد له الإشارة إلى أن كمية الشرور الموجودة في العالم كبيرةٌ جداً، ولا يمكن تبريرها بالقول أنها أسباب ضرورية للخير. ويسخر الكاتب كذلك من التعصب الديني ومحاكم التفتيش وينتقد استغلال رجال الدين لعامة الناس ونفاقهم وتناقضاتهم الدينية السياسية.
من ضمن الأماكن التي يزورها كانديد مملكة إل دورادو، وهي مملكة أسطورية غزت أوروبا الشائعات حولها وحول وجود الذهب والمجوهرات بكثرة. في إل دورادو الرمل ذهب، والحجارة أحجارٌ كريمة وجواهر. الطعام فيها لذيذ ووفير، وكل المتع بالمجان. الناس فيها سعداء وأجسامهم سليمة ويعمرون مئات السنين. يؤمن سكانها بإلهٍ واحدٍ، ولكن عبادتهم الوحيدة هي شكره فقط، ولا يوجد لديهم رجال دين. لا يوجد لديهم كذلك برلمان ولا سجن ولا اختلافات في الأفكار والعقائد. وتتميز هذه المملكة بتقدم الفيزياء والرياضيات والهندسة فيها، ولا يحتك سكان هذه المملكة بالناس بل يعيشون معزولين، وتحاط مملكتهم بحواجز طبيعية تجعل من شبه المستحيل الدخول إليها، ولكن كانديد يصل إليها طبعاً. يشير الكاتب على لسان البطل أن هذه المملكة هي حقاً العالم الأفضل من بين جميع العوالم دون سواها، والقصد هنا هو أن عالمنا لو كان أفضل العوالم الممكنة حقاً كما يقول لايبنتز (أو بانجلوس في الرواية)، لكان العالم كله مثل إل دورادو.
في النصف الثاني من الرواية، يلتقي كانديد بفيلسوف آخر اسمه مارتن، لعله يمثل رؤية فولتير الفلسفية للحياة. يقول هذا الفيلسوف المتشائم إنه لم يجد حلاً لمشكلة الشر سوى الإيمان بالعقيدة المانوية التي تقول بوجود صراع بين الخير والشر، أو النور والظلام. يرى هذا الفيلسوف أن التفاؤل ليس سوى «حماقة الإدعاء بأن كل شيء صحيح في حين أنه خاطئ»، وأن العالم «شيءٌ أحمق جداً ومقيتٌ جداً،» الغاية منه أن «يعذّبنا حتى الموت». ويستمر النقاش بين الإثنين خمسين يوماً دون الوصول إلى نتيجة، إلا أن مارتن ينتصر عندما تصدق تنبؤاته المتشائمة. وكذلك يعترف بانجلوس بعد كل ما أصابه أنه أخطأ في قوله أن عالمنا هو أفضل العوامل الممكنة، إلا أنه يقول إنه لا يستطيع التراجع عن موقفه في العلن لأنه فيلسوف.
في الختام يلجأ كانديد إلى أحد كبار الدراويش ويسأله عن سبب الخير والشر في العالم، فيسأل هذا الأخير مستنكراً عن سبب السؤال. ثم يقوم بتشبيه البشر بالفئران الموجودين على سفينة أحد الملوك، فهذا الملك لن يهتم إن كانوا يعيشون في راحةٍ أم لا. وأخيراً يشتري كانديد قطعة أرضٍ لزراعتها، إلا أن الفيلسوف بانجلوس لا يزال يريد مناقشة موضوع الخير والشر، فيتجاهله كانديد ومن ثم يقول له «يجب أن نزرع حديقتنا»، في إشارةٍ إلى أهمية العمل وترك الجدال.
إنها رواية قصيرة، لكنها كبيرة وعميقة بأفكارها، وهي تحفز العقل على التفكير والتساؤل. كذلك فإنها تظهر براعة فولتير في الكتابة وخفة ظله. إذا أعجبك أسلوب السخرية الذي يستخدمه الكاتب، فستقضي وقتاً ممتعاً تتخلله الكثير من الضحكات والقهقهات بغض النظر عن اتفاقك أو اختلافك مع توجهات الكاتب الفلسفية.