قبل ما يقارب من عقد ونصف من الزمن قرأت مقولة مجهول قائلها في إحدى محطات القطار بمدينة كنتربري Canterbury العريقة، التي تقع جنوب شرق العاصمة البريطانية لندن، ولدرجة تأثري وشدة إعجابي بها فقد حفظتها في حينها عن ظهر قلب، دون الحاجة إلى تدوينها. والعبارة تقول «من خلال العمل بقلوب توَّاقة وأيدٍ ماهرة، فإن الأمور الصعبة نُنجزها (كفريق) بسرعة، أما الأمور المستحيلة فتأخذ بعضًا من الوقت. With the willing hearts and skillful hands, the difficult WE do at once, and the impossible takes a bit longer»
بالفعل ومن خلال التجارب التي نخوضها كأفراد ونراها ماثلة أمامنا على أرض الواقع بأن كلا من العاملين «القلوب التواقة» التي تحمل الرغبة الصادقة، و»ألايدي الماهرة» التي تمتلك الخبرة والعلم، متى ما توافرت لدى مجموعة من الأفراد فإنها تخلق المعجزات، حيث تذلل الصعاب بسرعة قياسية وحتى الأمور التي يعتقد بأنها مستحيلة، فإنها سرعان ما تذلل بفضل العمل كفريق.
بلاشك يمتلك الأفراد وخاصة الشباب ومن كلا الجنسين -رجال ونساء- طاقات جبارة وهائلة تكون في كثير من الأحيان مخفية، ليس فقط عن الأشخاص الآخرين، سواء القريبين منهم أو البعيدين، بل حتى عن الأفراد أنفسهم، ولكنها تبرز للعيان في المواقف المختلفة، حينما يكونون على المحك ويوضعون في المواقف التي تتطلب منهم إبراز قدراتهم وطاقاتهم حتى ينجزوا ما أوكل اليهم، أو تبرعوا بعمله بمستويات عالية من الجودة والإتقان. ومن ضمن هذه المواقف التي تبرز فيها الطاقات والميزات والقدرات المختلفة عند الأفراد عند العمل ضمن فرق عمل، سواء على المستوى العمل المهني الذي يشكل مصدر الرزق للأفراد، أو في الأمور التطوعية، التي عادة ما تكون محببة الى قلوب وعقول من يقوم بها (والذي هو محور هذا المقال)، فعندها تتفتق الطاقات وتبرز المهارات، ويبدع الأفراد، وبدون أدنى شك تشكل هذه الأنشطة التي تتيح للأفراد العمل ضمن فرق، فرص سانحة لاكتشاف المواهب، والتعرف على الطاقات المختلفة، ومن ثم صقلها والاستفادة منها في مختلف الأنشطة والفعاليات القادمة.
في الفعالية الكبيرة والناجحة التي أقامتها لجنة المرأة بجمعية المعامير الخيرية تحت مسمى «معامير أنتيك بازار»، والتي أقيمت وعلى مدى 3 أيام في الصالة الرياضية لنادي المعامير الثقافي والرياضي، والذي شاركت فيه، فقد تجسد وبشكل عملي العمل التعاوني الذي خلق نجاحا باهرا.
من المؤكد بأن من أهم أهداف هذه الفعالية الكبيرة هي إيجاد مصادر دخل متنوعة للجمعية الخيرية، هذا فضلا عن المساهمة في تحقيق الترابط والتكامل الاجتماعي على صعيد المجتمع الصغير (القرية) وعلى صعيد المجتمع الأكبر، وهو المجتمع البحريني بأسره، بل تعداه إلى دول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة. كما أعتقد بأن من أهدافه الكبرى هو إبراز العناصر النشطة والماهرة في مجال العمل الاجتماعي التطوعي، وبالتالي صقلها بشكل عملي، والاستفادة منها بشكل كبير في الفعاليات المختلفة التي يعتمد فيها على العنصر البشري ذي الكفاءة الكبرى، والتواق للعمل ضمن فريق. وأعتقد بأن هذه الأهداف قد تحققت على أرض الواقع.
