أصعب ما قد يصادف أي إنسان، أن يصدم في عزيز لديه، أو يوضع في موقف يرى فيه من يحب يعاني ولا يدرك كيف يخفف من آلامه، حينها يتمنى الكثيرون لو كانوا يعانون بدلاً ممن يحبون، فالألم الذي يجد موطئاً له في القلب، أشد وخزاً من نصل السكاكين.
أكاد أجزم أن أغلب البشر يتمنون لو أن لديهم القدرة على شفاء أحبتهم من المرض، أو أن ينسجوا واقعاً جميلاً يغير حياتهم المعقدة والمتعبة، ولكن هناك ما هو أهم من التفكير في العلاج في مرحلة رصد المعاناة، ألا وهو الاعتراف بوجود المشكلة والبحث عن سبل لحلها.
جميل أن تُشعر الآخر بأنه في وضع طبيعي، وأنه لا يختلف عن الآخرين في شيء، فبذلك تُبعد عنه شبح الانغماس في وضعه الصحي، ولكن الأجمل أن تأخذ بيده نحو فضاء أرحب، وأن لا تتنصل من حقه في أن يكون مهيئ للاندماج في المجتمع، وربما الانتقال لمرحلة الإبداع والتميز في مراحل لاحقة من خلال استثمار طاقته ومواهبه وتسخيرها في تعزيز ثقته بذاته، وقدرته على تجاوز العارض الصحي الذي ينال من جسده وتفكيره وروحه.
قد يكون ما ذكرت، مجرد أماني لعلاقة متناغمة بين اثنين تربطهما علاقة إنسانية وطيدة تتطلب التضحية من أجل أن ينتشل أحدهما الآخر من محنة أو قلق وخوف من مرض عضال أو مزمن، فكيف الحال لو كان الطرف الأول أب أو أم والثاني ابن أو ابنة مصابين باضطراب طيف التوحد؟
للأسف أن هناك شريحة واسعة من الآباء والأمهات في مجتمعنا البحريني، لا زالوا يواجهون معاناة أبنائهم مع اضطراب التوحد بالصد والتجاهل، وأحياناً التعلق بعوارض أخرى مثل تأخر النطق والصمم أو الجنون ربما، للابتعاد عن مواجهة المشكلة والاعتراف بها اجتماعياً، بل هناك من يخفي أبنائه بعيداً عن أعين الناس لدرجة إنكار وجودهم في الحياة.
هذا الهروب الانهزامي قبل أن يكون مسائل عليه صاحبه أمام الخالق، فإنه من وجهة نظري جريمة في حق أبنائنا التوحديين الذين يكتنزون طاقات كامنة، كلنا مسئولين عن استخراجها بالرعاية والاهتمام والصبر.
العدد 5072 - الثلثاء 26 يوليو 2016م الموافق 21 شوال 1437هـ