ستأخذنا نهاية الحلقة الأخيرة من «ملامح سيرة السلمان والخراراتي»، إلى ترك سعيد السلمان العمل السياسي والانتماء إلى الجمعيات السياسية، توجُّهاً وتفرُّغاً لعالم التجارة من أوسع أبوابه وعبر منطقة الخليج العربي، من خلال شركة متخصصة في تموين حقول النفط. بدأ سعيد السلمان، عمله مع شركة (ﮔري- ماكنزي) بين عامي 1956-1957. وخلال تلك المرحلة التأسيسية من حياته تزوَّج في يناير/ كانون الأول 1961م، وهو في الرابعة والعشرين من عمره. وزوجته هي بتول إبراهيم محسن بن عبدالله بن رجب، وبذلك يكون جدّها الأكبر، هو تاجر اللؤلؤ المعروف في القرن التاسع عشر للميلاد، عبدالله بن رجب، وهو ابن محمد بن محسن بن رجب، شقيق ممثل بريطانيا في البحرين في الفترة ما بين 1868 - 1869، إبراهيم بن محسن بن رجب.
وقد حصل محمد على الجنسية البريطانية وحماية خاصة لابنه عبدالله، الذي أصبح وكيلاً حصرياً عام 1873 لشركة الشحن (Gray Paul & Co)، وهي شركة تجارية مملوكة لبريطانيا وتعمل في عموم الخليج آنذاك وقبل أن تفتح لها فرعاً دائماً في المنطقة وفي البحرين تحديداً في العام 1883. وجاءت هذه الثقة البريطانية في عبدالله بسبب قوّة العلاقة السابقة بين العائلة والمقيم وحكّام البحرين. كما تم تعيينه في منصب المدير الثاني لشرق الجزيرة العربية من قِبل هيئة «الخدمة البريدية الهندية البريطانية» من العام 1875 وحتى العام 1844، وبقي الوكيل الحصري لشركة الملاحة البخارية الانجليزية (BI) في البحرين حتى وفاته العام 1889. وأنجب، سعيد السلمان: وليد، وميسون، ونضال، وميثم.
التجارة في النفط
بقي سعيد في وظيفته بشركة (ﮔري- ماكنزي) حتى العام 1965؛ حيث اكتسب خلالها مزيداً من الخبرة واللغة الانجليزية. إلا أنه خلال الحراك الوطني في البحرين فترة الخمسينيات من القرن العشرين؛ كان سعيد ضمن ذاك العمل الوطني ضد السلطة الانجليزية وتحكمها بمفاصل البلاد. ولذا كما يقول رفاق دربه، في المنبر الديمقراطي التقدمي، خلال نعيهم للراحل في الصحافة «إن الوجيه السلمان خبر المعتقلات والسجون والتعذيب، فقد تكررت مرات الاعتقال مع تكرار هبّات شعبنا، لما كان له من دور نضالي مشرّف فيها عموماً. وكان ذلك في الأعوام 1957 و1966، حيث كان أحد المسئولين عن العمل الجماهيري في منطقة المنامة في تلك الفترة. وكما جاء في ذكرياته عن فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ففي الأول من مايو/ أيار 1957 اقتيد إلى المقبرة لإرهابه هناك».
ويضيف هو في سرد الذاكرة: «كنت منضماً مع مجموعة الحراك الوطني في انتفاضة الخمسينيات مع جبهة التحرير، وأنا بعد ما زلت في مقتبل العمر. فتم اعتقالي لعدة شهور، وخرجت بتدخل كل من السيدمحمود العلوي، وحسن جواد، في هذه القضية».
«بعد العام 1965، انتقلت للعمل عند القصيبي في شركة المرطبات التي يملك وكالتها المعروفة باسم (كندا دراي)، في وظيفة مدير مبيعات في المصنع، وبقيت معه حتى العام 1971، حيث تركت العمل أيضاً، ولكن دون الحصول على أي تقاعد أو ما شابه؛ حيث لم يكن هذا النظام قد بُدء العمل به في تلك الفترة».
ويبدو أن الأفكار قد تغيّرت، والطموحات تطوّرت في عقل وفكر سعيد السلمان، بعد تلك السنوات. فقد اعتزل العمل السياسي مطلقاً، كما يذكر ابنه ميثم، منذ العام 1969، مع ابنه عمه حسن محمد جواد السلمان. وقرر مع مطلع السبعينيات التوجه لإنشاء عمله الخاص به دون الاعتماد على أي وظيفة، معلناً دخوله عالم التجارة. واختار الدخول إلى عالم النفط من أوسع أبوابه وعبر الخليج العربي. فقد دخل شريكاً أساسياً في شركة خدمات عامة باسم «شركة دلمون لتموين حقول النفط»، كما يذكر اتفاقها الموقع بين الشركاء بتاريخ 12 أبريل/ نيسان 1975م، عملها استيراد اللوازم الاستهلاكية للمنشآت الصناعية وتسويقها في البحرين أو خارجها، وكانت مدة عقد الشركة خمس سنوات حتى 11 أبريل للعام 1980 قابلة للتجديد. وشاركه في هذا المشروع التجاري كل من: أنتوني كوه، كطرف أول، وسعيد السلمان كطرف ثانٍ، وبقية الأطراف على التوالي: صقر محمد الزياني، عيسى أحمد عيسى، وعباس عبدالله حسين. وكان المقر الرئيس للشركة في البحرين.
وقد نجح هذا المشروع وفتحت الشركة لها فرعاً في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. ويذكر سعيد، بأن عمل هذه الشركة استمر على مدى سنوات متتالية. ويضيف «ربي وفقني في هذا المشروع جداً. وتوسّعت أعمالنا بأهم صفقة عبر اتفاقية مع عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم إمارة عجمان الشيخ حميد بن راشد النعيمي العام 1992 لمشروع كبير ضمن تطوير الإمارة. ومع تطور العمل، تخليت عن المكتب الذي بدأت فيه الشركة، وأعطيته لمحمد السيد يوسف المحامي، وحسن رضي المحامي. وأخذنا مكتباً آخر، بسبب توسع العمل».
وخلال انغماس سعيد السلمان في العمل التجاري الخاص لم تعد له أي عضوية من أي نوع في أي جمعية سياسية أو غيرها، ولكنه كان يشارك في انتخابات البرلمان منذ العام 2006، حتى أنه انتخب عبدالحسين المتغوي وكان داعماً له. كما أنه لم يترك العمل التجاري حتى يوم وفاته، حيث كان لا يشعر براحة خارج عمله الذي عشقه طوال حياته.
هكذا عاش الأب الوطني سعيد محمد علي السلمان، وهكذا رحل بهدوء وسط عالم رمادي ضاعت فيه كثير من القيم اليوم، وتلوّنت فيه العديد من المواقف، وتلوّثت فيه كثرة من الأفكار والعقول، ممن عاصر الراحل أصحابها، وعاش معهم وبرفقتهم جزءاً مهماً من أيام الزمن الجميل؛ على رغم قساوته.
الله يرحمك
كنت مصدر الهام لنا