بعيداً عن واجهات بعض محلات الأحذية الإيطالية الراقية، ثمة واقع قاتم قد يجهله معظم رواد هذه المتاجر، وضع يحاول كشفه تقرير منظمة "سيتيم" التي تعنى بقضايا حقوق العمال والمهاجرين بقطاع النسيج والأحذية، والذي رفع الستار هذه السنة عن ممارسات يصعب تقبلها في دولة أوروبية وقّعت على جل اتفاقيات حقوق العمال والمهاجرين.
اعد موقع قناة "الجزيرة" تقريراً اليوم الاربعاء (27 يوليو / تموز 2016)، يجمل هذه التجاوزات في اضطرار بعض العمال إلى المكوث في بعض مصانع الأحذية الإيطالية ساعات طوالا تتجاوز بكثير ساعات الدوام المعتاد.
ويضيف أن التحقيقات التي أجرتها مفتشية الشغل أثبتت أنه منذ الأول من يناير/كانون الثاني 2011 إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2014 لوحظ أنه -في عينة من ألف شخص- يوجد 70% من العمال من الإيطاليين و30% من المهاجرين.
خروقات قانونية
ومن بين هؤلاء، اكتشفت السلطات الإيطالية خروقات قانونية بحق 208 عمال، من ضمنهم 112 كانوا يعملون بلا عقود وبدون تغطية الضمان الاجتماعي، خاصة المهاجرين منهم الذين يشكلون نسبة 44% من مجموع المتضررين من هذه الممارسات التي تقع في إقليم سانتا كورسي المعروف في أوساط النقابات الإيطالية بـ"جمهورية الجلود".
ويعود استغلال العمال المهاجرين -وفق غيسوالدي- إلى النمو المضطرد بأعداد المغتربين السنغاليين الذين وصلوا هذه المنطقة نهاية القرن الماضي. "في سنة 2015 أوضحت مصالح الإحصاء الإيطالية أن عدد المهاجرين السنغاليين وصل إلى 2034 شخصا، معظمهم يعمل بقطاع الأحذية وتحديدا مجال كشط الجلود، وهو عمل يقتضي التعامل مع جلود متسخة وثقيلة، وهي المهمة التي يرفضها المواطن نظرا لصعوبتها ومشقتها".
ويرى هذا الناشط الحقوقي أن المهاجرين الذين قادهم حظهم العاثر إلى هذا الإقليم مجبرون على قبول هذه المهام نظرا لحاجتهم الماسة إلى المال والحصول على وثائق إقامة للخروج من دوامة الاستغلال والفقر التي تفرضها عليهم وضعيتهم غير القانونية.
لكن الاستغلال والإساءة إلى أبسط الحقوق لا يمسان فقط بسطاء المهاجرين الذين حطوا الرحال بهذا الإقليم الإيطالي، فتداعيات هذه الصناعة لم تسلم منها البيئة، إذ لهذه الصناعة آثار سلبية كالاستهلاك المفرط لموارد المياه والكميات الضخمة من العوادم والمخلفات الكيميائية والبيولوجية الناتجة عن عملية التصنيع.
هناك ارتفاع في أعداد المصابين بالسرطان بين العمال
فمصانع الدباغة بإقليم سانتا كروسي تستهلك تقريبا ستة ملايين متر مكعب من المياه سنويا تستخرج من الآبار الجوفية. ومن كل طن من الجلود الخام تستخرج الصناعة 250 كيلوغراما من الجلود الجاهزة للاستخدام، وهو ما يفرض استهلاكا يناهز خمسين طنا من المياه ونصف طن من المواد الكيمائية الملوِّثة.
ويشير غيسوالدي إلى أن تلك الأرقام جعلت هذا الإقليم الذي لا يتجاوز عدد سكانه مئة ألف نسمة يفرز نسب تلوث شبيهة بتلك التي تنتجها كبرى المدن الإيطالية، ويلفت أيضا إلى ارتفاع أعداد الأشخاص المصابين بـالسرطان في الإقليم.
وأمام هذه الحقائق، يثير الانتباه ردود فعل بعض مصانع الجلود التي لم تنفِ هذه التجاوزات، بل اختارت كيل سيل من الاتهامات لمنظمة "سيتيم" التي تأخذ على الحكومة تسامحها مع هذا القطاع نظرا لحاجتها إلى خفض مستويات العطالة.
ويؤكد تقرير "سيتيم" أن الحكومة لا تتدخل لحماية العمال، وإنما تمنح الشركات حرية أكبر لتنفيذ التسريح الجماعي وتتغاضى عن حقوق العمال و"هو ما يثبته تراجع حجم حملات التفتيش الرسمي لمعاينة ظروف العمل بهذا الإقليم".
وتعتقد المنظمة أنه بدون وعي المستهلك بكل هذه المخالفات والتزام المواطنين الأوروبيين بالحقوق المكتسبة في مجال ظروف العمل يستحيل وقف هذه التجاوزات التي تعتبر وصمة عار في جبين دول الاتحاد الأوروبي.