في اعتقادي أنه من أهم مقومات نجاح العمل الجماعي هو التخطيط الجيد والمسبق لهذا العمل وإدماج كافة القائمين عليه، ليس فقط في التنفيذ، بل يجب أن يشرك الجميع في التخطيط الذي يسبق التنفيذ. فهذا من شأنه أن يشعر الجميع بأهميتهم، وأن القرارات التي اتخذت ليست من الهرم إلى القاعدة، بل هي نتاج تلاقح أفكار الجميع بما فيهم القاعدة الواسعة. وبصفتي مراقب لما كان يدور في أروقة الصالة التي أقيمت فيها الفعالية، فإن روح العمل الجماعي المنظم كانت واضحة وبشكل لا لبس فيه. فالجميع كانوا يعرفون أدوارهم المختلفة، وكانوا يعملون بكل أريحية ونشاط وكأنهم خلية نحل، طوال فترة الفعالية.
من المؤكد أنه لم يكن العامل المادي الدافع لعملهم لأنهم (أي القائمون على الفعالية) كانوا متطوعين، بل إن رغبتهم الجامحة في تحقيق الأهداف الكبرى التي رسمت للفعالية والتي من خلالها أسهمت في تحقيق ذواتهم، حيث مكنتهم هذه الفعالية من إظهار بعض من قدراتهم وإبداعاتهم المختلفة، وهذا هو قمة الحاجات الإنسانية بحسب نموذج ماسلو المتعارف عليه على نطاق واسع للحاجات الإنسانية.
كمراقب لعمل الفريق القائم على الفعالية والتي أقيمت من قبل جمعية المعامير الخيرية، ولأول مرة فإن من أسرار نجاحها على مختلف الأصعدة، تكمن في عدة أمور أبرزها من وجهة نظري التالي:
أولا: عمل فعاليات مصاحبة من نفس جنس الفعالية (البازار)، مثل المزاد العلني على «الأنتيك». والذي أدير بشكل احترافي من قبل متخصصين، وشارك به مجموعة من المهتمين بالتراث من مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا يعد انجازا كبيرا. كما شجع عددا لا يستهان به من العارضين على تقديم بعض مقتنياتهم في المزاد لصالح جمعية المعامير الخيرية. كذلك بالنسبة إلى محاضرة ابن قرية المعامير الأستاذ جاسم آل عباس صاحب مدونة «سنوات الجريش»، عن تاريخ قرية المعامير والتي شهدت حضورا جماهيرياً كبيرا.
ثانياً: استقطاب الكثير من المهتمين بالتراث وأصحاب الهوايات والمتاحف الشخصية، فضلا عن الحرفيين. هذا بالإضافة إلى تواجد بعض المحلات المساندة مثل بائعي الأكلات الشعبية، والتي تعد من الموروث الشعبي لأهل البحرين والمنطقة.
ثالثاً: معرفة القائمين على الفعالية بأدوارهم المختلفة. وكذلك التحرك من قبل الطاقم القائم على الفعالية بكل هدوء وبدون إحداث أي جلبة، هذا بالإضافة الى رحابة صدورهم ورغبتهم الصادقة في خدمة المشاركين والجمهور، حيث كانوا يرصدون تعابير وحركات الجميع، ويبادرون في تقديم خدماتهم.
إن فعالية «معامير أنتيك بازار» ما كان لها أن تنجح لولا روح العمل التعاوني التي جسدها مختلف القائمون عليها، وتضافر جهود الكثير من الجهات المساندة. وأرى انه من أجل تطويرها في المستقبل؛ وجب على القائمين عليها عقد ورشة عمل تقييمية للفعالية، على أن يشارك فيها جميع طاقم العمل؛ كذلك وجب دراسة التغذية الراجعة من خلال ملاحظات المشاركين والزوار للفعالية التي سطروها في الاستبانة الخاصة التي وزعت على الجمهور، وكذلك من خلال الملاحظات الشفوية أو التي كتبت أو قيلت في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انه من المؤكد ستشكل هذه المعلومات حزمة كبيرة من الأفكار التي بلاشك اذا تمت دراستها وغربلتها، ستسهم في تحسين هذا العمل الجماعي وتطويره بشكل كبير. فنحن في أشد الحاجة إلى تعزيز ثقافة العمل التعاوني في مجتمعنا الواعد بإذن الله تعالى.
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"العدد 5073 - الأربعاء 27 يوليو 2016م الموافق 22 شوال 1437هـ
احسنتم وكثر الله خيركم في هذا الاتجاه .
نعم
طاقات وكفأءات موجوده في قرانا المختلفته تحتاج احتضان وتوجيه نحو لافضل لتنتج ماهو مطلوب ،، شكرا لك استاذنا العزيز
شكرا لكم. نعم هناك طاقات كبيرة وكثيرة تعمل في صمت... وعلينا تشجيعها والشد من زارها. ..
نشكركم من صميم قلوبنا.